«السُّنَّة ليسوا طائفة لكن هناك من يدفعهم لمستنقع الطائفية خلال 30 عامًا فرضت إيران مبدأ «ولاية الفقيه» على الشيعة العرب لا يختلف أحد على أن ثمة صراعا طائفيا فى العراق، لكن هذه النظرة تنم عن سطحية وتسرع، إزاء طبيعة هذا الصراع ودلالاته، لاسيما إزاء السنة والشيعة، كطائفتين تنطويان على تنويعات عدة، فيها المتدين العادى واللامتدين، والمعتدل والمتطرف، والمسيس واللا مسيس، والمتصوف والجهادى، والعلمانى واليسارى والليبرالى والقومى».وهى حال يصعب معها تصنيف كتل اجتماعية وفق تصنيفات طائفية فقط بمعزل عن المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية. يقترب العراقيون بخطى حثيثة من نقطة اللاعودة، لم تنفع كل الدعوات إلى الحوار لحل أزماتهم الداخلية، مبعوث الأممالمتحدة إلى بغداد مارتن كوبلر اختصر ما يجرى بقوله «إن العراق يتجه نحو المجهول». فالعشائر شكلت جيشها، لأن قوات الحكومة باتت برأيهم «قوة احتلال»، ونادى خطباء يوم الجمعة برفع «راية الجهاد»، لإخراج هذه القوة من المحافظات السنية، وحذرت المرجعية الشيعية فى كربلاء من «جر البلاد إلى مزالق خطيرة» وانتشرت قوات من البشمركة الكردية فى محيط مدينة كركوك بهدف ملء الفراغ الأمنى وحماية المواطنين والدعوة إلى تسوية أو حل جذرى للأزمة السياسية المتفاقمة منذ عامين لم يعد ممكنًا، لأنه لو كان الأطراف المتصارعون جاهزين لتقديم تنازلات متبادلة لما وصلوا إلى حافة الهاوية. الأمر الأكثر إلحاحًا هو وقف التدهور الأمنى بدلًا من تبادل الاتهامات، الجميع مسئولون، لكن المالكى وحكومته يتحملان القسط الأكبر من المسئولية. كل طرف رفع سقف مطالبه، بسبب غيبة الحوار لمدة طويلة قبل أحداث الحويجة، اقتصر الصراع على صورته السياسية بين الحكومة والمحافظات السنية ويخشى اليوم أن يتحول الصراع بين المحافظات السنية والشيعة عمومًا. مشاكل المالكى ليست مع المحافظات السنية فقط، فلديه مشاكل مع إقليم كردستان، ومشاكل عميقة مع شركائه فى الائتلاف الشيعى، خاصة التيار الصدرى وحتى تيار عمار الحكيم. ولا شك أن الانتقادات التى وجهها الصدر وقوى شيعية أخرى للمالكى وإعلانهم تضامنهم مع المعتصمين السنة خففت من حدة الاحتقان المذهبى. لقد نجح المالكى، منذ اندلاع الأزمة السياسية، فى دفع خصومه إلى حلف معارض من كردستان إلى النجف مرورًا بكتلة «العراقية» والمحافظات السنية وهو ما يسهل على هذا الحلف اتهام المالكى بأنه يريد الاحتفاظ بالسلطة وتكريس موقعه مهما كلف الأمر، حتى إن وصل إلى حد المجازفة بتجديد الحرب الطائفية. فلم يسمع المالكى دعوة المرجع الشيعى السيستانى الذى تمنى سحب الجيش من مناطق الاحتجاجات والاكتفاء بالشرطة المحلية، وتلبية مطالب المتظاهرين والمعتصمين المشروعة. وكان حريًا أن يلتزم المالكى و «دولة القانون» مبدأ تداول السلطة، ويصيب خصوم المالكى حين يحملونه مسئولية ما آلت إليه الأوضاع. وخلال سنوات لم تهدأ أصوات العراقيين العاديين الذين كانوا ولا يزالون يشكون من غياب الحد الأدنى من الخدمات، بخلاف ما عليه وضع كردستان مثلًا من توفير الخدمات والتنمية والمشاريع والاستثمارات. وعلى المستوى الأمنى لم تستطع حكومة المالكى ترسيخ الأمن، وضيعت فرصًا كثيرة للبناء على ما تحقق منذ أن طردت «صحوات» العشائر مقاتلى «القاعدة»، مما أدى إلى انخراط السنة فى العملية السياسية، وكان الخطأ الفادح إعادة دفع السنة مجددًا خارج العملية السياسية وخارج مؤسسات الدولة. بالحديث عن السنة نجد أن هذه الطائفة لا تخضع إلى مركز دينى محدد، ولا إلى دولة معينة، ولا يوجد حزب دينى بعينه يسيطر عليها ويمكن تفسير ذلك بواقع أن السنة تاريخيًا لم يعرفوا أنفسهم كطائفة، وليس لهم حزب طائفى بعينه يسيطر أو يحوز وسائل القوة لقد توزع جمهور السنة تاريخيًا على مختلف التيارات السياسية، القومية، اليسارية، الليبرالية والديمقراطية ونبذوا الطائفية باعتبارهم الشعب، بدليل رفضهم صور الخمينى مع الثورة الإيرانية واعتبار نصر الله زعيمًا قبل سنوات، وبدليل صبرهم على نظام الأسد أربعين عامًا. وهناك اليوم يوجد تحدٍ يتمثل بتطييف السنة، بدفع من عدة عوامل تدفع فى هذا الاتجاه أهمها السياسات الطائفية الاستفزازية التى تنتهجها إيران والقوى التابعة لها. هكذا لم يعد خافيًا على أحد الجهود المكثفة والهائلة التى استخدمتها إيران لتعزيز مكانتها فى الشرق الأوسط من العراق واليمن والخليج وصولًا إلى لبنان مرورًا بسوريا طوال العقود الثلاثة الماضية. وأصبح واضحًا أن إيران استطاعت الهيمنة على الطوائف الشيعية فى عموم الإقليم، وفرض وصايتها عليها، مستثمرة فى ذلك إمكانيات إيران المالية الكبيرة وقدراتها العسكرية ومؤسستها الدينية، ونفوذها السياسى. هكذا أصبحت القوى الطائفية الميليشياوية فى العراق تتحكم فى مقادير البلد. واستطاعت فرض القبول بمبدأ «ولاية الفقيه» الخاص بالمرجعية الدينية الإيرانية عليها، وهو الأمر الذى لم يكن ضمن الاجتهادات الدينية لائمة الشيعة العرب. والخوف الآن أن المجازر الطائفية التى يرتكبها النظام فى سوريا ودخول حزب الله على الخط، تهدف إلى رسم خرائط طائفية، والأهم دفع السنة دفعًا نحو مستنقع الطائفية، لإلغاء فرديتهم ورؤيتهم لذاتهم باعتبارهم بمثابة الشعب. وفى النهاية يجب أن ندرك أن الطوائف ظاهرة عادية كونها انعكاسًا طبيعيًا للتعددية الدينية والمذهبية، أما الطائفية فيتم توظيفها لإخفاء بعد دينى أو مذهبى على الصراعات السياسية وفى مجال الصراع على الموارد والسلطة. وعلى ذلك فإن الطوائف ستبقى، أما الطائفية فهى مرهونة بنتائج الصراعات والتحولات السياسية نحو الدولة الديمقراطية الدستورية، دولة المواطنين المتساوين فى كافة الحقوق والواجبات.