فريضة الصبر والجود والعطاء والإحسان لله تعالى وجهاد النفس تتحقق بفاعلية وتسمو فى شهر رمضان.. فالمسلم يصوم إيمانًا واحتسابًا لا رياء ولا سمعة واحتساب أجره عند ربه، حيث قال المولى عز وجل:(من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه). والصيام يصل بالمسلم إلى سلامة القلب ونقائه لأنه عبادة ترتقى به إلى الاستقامة والتصالح مع الغير وتجنب ارتكاب المعاصى خشية من معصية الخالق، وهو دواء للترفع عن الماديات والصراع على مكاسب الدنيا التى طغت على حياتنا وسيطرت على عقولنا، وانكفأنا على تحصيل الأموال واللهث على المناصب والكراسى. الصيام عبادة سامية تكسر الشهوات والملذات وتطوع النفس عن تجنب ما حرمه الله وتدربها على الصبر الذى أمر به رسله فقال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ )، وقال تعالى: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ )، وقال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).. فالذى يصبر على الحرام فى المأكل والمشرب وصبر على مشقة صلاة القيام وصبر على إمساك الجوارح فقد ارتقى إلى منزلة الأنبياء والصالحين وخرج من رمضان وقد نال الجائزة الكبرى من خالقه وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.. والصوم فرصة ليتخرج فيها المسلم وهو يسيطر على زمام شهواته.. فيزيد قربه إلى الله ويكون من عباده الذين يرجون ثوابه ويخافون عذابه. فالصيام يقرن المسلم ببعض صفات الملائكة الذين لا يأكلون ولا يشربون ويخلصون فى عبادة الله وحده.. ويميز الصيام المسلم عن الكافر، فيقول رب العزة: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ، وهذا التميز يتضح أيضًا فى رفع قدر الإنسان عن بقية الكائنات. وقد يتساءل البعض: هل فرض الله الصيام ليشق على الإنسان فى حرمانه لساعات طويلة عن مقومات الحياة من مأكل ومشرب؟ فنقول له إنه نوع من الابتلاء والامتحان لاستسلامنا لحكمته وطاعة لأمره.. وهنا يقول المولى عز وجل:(كل عمل ابن آدم له إلا الصوم.. فإنه لى وأنا أجزى به).. وهو أكبر دليل على طاعة الله، وإن رضا الله أفضل من متاع الدنيا.. لأنك جعلت مراقبة الله عز وجل يقينا لديك بأنه يراك فى السر والعلانية، ومطلع عليك، فلهذا حرمت نفسك من الشراب فى أيام شديدة الحرارة، بالإضافة إلى التكافل الاجتماعى بمشاركتك للفقير فى الجوع، مما يدفعك بالإسراع بإكرامه وإطعامه والتعاون على البر. ويمنحك فضائل أخرى كفضيلة غض البصر وعدم الوقوع فى الغيبة والنميمة حتى لا تثار الأحقاد والضغينة والفتنة والانشقاق بين المسلمين.. ويعلمك التواضع لله ومع الناس، وخفض الجناح ولين الجانب.. وإذا تمعنا فى الصوم نجده يجمع كل فرائض الإسلام الأخرى كالزكاة بأن تسارع إلى إخراجها للفقير قبل حلول عيد الفطر.. ويعلمك أن الصيام لا تكتمل فضائله إلا بالصلاة وقيام الليل.. وفى رمضان أنزل القرآن على رسوله صلى الله عليه و سلم ليكون له دستورًا ومنهاجًا يعبر بنا من الدنيا بسلام لنفوز بخيرالآخرة. أما فضيلة إمساك اللسان عن فُحش القول من السباب والتنابذ بالألقاب المسيئة من أهم فضائل الصوم.. ولذلك نود أن يكون شهر رمضان فرصة للبعد عن هذا الخُلق الذميم الذى ساد بين الناس فى الفترة الأخيرة، لأن رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم حذرنا بقوله: (الصيام جُنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب.. فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنى صائم).