بات التسول واحدًا من أسوأ الظواهر التى عرفها الشارع المصرى فى السنوات الأخيرة، خاصة بعد ثورة يناير التى صاحبها تراجع الحالة الأمنية والانفلات الأخلاقى. وقد شهدت هذه الظاهرة تطورًا كبيرًا فى أساليبها، فلم تعد تقتصر على ارتداء الملابس البسيطة واستدرار العطف من المانحين بل اتخذت أساليب جديدة ، وصلت إلى حد النصب. «أكتوبر» رصدت الظاهرة من خلال بعض الحالات التى تمارس التسول فى الشارع والتقت خبراء للوقوف على رأيهم فى تفشى الظاهرة وأسباب علاجها خلال التحقيق التالى. بداية أوضحت المؤشرات فى السنوات الأخيرة ارتفاع نسبة المتسولين فى الشارع المصرى نتيجة الفوضى وزيادة البطالة وقلة إيجاد فرص العمل وزيادة معدلات الفقر وهو ما أكدته دراسة قد أجريت فى الأعوام السابقة بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية. حيث أشارت إلى ارتفاع نسبة المتسولين الذكور لتصل إلى 63.3 مقابل 37.7 % من الإناث، وتحتل الأحياء الشعبية بالقاهرة والجيزة المركز الأول فى عدد المتسولين وتصل نسبتهم 76.8% ويرجع ذلك لانخفاض مستوى المعيشة بهذه الأحياء وعشوائية البعض منها مما جعلها منطقة جذب لإقامة المتسولين وإعاشتهم وتقل النسبة إلى 17.5% فى الوجه البحرى وفى الوجه القبلى تصل إلى 2.6%. وأشارت الدراسة إلى أن أكثر من نصف أفراد العينة يعانى من الأمراض المزمنة منذ الصغر، وتوضح أن أنماط التسول الأكثر استخدامًاهى الإلحاح على المارة وبعضهم يقف أمام المساجد ونسبة منهم تمسح السيارات والنسبة الأقل تجلس ساكنة فى مكان ثابت. بداية للجرائم وأكدت الدراسة تطور ظاهرة التسول لتصبح البدايات الأولى لجرائم أكبر وأخطر كالبلطجة والسرقة والاتجار بالمخدرات والدعارة نتيجة تحولها من سلوك عشوائى ارتجالى إلى مهنة منظمة وتؤكد الدراسة أن التعامل السلبى من الجماهير من الأسباب الرئيسية لتفشى هذه الظاهرة فيجب عليهم المواجهة بالرفض ويلعب الإعلام دورا مهما فى مواجهة هذه الظاهرة بخلق الوعى لدى الجماهير بالكشف عن ملامح وأساليب التسول وكيفية التعامل معها أمنيًا واجتماعيًا. استخدام البنات ورأت الدكتورة عزة كريم الخبيرة بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية أن التسول بدأ يأخذ شكلاً متطورًا خلال الفترة الحالية فقد كان المتسول يرتدى الملابس المهلهلة والقديمة لاستعطاف المانحين أما الآن فقد تغير الأسلوب وتطور حتى وصل فى بعض الحالات إلى حد النصب ومن هذه الأساليب ارتداء المتسول الثياب النظيفة والادعاء بحاجته إلى شراء تذكرة للسفر إلى محافظة أخرى أو سيدة تدعى حاجتها إلى شراء دواء وغيرها من الأساليب القائمة على التدليس. وأضافت: بخلاف الحالات السابقة فإنه يتم استخدام الأطفال فى التسول مما يسبب قتل شخصيتهم منذ الصغر وإحساسهم بالدونية وتعليمهم أن التسول يجلب لهم المال الكثير بدون قيود وبدون مجهود أو مشقة، مقارنة بغيره من الأعمال وتشير الدكتورة عزة إلى خطورة استخدام البنات فى الدعارة للحصول على المال الذى يعتبر شكلا من أشكال التسول والذى يؤدى إلى انتشار ظاهرة أطفال الشوارع. التسول ظاهرة وأرجعت الدكتورة عزة ازدياد ظاهرة التسول فى السنوات الأخيرة إلى غياب الجانب الأمنى فى الشارع المصرى وزيادة التظاهرات والاعتصامات التى تخلق بيئة صالحة لانتشار المتسولين بأشكالهم المختلفة وانتشار البلطجية والباعة الجائلين والتى اعتبرتها أيضًا شكلًا من أشكال التسول لعدم خوفهم من العقاب، مؤكدة أن الحل الوحيد والأمثل لهذه الظاهرة هو سن القوانين التى تتماشى مع المتغيرات الحالية فى الشارع المصرى وتطبيق هذه القوانين بدون تهاون مع المتسولين وبدون الخوف من الإعلام الذى يقوم بشن حملات نقد على السلطة التنفيذية عندما يتم تطبيق أى من القوانين على المخالفين فى الشارع المصرى.. ومن العينات التى التقتها «أكتوبر» فى شوارع القاهرة. تحايل لكسب الرزق س.ع.أ.. سيدة منتقبة تبلغ من العمر 35 سنة زوجها متوفى وتعول ولدين، تقول: ألبس النقاب لكى أخفى وجهى عن أقاربى ومعارفى وأيضًا للتأثير على الناس بأننى متدينة، وأضافت لابد أن تكون نبرات صوتى مؤثرة لأبدو ضعيفة، وفى حاجة للمساعدة، وتابعت: بعد ثورة يناير أصبح الحال صعبًا للغاية والناس لا تدفع كثيرًا ولكن فى المناسبات مثل رمضان والأعياد يكون الرزق فيها كثيرًا وأولادى أتركهم مع جيرانى الذين اقنعهم بأننى أعمل فى إحدى الشركات ، حتى لايجرؤ أحد على معايرتى بخروجى للتسول. تكسب 70 جنيها يوميًا أ.ل.م سيدة فى شبرا الخيمة مكشوفة الوجه ترتدى ملابس جيدة معها طفلة يتراوح عمرها بين أربع إلى خمس سنوات وبجانبها شنطة سفر تقول للمارة أنا مسافرة إلى دمياط وسقطت محفظة النقود حتى تحصل على أى مبلغ حتى لو جنيه واحد عندما راقبتها وعرفت أنها تتسول واجهتها فقالت: زوجى يعمل نفس مهنتى ولكن فى مكان آخر، لأنه ظل بلا عمل لأشهر طويلة وعندما كان يعمل، كان مايتقاضاه لا يكفينا ويكفى طفلتنا أما الآن فأنا أكسب فى اليوم الواحد أنا وزوجى مابين 70 : 80 جنيها فى مدة زمنية لا تتجاوز 8 ساعات. دولة البلطجية نموذج آخر م.ح فى منطقة وسط البلد أنثى تعول أسرة من ثلاثة أفراد وأعانى من مرض فى ظهرى منذ فترة طويلة بسبب الإهمال وضيق الحالة المادية خاصة بعد الثورة الذى أصبح فيها البلطجية يسيطرون على الشارع وأصبح الضعيف لا يجد من يحميه، ما جعلنى أتسول،وبالفعل فأنا أتكسب منها ما يتراوح بين 30 : 40 جنيها بخلاف أننى أحصل على ما أحتاجه من طعام من أهل الخير. وتابع: لا أمارس هذه المهنة فى منطقة سكنى لعدم الإحراج فأرتدى ملابس بسيطة تكاد تكون ممزقة، وأحيانًا أربط يدى أو قدمى لأستدر عطف المارة. أسباب التسول د. محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق يقول إنه منذ الخمسينيات وضعت حكومة الوفد قانون مكافحة لمنع التسول فى الشارع وهو يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز شهرين كل شخص صحيح البنية ذكرا كان أم أنثى يبلغ عمره خمس عشرة سنة أو أكثر وجد متسولا فى الطريق العام أو المحال العمومية ولو ادعى أو تظاهر بأداء خدمة للغير أو عرض ألعابا أو بيع أى شىء) وأضاف الجمل أن سبب التسول وخصوصًا بعد ثورة يناير رغم تجريم القانون لهذه العادة التى أصبحت مهنة هى كثرة البطالة وارتفاع الأسعار والدخل المادى المحدود للفرد مشيرًا إلى أن القانون قد وضع بعض الحلول لهذه الجريمة لهؤلاء وهى فتح مدارس للأحداث وأيضًا الجمعيات الخيرية والبارزين منهم دخولهم السجن للإصلاح والتهذيب لأن مصر يوجد بها 13 % نسبة بطالة ومستوى دخل الفرد يتراوح ما بين 200 : 300 جنيه شهريًا وأيضًا معاملة العمال معاملة سيئة من قبل صاحب العمل، وأكد الجمل أنه يجب فتح أبواب رزق لهؤلاء حتى يتم القضاء على هذه الظاهرة والتى تتلون بأشكال مختلفة وبأى وسيلة للحصول على النقود.