انتشرت فى الآونه الأخيرة ظاهرة النصب الإلكترونى وراح ضحيته العديد من راغبى الثراء السريع دون الالتفات للتشريعات القانونية التى تجرم هذا النوع من الاستثمار الذى يعتبر أحد طرق توظيف الأموال التى ظهرت فى أوائل تسعينيات القرن الماضى، وهذا النوع من الجرائم يتم إدارته عبر مواقع تكون فى أغلب الأحيان خارج مصر وهو ما يصعب على الجهات الأمنية ضبط «رأس الهرم» أو صاحب المشروع حيث يبادر بغلق الموقع والاستيلاء على أموال العملاء ويتحمل الوسطاء وحدهم العقوبة الجنائية «أكتوبر» استطلعت آراء الخبراء حول تلك الأزمة وكيفية مواجهتها فى سياق التحقيق التالى.فى البداية التقينا مع مجدى محمود أحد الضحايا الذين نصبت عليه وعلى خمسة من أفراد أسرته إحدى شركات التسويق الإلكترونى، بدأت الحكاية عندما عرض أحد معارف مجدى عليه الدخول فى مشروع مكسبه سريع ومربح بدون تعب أو مشقة!.. وطلب منه دفع 500 دولار لكل فرد وتقاضت الشركة هذه المبالغ، ثم قامت بتسليم كل فرد مشترك فى هذا المشروع الوهمى دفعات من الأرباح، بهدف إغراء الآخرين والمعارف للانضمام لهذه المجموعة الرابحة، وتم تدفق الأرباح للمجموعة الأولى لمدة أربعة شهور، وعندما تأكدت الشركة إنها سلبت كل أموال الضحايا قفلت حسابها على الإنترنت وتبخرت فى الفضاء الإلكترونى. واتضح أن للشركة ضحايا كثيرين، وتم إبلاغ السلطات المختصة بالعديد من وقائع النصب، ثم تم القبض على صاحب الشركة، وبعدما عرف الضحايا أن رئيس الشركة قبض عليه توجهوا لمقابلته للمطالبة باسترداد أموالهم فقال لهم إن الشركة مازالت تمارس نشاطها لكنها تجرى تعديلا فى نظامها وذلك سوف يستغرق بعض الوقت نظرًا للعطل الذى أصاب شاشة الكمبيوتر ولكن الواقع يؤكد أن الضحايا ليس لديهم إثباتات ورقية بالأموال التى ذهبت لجيب صاحب الشركة. ومن العجيب أن الشركة.الوهمية حصلت على فتوى شرعية من الأزهر الشريف بمشروعية عملها. جريمة مستحدثة من جهته يقول اللواء محمد ربيع الدويك الخبير الأمنى إن جريمة النصب الإلكترونى هى جريمة مستحدثة بدأت أول أشكالها بالاستيلاء على ودائع عملاء البنوك عن طريق التواطؤ ما بين المجرمين وبعض ضعاف النفوس من العاملين فى البنوك مما اضطر البنوك إلى تغيير الأرقام السرية للعملاء كما تم وضع كاميرات على أجهزة الصرف. أضاف الدويك: استحدثت الجرائم وأصبحت إلكترونية عبر مواقع متخصصة فى التسويق لبضائع وأشياء ثمينة أو متوسطة الثمن ووضع نظام لهذا التسويق فلكل مشتر عمولة على «زبون» جديد يقنعه بالشراء وهكذا تستمر زيادة عمولات البيع. وذكر الدويك أن الشرطة تراقب ما إذا كانت هذه التجارة مشروعة من عدمه وعما إذا ما كان البيع حقيقيا أو وهميا وأيضا التلاعب فى الحسابات، وفى حالة عدم الجدية فإن هذه الجريمة تصبح «نصب» ولذلك تعتبر المواقع الإلكترونية ووسائل الدعاية والإعلان من الطرق الاحتيالية للاستيلاء على المال بطريق النصب. فيما أشار المستشار صدقى خلوصى رئيس هيئة قضايا الدولة الأسبق إلى أن المشروع المصرى حدد جريمة النصب وأفعالها وعقوبتها فى المادة 336 من قانون العقوبات المصرى والتى نصت على (يعاقب بالحبس كل من استولى على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أى متاع منقول بطرق الاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها إما باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمى أو تسديد المبلغ الذى أخذ بطريقة الاحتيال أو الإيهام بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزورة وإما بالتصرف فى مال ثابت أو منقول ليس ملكا له ولا يحق له التصرف فيه إما باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة. وأضاف خلوصى أنه بالرغم من وجود هذا القانون إلا أن بعض الناس يلجأون إلى التحايل على القانون وهم من ضعاف النفوس للكسب السريع بدون أى مجهود مع وجود جشع للحصول على أى شىء بدون وجه حق من الغير، مشيراً إلى أن القانون ما هو إلا وسيلة ردع ولكن لا يتم تفعيله. وذكر ممدوح قناوى رئيس الحزب الدستورى أن قضية جرائم النصب الإلكترونى مثلها مثل قضية غسيل الأموال فى الخمسينيات وهى عبارة عن طرق غير مشروعة للزج بالشباب فيها بدون أى وعى. وأضاف قناوى أن القانون لا يحمى المغفلين لأن الذين يقومون بهذه الجرائم يوهمون الشباب بأن الموضوع حلال شرعاً وله صيغة قانونية، مشيراً إلى أن هذه الجرائم أصبحت «سبوبة» فى مجتمع لا ينتج ولا يوجد فيه مشاريع اقتصادية تفتح فرص عمل للشباب، إضافة إلى عدم وجود أى تنمية فى أى مجال. تعديل القانون ويطالب عاطف لبيب النجمى رئيس جمعية الدفاع العربى بتعديل القانون الخاص بمواجهة عمليات النصب على أن يخضع المجنى عليه لعقوبة مماثلة لعقوبة الجانى إذا خالف القواعد القانونية. ويطالب النجمى بتعديل القانون رقم 46 لسنة 1988 بحيث ينص على أن من يتلقى أموالا دون تصريح حكومى يعاقب ومن يعطى أمواله وهو على علم بأن الشركة ليس لها شرعية قانونية يتعرض للمساءلة والعقاب. توعية الشباب ويؤكد محمد عبد الفتاح عمر خبير أمنى أن النصب من خلال الشبكات الإلكترونية أزمة من الصعب إيجاد حل لها، وأشار إلى أن الأمن لا يستطيع مواجهة تلك العمليات سوى من خلال نشر التوعية عبر القنوات الفضائية لتعريف المواطنين بخطورة هذا العمل. وأكد عمر على توعية الشباب وتقويمهم بالتربية السليمة الناضجة كى لا ينساقوا وراء عمليات النصب. فالتوعية ليست عن طريق شبكات الإنترنت فقط فلابد من التوعية بصفة عامة فى كل الاتجاهات سواء كانت سياسية أو اجتماعية ويجب أن تتوال ذلك وزارة الثقافة والإعلام والاتصالات، وأضاف أنه يجب على الجميع أن يعمل من أجل توعية الشباب، وأوضح عمر أن الدور القانونى يجب أن يفعّل، فهو معروف وتوجد مواد كثيرة فى القانون لعقوبة قضايا النصب ويتم من خلالها التحقيق ومن الممكن تعديله فى المستقبل. د. محمد الدسوقى رئيس مركز السادات للبحوث يرى أن هذه الأنشطة الإليكترونية دخلت إلى مصر عن طريق الإنترنت ضمن أنشطة التبادل التجارى الإلكترونى والتى يتم تنظيمها فى مصر وفقاً لقانون التجارة الإلكترونى وضمن هذه الأشكال التسويق والإعلان وتبادل الكتب والأبحاث والدفع الإلكترونى، وشهدت السنوات الأخيرة ظهور شركات تقوم بعمليات النصب والاحتيال فهى تعرض عمليات دفع الأموال للعملاء لكن هذا مبالغ فيه مقارنة بنشاط المشتركين بما يوجب أن تقوم الحكومة بمراقبة هذه الأنشطة حتى يتجنب أبناء الوطن الوقوع فى هذا الفخ من جرائم النصب الإلكترونى. وتؤكد غادة إبراهيم - طالبة - أنها فوجئت برسالة تخبرها باختيار بريدها الإلكترونى كأفضل إيميل على مستوى الشرق الأوسط وفازت بمبلغ 300 ألف جنيه استرلينى وعليها إرسال 200 دولار لتسهيل إجراءات استلام المبلغ وبالفعل أرسلت على هذا الحساب واكتشفت بعد ذلك أنها عمليات نصب. إغراء المكسب السريع وأوضح محمد رأفت - مهندس كمبيوتر- وخبير برامج اختراق أن ضحايا النصب الإلكترونى هم راغبو المكسب السريع وهناك شركات لديها خدمة شراء إيميلات ويتم استغلالها عن طريق محترفين للإيقاع بضحاياهم ويختارون دائما إيميلات عربية، أيضاً هناك من يقومون باختراق إيميلك الخاص عن طريق إرسال برنامج لتسجيل بياناتك ورقم حسابك ويقوم بسحب بياناتك وصورك الخاصة، لذلك لابد من اتخاذ الاحتياطات اللازمة وعدم الوقوع فى فخاخ النصابين وذلك عن طريق برامج مكافحة لهذا وتغيير كلمة السر من وقت لآخر. إجراءات آمان للإنترنت ويقول مصطفى نعيم - مهندس كمبيوتر- إنه تتعدد أشكال النصب وهناك رسائل وصلت إليه عبر الإيميل من أحد البنوك الشهيرة تخبره بفوزه فى سحب بملايين الجنيهات وعليه منحهم رقم حسابه فى أحد البنوك وتم النصب عليه، وطالب الحكومة بأن تتخذ كافة إجراءات الأمان عبر الإنترنت كى تحافظ على أبناء الوطن وأيضاً تنصح الشباب بعدم الجرى وراء سراب وأحلام الثراء السريع. ويقول الدكتور حمدى عبد العظيم الخبير الاقتصادى وعميد أكاديمية السادات السابق إن النصب الإلكترونى غير رسمى ومخالف للقانون وله ضوابط وقوانين تجرمه، مشيراً إلى أن هذا النوع من النصب يعتمد على استخدام الإنترنت فى التواصل مع الضحايا وبهدف سحب أموال وتشغيلها والحصول على دخل مرتفع أو تسويق منتجات أو تجارة سلع. ويضيف أن هذا النوع من النصب يقبل عليه عدد كبير من المتعاملين على شبكة الإنترنت من داخل مصر وخارجها وذلك بهدف الثراء السريع وغير المرهق، مشيراً إلى أن الضحية فى الغالب تتصف بالطمع وهو ما يعتمد عليه المجرم والذى يقوم بإغراء الضحية بالمال الوفير ويتم ذلك بالفعل ويحصل الضحية على مقابل مادى فعلى حتى يثق فى التعامل مع الشخص الذى أوقعه فى الفخ. وبعد ذلك يتم استنزاف أموال الضحية الذى وثق فى المجرم وبهدف الحصول على أرباح أكبر يقدم الضحية كل ما لديه من مال وتكون المشكلة أكبر.