التنمية المحلية تتلقى تقريرًا حول نتائج المرور الميداني على 10 مراكز تكنولوجية في قنا    رشوة أوروبية في ملفي الهجرة وغزة.. أبرز نتائج زيارة المنقلب السيسي إلى بلجيكا    استشهاد طفل بنابلس، والاحتلال يقتحم طوباس بالضفة الغربية    أحمد حجازي يقود نيوم ضد الخليج بالدوري السعودي    أحياها محمد ثروت ومروة ناجي.. ليلة في حب حليم ووردة بمسرح النافورة    جديد سعر الدولار اليوم وأسعار العملات أمام الجنيه    مصطفى البرغوثي: الموقف المصري أفشل أخطر مؤامرة ضد الشعب الفلسطيني    الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين: نجاح الجهود المصرية بتثبيت وقف النار إنجاز كبير    انخفاض جماعي في أسعار الفراخ والبيض اليوم 24 أكتوبر    طقس اليوم الجمعة.. تنبيه لتغيرات مفاجئة    تعرف على الحالة المرورية اليوم    موعد تطبيق التوقيت الشتوي في مصر 2025.. تعرف على تفاصيل تغيير الساعة وخطوات ضبطها    هنادي مهنا: «أوسكار عودة الماموث» يصعب تصنيفه وصورناه خلال 3 سنوات بنفس الملابس    فردوس عبدالحميد: كنت خجولة طول عمري والقدر قادني لدخول عالم التمثيل    محمد ثروت: «القلب يعشق كل جميل» غيّرت نظرتي للفن.. والأبنودي الأقرب إلى قلبي و50% من أعمالي معه    التفاصيل الكاملة ل اللوتري الأمريكي 2025 (الشروط ومن يحق له التقديم)    قاذفات «بي-1» الأمريكية الأسرع من الصوت تحلق قرب ساحل فنزويلا    تعطيل الدراسة أسبوعًا في 38 مدرسة بكفر الشيخ للاحتفال مولد إبراهيم الدسوقي (تفاصيل)    «مبحبش أشوف الكبير يستدرج للحتة دي».. شريف إكرامي يفاجئ مسؤولي الأهلي برسائل خاصة    سعر الدولار الأمريكي مقابل بقية العملات الأجنبية اليوم الجمعة 24-10-2025 عالميًا    بعد «أقدم ممر فى التاريخ» و«موكب المومياوات».. مصر تستعد لإبهار العالم مجددًا بافتتاح المتحف المصرى الكبير    عمرو دياب يتألق في أجمل ليالي مهرجان الجونة.. والنجوم يغنون معه    برعاية النائب العام الليبي، معرض النيابة العامة الدولي للكتاب ينظم مسابقة محاكاة جلسات المحاكم    استخراج جثة متوفي من داخل سيارة اشتعلت بها النيران بطريق السويس الصحراوى.. صور    في أجواء روحانية، طوفان صوفي في الليلة الختامية لمولد أبو عمار بالغربية (فيديو)    نوفمبر الحاسم في الضبعة النووية.. تركيب قلب المفاعل الأول يفتح باب مصر لعصر الطاقة النظيفة    أسماء المرشحين بالنظام الفردي عن دوائر محافظة بني سويف بانتخابات مجلس النواب 2025    الاتحاد الأوروبي يسعى لدور أكبر في غزة والضفة بعد اتفاق وقف إطلاق النار    في قبضة العدالة.. حبس 3 عاطلين بتهمة الاتجار بالسموم بالخصوص    فتاة تتناول 40 حبة دواء للتخلص من حياتها بسبب فسخ خطوبتها بالسلام    النيابة العامة تنظم دورات تدريبية متخصصة لأعضاء نيابات الأسرة    «مش بيكشفوا أوراقهم بسهولة».. رجال 5 أبراج بيميلوا للغموض والكتمان    وكيل صحة الفيوم تفتتح أول قسم للعلاج الطبيعي بمركز يوسف الصديق    «بالأرز».. حيلة غريبة تخلصك من أي رائحة كريهة في البيت بسهولة    82.8 % صافي تعاملات المستثمرين المصريين بالبورصة خلال جلسة نهاية الأسبوع    الشناوي يكشف مكافأة لاعبي بيراميدز عن الفوز بدوري الأبطال    التجربة المغربية الأولى.. زياش إلى الوداد    طريقة عمل صوابع زينب، تحلية مميزة لأسرتك    نصائح أسرية للتعامل مع الطفل مريض السكر    سيلتا فيجو يفوز على نيس 2-1 فى الدورى الأوروبى    فحص فيديو تعدى سائق نقل ذكى على فتاة فى التجمع    طعن طليقته أمام ابنه.. ماذا حدث فى المنوفية؟.. "فيديو"    لماذا لم تتم دعوة الفنان محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يرد    مجلس الوزراء اللبناني يقر اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص    مدرب بيراميدز يتغنى بحسام حسن ويرشح 3 نجوم للاحتراف في أوروبا    محمد كساب: ستاد المصري الجديد تحفة معمارية تليق ببورسعيد    نجم غزل المحلة السابق يشيد ب علاء عبدالعال: «أضاف قوة مميزة في الدوري»    ماكرون: العقوبات الأمريكية ضد روسيا تسير في الاتجاه الصحيح    بعد المشاركة في مظاهرة بروكسل.. أمن الانقلاب يعتقل شقيقا ثانيا لناشط مصري بالخارج    رئيسة معهد لاهوتي: نُعدّ قادةً لخدمة كنيسة تتغير في عالمٍ متحول    راقب وزنك ونام كويس.. 7 نصائح لمرضى الغدة الدرقية للحفاظ على صحتهم    النيابة تكشف مفاجأة في قضية مرشح النواب بالفيوم: صدر بحقه حكم نهائي بالحبس 4 سنوات في واقعة مماثلة    إكرامي: سعداء في بيراميدز بما تحقق في 9 أشهر.. ويورشيتش لا يصطنع    ما الدعاء الذي يفكّ الكرب ويُزيل الهم؟.. أمين الفتوى يجيب أحد ذوي الهمم بلغة الإشارة    هل تأخير صلاة الفجر عن وقتها حرام؟| أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الطعن فى السنة النبوية طعن في وحي الله لنبيه    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاشقة مصر الأديبة التركية نازان بكير أسميت ابنتى «نيل» لولعى بالنهر العظيم وسحره
نشر في أكتوبر يوم 23 - 06 - 2013

الحمد لله الذى خلق نهر النيل.. الحمد لله الذى أوجد مصر وأهلها الشرفاء.. الحمد لله الذى أحضرنى إلى هذه الأرض للمرة الثالثة.. بهذا الحمد والشكر بدأت الكاتبة والأديبة التركية الشهيرة الدكتورة «نازان بكير» الأستاذة بكلية التربية بجامعة فاتح دينز للتقنية حديثها ل «أكتوبر».
مشيرة إلى أنها من حبها الكبير لمصر ونيلها أسمت ابنتها «نيل» تيمنا بنيل مصر.
وفى لقاءنا بها داخل مكتبة الإسكندرية أبدت على الفور سعادتها بوجودها بالعاصمة الثانية وأكدت أنها عاشقة أيضا لبحر الإسكندرية مثل عشقها لنيل القاهرة. وعن حكاية إعجابها بمصر قالت نازان: كنت مولعة بمصر منذ شبابى وكنت أقرأ كل ما يقع تحت يدى حولها وأحسست بانجذاب هائل نحو هذا البلد الرائع، وقررت أن أزور مصر لأدمج هذا الانجذاب بالواقع، وبالفعل قدمت لأول مرة إلى القاهرة فى عام 2006 من أجل المشاركة فى معرض القاهرة للكتاب كنت مدعوّة من طرف دار نشر «تيماش» التركية التى تطبع كتبى، وبعد انتهاء المعرض تركت المجموعة وذهبت إلى الأقصر بالقطار بمفردى، من أجل رؤية نهر النيل، فالنيل الذى رأيته فى القاهرة لم يمنحنى إحساس نهر النيل الحقيقى، فقد كان محاطا بالأبنية العالية، ولم يكن بصورته الزرقاء التى كانت فى مخيلتى.
وصلت إلى الأقصر صباحاً وسكنت فى فندق على النيل، وعند دخولى الغرفة كانت الأنوار مطفأة ويعم الظلام فى داخلها، وعندما أضئتُ الأنوار ورأيتُ النيل للمرة الأولى أمامى شعرت بشىء لن أستطيع نسيانه طوال عمرى، أحسست أننى فى الجنة، فهذا المشهد الساحر لا يوجد فى أى مكان بالعالم، لقد أحسست أننى أعرف نهر النيل منذ الأزل.
الزيارة الثانية
أما زيارتى الثانية كانت قبل أربع سنوات فى 2009 وكنت بصحبة أطفالى وجئنا للسياحة، كنا سنذهب من الأقصر إلى أسوان بسفينة فى النيل، لا أنسى أبداّ عندما وصلت السفينة إلى ميناء الأقصر، فى تلك الأثناء كنا نتناول وجبة الغداء شعرت إن السفينة تتحرك لا يمكننى أن أنسى تلك اللحظة طوال عمرى لقد تركت نصف الطعام وأسرعت إلى مقدمة السفينة، ولم أُبرح مكانى مرة أخرى، لم أكن أريد أن أضيع لحظة واحدة من هذه الرحلة النيلية.
وأضافت: توقفنا كثيراّ طوال الرحلة، لفت انتباهى الناحية الغربية لنهر النيل والتى تعود إلى الأموات، أكثر من الناحية الشرقية التى تعود إلى الأحياء وفى وادى الملوك ذهبت إلى قبر «توت عنخ آمون» الفرعون الوحيد الذى يرقد فى قبره دون أن أعير اهتماما بالأحاديث عن لعنة الفراعنة الشهيرة، وعندما كنت أجوب معبد إدفو والكرنك ومعابد الأقصر انتابنى شعور أعمق بكثير من المشاعر السطحية للسائح، فسرت من الطرق المحاطة بتماثيل أبو الهول ومررت من بوابات ضخمة، ثم دخلت إلى «هيبو ستيل» الموجود بعد الفناء المفتوح الذى يعد آخر مكان كان يستطيع الناس الدخول إليه فى هذا الوقت، هذا المكان كان الملوك والرهبان والشخصيات المهمة هم فقط من يدخلون إليه أثناء المراسم، فكرت أن «معجزة آمون» حدثت هنا، بالتقدم إلى الأمام باتت تلك الأماكن المغلقة المظلمة التى كان الدخول إليها ممنوع فى تلك الأوقات، ماثلة أمام عينى، حيث كانت تماثيل الآلهة والكنوز المقدسة تُخبأ هناك، ولا يدخل إلى هذا المكان سوى الرهبان ذوى المناصب العالية، وكانت مراحل البدء والتعليم تتم هنا أما الآن تهب الرياح مكان كل هذا.
وتحكى نازان قائلة: إن تأثير مصر علىّ شديد الوضوح، لقد أحببت مصر دائماً وإذا كان يجب علىّ أن أعيش فى دولة غير تركيا لأردت أن تكون هذه الدولة مصر، لقد فكرت ملياً هل هذا الاهتمام يعد استشراقا أم لا، ولكن ولعى بمصر جاء على أنه حب للفن أكثر من كونه اقترابا للاستشراق، كما أننى دونت ملاحظاتى ليس عن مصر فى عصر واحد بل عن مصر الفرعونية، والإسلامية، والمسيحية، والقبطية، ومصر الغنية، والفكرية، والفقيرة، مصر المظلومة، لاحظتهم جميعا وحاولت الإمساك بالحقيقة التى تجمعهم ولا تفرقهم، بحثت عن ذلك العرق فى أقدم العصور التى يمكن أن يُرى فيها، لاحظت أيضاً أن المصرى متعلم جيداً على دراية بتاريخ بلده وثقافتها، كما حاولت متابعة التطورات التى حدثت فى الآونة الأخيرة فى مصر بدقة والثورة المصرية العظيمة، ودعوت الله أن يفتح خير الأبواب لشعب هذا البلد الجميل، هذا الشعب الصبور المفعم بالحب. والنتيجة أننا بصدد التحدث عن دولة تحيطنى ككاتبة بتأثير ليس بقليل، أننى أربط سبب هذه الرجفة القوية بكون مصر هى وطن الحكمة القديمة العالمية، لأن مصر منطقة جغرافية مر عليها أنبياء وهذا يرد فى أبحاثى، فاشتياقى يهدأ من ناحية ويزيد من ناحية. وفى رأيى لكى يمكن رؤية كل الأنهار تخرج من نبع واحد، وتصب فى نفس البحر المُحمدى، لا يوجد مكان أنسب من مصر، أعلم أن هناك معرفة بينى وبين النيل منذ الأذل، ولو قُسم لى نهر فى الجنة فأريد أن يكون هذا النهر هو نهر النيل.
رحلة زمانية
وتقول نازان بعد عودتى من زيارة مصر تحدثت إلى أصدقائى قائلة: «لا تلزمنى رحلة مكانية فحسب تلزمنى رحلة زمنية أيضا»، لقد شكلت هذه الجملة واحدة من الخطوط الأساسية لحياتى الكتابية، ومن هنا قررت الكتابة من جديد عن مصر. فقد جاء الكتاب الأول قبل قدومى إلى مصر بسنوات، وهو كتاب «حكاية يوسف وزليخة» فى عام 2000، لقد وجدت الشجاعة واللغة التى تمكنى من قص حكاية يوسف وزليخة بصورة أدبية، وتم تقييم الكتاب على أنه بحث جديد تجمع لغته بين الشعر والنثر وهو يعد كلاسيكيا أكثر من الرواية ومع أن العمل حديث فقد تم تقييمه على أنه أصلى ومؤثر ويحول تأثير التقاليد وفقاً للاحتياجات الأدبية لهذا اليوم.
وباستثناء اللغة والشكل فى هذا الكتاب هناك أشياء لافتة للنظر من حيث المحتوى، فعلى سبيل المثال شخصية «الفرعون الطيب»، فقد كان يوجد فرعون مؤمن، لأننا نعرف من قصص القرآن أن الفرعون الذى خاطب سيدنا يوسف، كان يعرف قيمته، وأودعه فى مقام يليق به. أو بقول آخر هو فرعون لم ينكر الحقيقة التى تشير إلى أنه نبى، وهذا يوضح شخصية غير صورة الفرعون المعروفة عموماً.
أخناتون
وتشرح نازان حكايتها مع هذا الكتاب قائلة لقد توحدت بداخلى شخصية أخناتون وفرعون وسيدنا يوسف، فما استطعت إلا أن أفكر فى أن هذا الفرعون هو نفسه اخناتون، فهل مر نبى يدعو إلى الحقيقة من قصر أخناتون؟ قال بعض أصدقائى من علماء الدين إن أخناتون يمكن أن يكون أحد ال 124 نبيا الذين ذُكروا فى الحديث، ولا نستطيع أن نقول إنه نبى لأن اسمه لم يرد فى القرآن الكريم، ولكن هناك أسماء لا مانع فى إشارتنا إليها على أنهم أنبياء، فهل يمكن أن يكون أخناتون أحد هؤلاء؟..الله أعلم!
وتضيف الأديبة التركية أن نهر النيل يحتل فى هذا الكتاب مكانة مهمة، فهو «أم الأنهار» ويعتقد أنه خرج من الجنة، وحياة مصر ترتبط به، إذا كان يحمل الحياة فهو أيضاً يحضر الموت، هناك قصائد قيلت للنيل، كما قيلت قصائد على لسان النيل، وصوت النيل فى خلفية كل الأحداث فى كتاب يوسف وزليخة. وعندما كتبت حكاية يوسف وزليخة لم أكن رأيت مصر بعد، ولكننى عندما رأيتها أدركت أن النيل الذى أردت أن أكتب عنه هو هذا النيل.
ثم ألفت الكتاب الثانى وهو كتاب «نهر الزجاج والسفينة الحجرية» وهو كتاب يحتوى على ست حكايات، وإن اثنتين من هذه الحكايات خصصت لهما 60 صفحة وهما «فرع الوردة الزرقاء – نهر الزجاج والسفينة الحجرية»، وأحداث كل منهما تدور فى مصر القديمة (الأثرية).
صدر الكتاب فى تركيا بنقوشات مصرية على غلافه، وقد استعنت باسم الكتاب من الثقافة المصرية، فأثناء قراءتى فى المصريات صادفت رسمة تظهر إلهة (أنثى) أثناء جولتها بالسفينة الحجرية، للأسف وقتها لم أدون ملاحظة، ولا أتذكر أين رأيتها. وأحب هذا الكتاب كثيراً ولكن رغم أنه أكثر كتاب أحبه، بقى فى الظل وسط كتبى الأخرى، فأنا لا أنسى الاضطراب الذى شعرت به أثناء كتابتى هذا الكتاب وعندما يخرج أحد من القراء ليحدثنى عن هذا الكتاب أصبح سعيدة للغاية.
وكان الهدف الأصلى من حكايتى هو إظهار شعاع عقيدة التوحيد وسط ثقافة الشرك والوثنية، وبينما كنت أكتب حكايتى لفت نظرى عامة الشعب بقدر الملوك والملكات، وجدت بطلا آخر لحكايتى وسط بقايا قرية العمال الموجودة بجوار وادى الملوك، نحات يعيش فى تلك القرية، انتابنى الفضول عن الألم الذى يشعر به نحات ينحت تماثيل الآلهة فى عالم متعدد الآلهة، وبحثت أيضا بداخله عن عقيدة التوحيد.
الفن الفرعونى
وأضافت نازان: ومن خلال حكاية النحات وجدت إمكانية إثارة موقفين محددين من الجدل الذى يدور حول الفن فى مصر القديمة. وهكذا حاولت بث الروح فى تلك الفترة وإحيائها بدلاً من إعطاء معلومات مكثفة عنها. هذان الموقفان هما التقليدى والحقيقى.
والحقيقة فى تماثيل مصر التقليدية ونقوشاتها تبدو مثالية، وتبدو كما يُراد لها، وليس كما هى عليه، وعلى هذه الحال تكرر نفس الوجه الجميل والموقف الإيجابى المشترك، لاحظت هذا وأنا مندهشة بينما كنت أجوب مصر الفرعونية، فراعنة مصر أدركوا أن الحجر هو الشئ الباقى وأرادوا أن يتركوا أثراً لأنفسهم بشكل مثالى على الأحجار من أجل المستقبل.
أيضا رمسيس الثانى فى تماثيله الأربعة المنحوتة على الصخور، وفى نقوشات الجدار الذى يعود إليه الذى يبين العابد والعابدة، وفى النحوتات الموجودة على المجسمات الضخمة، له نفس الوجه الجميل المُحيا. وفى التماثيل التى يبدو فيها وهو يحيط زوجته بحب، والتى يضع فيها يده على ركبته، تبدو على وجهه براءة الأطفال، تكررت هذه الوجوه السعيدة، والفرحة، والخجولة، والبريئة عبر العصور، قطعاً ليست خادعة.
ونحات مصر كان يرسم الصورة التى توصل إلى فهمها طوال العصور ، وهذا أيضا كان يُظهر ما يُراد أكثر من الواقع. الشئ الذى رأيته على وجوههم لا يشبه أبداً الشئ الذى رأيته على وجوه المومياوات الموجودة فى متحف القاهرة.
فرعون
وقالت الأديبة: هنا علىّ أن أعترف أن صورة فرعون الذى يعتبره التاريخ رمز الظلم كانت تشغلنى، فكثيراً ما تأثرت بالهدوء الموجود على وجوه التماثيل التى تحدثت عنها، والابتسامة الغامضة البريئة الرحيمة، ضحكت على مكر الحاكم الذى نقش نفسه على بوابات معبد الكرنك على أنه الفائز فى الحرب التى غُلب فيها، وبالوصول إلى طراز مدينة تل العمارنة، بعد التحديثات التى حققها إخناتون وجدتع طرازا مختلفا تماماً فى العاصمة الجديدة (تل العمارنة). طراز تل العمارنة، يقدم نمطا جديدا فى الفن يوازى نمط هذه الحياة الجديدة. يعد هذا أسلوبا واقعياً، ضد الفن المصرى التقليدى الذى كرر على مر العصور الوجوه والأجسام المثالية، رافضا التمييز. تحقق الأسلوب الواقعى بقدر ما أظهر إخناتون القصور فى النقوشات والتماثيل.
ومن ضمن بطلات حكايتى بعد الحاكم والنحات الملكة نفرتيتى التى يتجلى فى تمثالها الشهير واقعية تل العمارنة بجمال، لأن نفرتيتى جميلة بقدر لا يجعلها بحاجة إلى أى تعديل بسيط، هذا التمثال الذى تم العثور عليه فى أتيليه تحتمس أثناء عمليات الحفر التى قام بها الألمان فى تل العمارنة فى عام 1912، يُعرض حالياً فى معرض برلين، ويعد هذا فخر لبرلين، والملكة الموجودة فى حكايتى تحمل سمات من ملكات فى حكايات أخرى، مثلا واحدة من هؤلاء ابنة (هاتتوشيلى) التى أُرسلت إلى رمسيس كعروس، هذه الفتاة التى اعتادت على الإقليم المعتدل فى الأناضول لم تستطع الاعتياد على صحراء مصر الحارة، ويقال أنها عانت كثيراً، هناك دعاء سيىء فى اللغة التركية يقول: «كونى زوجة لفرعون» ولا أعرف إذا ما كان موجودا فى اللغة العربية؟ أم هو انتقل من العربية إلى التركية؟.
وقد أرجفنى ما عاشته هذه الفتاة وأثارنى كروائية، وشاركت هذه الفتاة فى شخصية الملكة التى تناولتها، ذكرت أنه كما وجدت الملكة الحب فى دولتها الجديدة. فهى أحضرت شيئاً آخر مع شتلات الوردة الزرقاء إلى الدولة: ألا وهو عقيدة التوحيد، تعلم زوجها فرعون الحقيقة المطلقة من امرأة، وهكذا بينما تروى الحكاية صراع فرعون مع دين أجداده، يدخل النحات وفكرته عن التوحيد داخل العمل، هذا من جانب ومن الجانب الآخر يشكل الحب البائس الذى لمسه النحات فى الملكة بُعداً مختلفاً.
فى هذه الحكاية لا يوجد اسم خاص لأى بطل، فقط يذكرون بالألقاب والصفات مثل: النحات، الملك، الملكة، صانع الزجاج، القائد، ولهذا فإننى فضلت أن أعطيهم مساحة واسعة بدلاً من أن أظهرهم واحدا واحدا وأحصرهم فى نطاق محدد من الزمان والمكان. وبهذه الحال جعلت الأبطال يستطيعون الظهور أمامنا فى كل وقت وكل مكان. لأن الأبطال والأحداث الواضح زمانها ومكانها تشير إلى زمان واحد، ولكن عندما تكون غير واضحة فهى تشير إلى كل زمان. وما أردته هو أن يكون الحدث مشتركة فى كل زمان وفى كل وقت. عندما تقومون بتمثيل مسرحية ترجع إلى كل فترة تجعلون الممثلين يرتدون ملابس لا تعود إلى أى فترة.
السر
وحول السر فى بحثها عن الحقيقة فى الماضى بهذا الحد.. أجابت نازان: عندما يلاحظ الإنسان الحقيقة لمرة واحدة يشعر برغبة فى العودة إلى الماضى حتى يستطيع العثور عليها، أنا أيضا عندما لاحظت الحقيقة مرة واحدة شعرت برغبة فى الذهاب إلى أقدم الأماكن لأتمكن من العثور عليها فى التسجيلات التاريخية. أين تجلت الحقيقة المطلقة ؟ أين تجمعت الأشياء التى ارتفعت ؟ كان هذا ما أريد فعله. وعليه ففى السنوات المقبلة نويت الذهاب إلى أبعد مكان استطع الذهاب إليه وحاولت أن أتحدث عن مسألة الخير والشر فى حكاية سيدنا آدم والسيدة حواء.
وتضيف نازان قائلة: لدى عدة كتابات عن مصر تُنشر فى عمودى الأسبوعى، منهما مقال عن أم كلثوم، فدائماً ما أحببت أم كلثوم واستمعت إليها كثيراً، وكلما استمعت إلى صوتها، إلى هذه النبرة الرائعة التى لا يوجد مثلها فى هذه الدنيا لا لذكر ولا لأنثى، هذه النغمات التى تتعالى من قرى دلتا النيل حتى القصور، هذه الصرخة الآتية من الصحراء، أغلق عينى وأجد نفسى داخل مركب فى نهر النيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.