لم نكن جميعا نتصور أن تكنولوجيا بهذه البساطة تستطيع أن تساهم بشكل كبير.. بل تلعب دور «الجوكر» فى تغيير حياة شعوب وملامح دول وأمم، الفيس بوك وتويتر واليوتيوب وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعى لعبت دورًا خطيرًا فى ثورات الربيع العربى وخاصة ثورة 25 يناير فى مصر، فقد كانت مصدر إشعال الثورة ولهيبها وملتقى تفجيرها وثوارها وهو ما دفعنا جميعا نحوها وجعلنا ننشئ صفحات خاصة عليها لنكون جزءا من هذا العالم الجديد الذى غير حياتنا، انغمسنا فيه وكنا نتابع ونتواصل، لكننا لم نكن نعلم أنها ستتحول إلى تكنولوجيا ذات حدين، تصيب فى مقتل إن شاءت وتطيش ضربتها إن شاءت، فقد أصبح من العادى أن تستيقظ يوما لتجد نفسك ميتا، أو تجد نفسك أصبحت وزيرا أو محافظا، أو أن تجد أحد أفراد أسرتك فى كليب غريب، أو صورة أغرب.. فمن التواصل الاجتماعى إلى الحرب النفسية والشائعات الخطيرة تحولت تلك الوسائل وأصبحت بالفعل تكنولوجيا خطيرة ذات حدين.. «أكتوبر» رصدت الظاهرة خاصة بعد انتشار عدد كبير من الشائعات وصدور تقرير عن مركز الإحصاء يشير إلى أن مصر التاسعة عشر عالميا والأولى على مستوى الشرق الأوسط فى استخدام التواصل الاجتماعى إذ أن هناك ما يزيد على 12 مليون مصرى يتابعون ويستخدمون الفيس بوك وتويتر وناقشت الخبراء حول خطورتها وكيفية التصدى لها. من يتابع صفحات التواصل الاجتماعى ويريد أن يرصد الشائعات فسوف يجد سيلا منها وفى كل المجالات، فهناك كل يوم تقريبا شائعة من أى نوع سواء على فنان أو شخصية عامة كالرئيس أو عن الحياة السياسية، فمثلا يوم الإثنين الماضى كان خبر شائعة وفاة الفنان حسن حسنى عن عمر يناهز 82 عاما وهو ما أثار بلبلة فى الوسط الفنى استلزم خروج المنتج أحمد السبكى لنفى هذه الشائعة وهناك أيضا شائعة وفاة نجم الكوميديا الفنان سمير غانم إثر أزمة قلبية أودت بحياته قبل دخوله المستشفى وهو ما نفاه الفنان مبديا حزنه الشديد متهما مروجى تلك الشائعة بالتسبب فى إصابة زوجته الفنانة دلال عبد العزيز وبناته دنيا وايمى بحالة من الذعر. فى ذات السياق شائعة وفاة عمرو موسى، رئيس حزب المؤتمر والتى نفاها، مؤكدا أن الشائعات لن تفت من عزيمته، وأن الشائعة تستهدف النيل من تحركاته فى جبهة الإنقاذ المعارضة. ومن شائعة وفاة عمرو موسى إلى الشائعة السياسية الأخيرة والأهم وهى تكهنات التعديل الوزارى الجديد التى خرجت تؤكد تولى د. باكينام الشرقاوى منصب نائب رئيس الوزراء، ووزيرة التعاون الدولى، والمستشار طلعت أحمد عبدالله وزير الدولة للشئون القانونية، واللواء منصور العيسوى وزير الداخلية، ود. عصام الحداد وزير الخارجية، وعمرو الليثى وزير الإعلام، وعزة الجرف وزيرالدولة لشئون المرأة والسكان، والكابتن هادى خشبة وزير الدولة للرياضة، وفى المحافظين محمد البلتاجى محافظ القاهرة، ود. أكرم الشاعر محافظا لبورسعيد، ود. حلمى الجزار محافظا للمنوفية، وعصام سلطان محافظا لدمياط, والمستشار وليد شرابى محافظا للجيزة، واللواء ممدوح شاهين محافظا لشمال سيناء، الأمر الذى تسبب فى حالة ثورة وغضب لمستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى بسبب رفضهم للعديد من تلك الشخصيات التى أصاب أداء بعضها عدم التوفيق طوال الفترة الماضية وما تسبب أيضا فى إصابة البورصة بخسائر فادحة نتيجة تلك الشائعة وأصاب بعض الوزارات بالشلل. ومن الشائعات الخطيرة أيضا تلك التى نالت المؤسسة العسكرية، فقد تداول ناشطون على مواقع التواصل تصريحات منسوبة لرئيس الأركان الفريق صبحى صدقى على صفحة منسوبة لشخصه، أثارت كثيرا من الجدل حول اتهامات منسوبة للجيش، وقد نفى العقيد أركان حرب أحمد محمد على، المتحدث الرسمى باسم القوات المسلحة، وجود أى صفحات للفريق صدقى صبحى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، على مواقع التواصل الاجتماعية، عارضًا الصفحات الرسمية الخاصة بالمؤسسة العسكرية، ومطالبًا بعدم الانسياق خلف صفحات مغلوطة، تبث الأكاذيب والشائعات عن المؤسسة وقادتها وتضمنت الشائعات أيضا إقالة وزير الدفاع وقيادات عسكرية وتعيين ابنة السيسى فى وزارة الطيران وهى الشائعات أيضا التى أثارت حالة من الجدل لحساسية موقف المؤسسة العسكرية من الشارع السياسى فى الوقت الحالى خاصة بعد الدعوات لنزول الجيش وتوليه مقاليد الحكم فى البلاد. غموض وفبركة انتشار الصفحات الغامضة التويتات المفبركة يؤكد أن هذه الشائعات وراءها محترفون استغلوا انتشار الفيس بوك فى مصر ودوره فى الدعوة لثورة يناير المجيدة والتصدى لكشف كل الأخطاء التى وقعت فى عهد مبارك وفى المرحلة الانتقالية وحاولوا توظيفها لأهدافهم. وعن ذلك يقول عادل مندى المحامى وأدمن صفحة حركة محامون من أجل العدالة إن الفيس بوك يوفر مساحات شاسعة لحرية تعبير مختلفة، عما تتيحه مؤسسات صحفية بطبيعة الحال، ولكن المهم هو انتقاء الأخبار تباعا من مصادر عدة مكتوبة كانت أم مرئية ليقوموا ببثها من خلاله، فإن الأصل فى الفيس بوك أنه موقع اجتماعى، لكن بين أصحاب القطاعات الواحدة تحول إلى ما يشبه التجمع أو النقابة أو الهيئة التى تصهر اهتماماتهم فى بوتقة واحدة على اختلاف الآراء والأفكار مما ولّد مواقع إخبارية تفاعلية تتيح معرفة الرأى والرأى الآخر ضمن إطار حضارى. ويضيف مندى أن الفيس بوك يوفر سرعة وسلاسة بالنشر دون أى تعقيدات، لأن إنشاء الصفحات مجانى بدون أى تكلفة وهذا من أهم أسباب انتشار الصفحات الإخبارية على الفيس بوك وتدواله بعد انتشار الانترنت على التليفونات المحمولة فبدل الاشتراك فى خدمة الأخبار تستطيع التعرف عليها على موبايلك كل لحظة. وأكد مندى أنه بالفعل انتشر عدد من الأخبار الكاذبة على الفيس بوك، ولكن الصفحات الكبيرة والتى تحافظ على اسمها لا تنساق وراء تلك الأخبار وتتأكد من أى خبر أو صورة قبل نشرها. ويقول محمود أحمد (صحفى) ومؤسس إحدى الشبكات الإخبارية على الفيس بوك إن فضاءات الفيس بوك، تتيح النشر للصحفى بعيدا عن الرقابة، التى لا تعنى بالضرورة خطوطا حمراء رسمية أو ما شابه ذلك، بل بمعنى الإحساس بالمسئولية، فيما يبث أو لا يبث عبر صفحته، وللأسف فإن عددًا كبيرًا من الشائعات انتشرت فى الأونة الأخيرة بعضها يمس أمن البلاد، ولكن فى رأيى أن وراء تلك الشائعات جهات منظمة لكى يفقد الفيس بوك بريقه واهتمام المصريين به بعد الثورة، فهناك أخبار وصور تنشر يعرفها أى مستخدم للفيس أنها مزورة وهناك صفحات مشبوهة لا يدخل عليها أحد لذلك لا يجب أن ننساق وراء الاتهامات للشبكات الإعلامية اللحظية فهى مع الوقت ستكون المتنفس الأول فى العالم لمعرفة الأخبار العالمية والمحلية. ويؤكد محمود أن هناك أكثر من شبكة عالمية وجريدة دولية لها صفحات على الفيس بوك وتتواصل مع قارئيها وفى مصر معظم الجرائد الحكومية والخاصة لها صفحات على الفيس تنشر عليها أخبار الجريدة والأخبار الجديدة فى وسيلة للتواصل مع القارئ الجديد. أهداف خاصة أما الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسى بجامعة القاهرة فيرى أن هذه الظاهرة انتشرت كثيرا على المواقع الإلكترونية وتأتى عن طريق أشخاص يكون لديهم معلومات غير دقيقة وغير موثقة قد تخدم مصالحهم وتنتقل من شخص إلى آخر مع عوامل الحذف والإضافة، فمن الممكن أن تبدأ الشائعة بداية معينة وتنتهى نهاية مضافة لها أشياء جديدة مبالغ فيها، فالذى قال إن هناك تعديلًا وزاريًا رئيس الجمهورية على قناة الجزيرة وتلته أخبار متعلقة بالتعديل قد تكون دقيقة، وقد تكون غير دقيقة والشائعات الأخطر كثيرة حول أمن الوطن والمسئولين وأيضًا أسعار السلع ومنها السيارات التى تزايد سعرها من 10 إلى 20 ألف جنيه مرة واحدة، بالإضافة إلى أزمة الوقود والسولار وقطع الطرق كل هذه الشائعات تتزايد نتيجة الغموض وأحيانا الرئاسة تتطرق إلى تلميحات ولم يفصح عنها صراحة فتصير شائعة جديدة ويوجد لدينا أمثلة كثيرة، فمثلا بعد حادثة التسمم فى المدن الجامعية من يأمن على ابنه أو ابنته والبورصة وشركات ساويرس التى يعمل بها الآلاف فكل ذلك يؤثر على الحركة والالتزام ثم بعد ذلك تطلب سائحين هذا أمر غير معقول والحل فى ذلك ألا يتناول الإعلام هذه المعلومات إلا إذا كانت حقيقية وموثقة وعدم وجود غموض فى الكلام ولا بد من اتخاذ القرار والرد بوضوح. جهات للمتابعة ويقول الدكتور أحمد زارع أستاذ الرأى العام بكلية الإعلام جامعة الأزهر إن الشائعات كثيرة جدا وخاصة التى تتناول الجوانب السياسية وتتعلق بالسلطات الحاكمة حاليا وبعضها يتعلق بالرئيس والرئاسة ولم يكن لها أصل فى الحقيقة وهناك بعض الحقائق يضاف إليها بعض الأكاذيب. وأضاف زارع أن تردد هذه الشائعات يشكل بلبلة كبيرة فى الرأى العام ويساعد فى ذلك أنه لم يكن هناك جهة منوطة بتفنيد هذه الشائعات والرد عليها ومواجهتها بحقائق، مؤكداً لابد أن يكون يرصد هذه الشائعات متفهما لواقع حياة المصريين وطبيعة السياسة وعلاقتهم بالرأى العام المختلفة، وبالتالى عدم ترك المجال لهذه الشائعات أن تؤثر بصورة سلبية فى أذهان واتجاهات الجماهير وهناك بعض الشائعات تمثل حقائق عند الناس مما يؤثر سلبا على اتجاهاتهم السياسية بعد ذلك منها مأخذ البعد الاقتصادى وكان لها تأثير كبير على الاقتصاد، فمثلا أشيع أن الدولة ستجمد الودائع وعجز الدولة عن سداد مرتبات الموظفين. الشائعة والقانون فى حين يؤكد محمد جمعة المحامى والمتخصص فى قضايا النشر أن المادة المنشورة على شبكة الانترنت أيا كانت مقالا أو صورة أو إعلانا فى متناول كل المتعاملين مع شبكة الانترنت دون تحديد أو تمييز طالما إمكانية الاطلاع على تلك المادة متاحا دون شرط ولا مشكلة فى ذلك. لكن تبدأ المشكلة عندما تكون المادة المنشورة عبر الانترنت تشكل مخالفة قانونية أيا كانت أخلاقية منافية للآداب كنشر صور إباحية أو التشهير بشخص ما أو تناوله بعبارات تشكل سبا أو قذفا أو إهانة أو تشكل اعتداء على حقوق الملكية الفكرية أو أن تكون المادة المنشورة تتضمن تحريضا على ارتكاب جريمة ما. ومن أوضح تلك الصور الجرائم التعبيرية التى تتم عن طريق الانترنت مثل جريمة السب أو القذف أو الإهانة أو نشر الأكاذيب أو الشائعات أو أن يشكل ما يتم نشره على شبكة الانترنت دعوة إلى تحريض الجنود على الخروج عن الطاعة أو التحول عن أداء الواجب العسكرى أو أن تتضمن مقالة منشورة على الانترنت حثا للأفراد على عدم الانقياد لقانون معين رأى الكاتب أنه قانون ظالم أو صدر مخالفا للدستور. وتبدو الصورة أكثر وضوحا عن ما يكون ما يتم نشره من مقالات خادشة للحياء العام أو صورا أو أفلاما منافية للآداب. ولكن ليس كل ما ينشر على شبكة الانترنت يشكل جريمة معاقبا عليها وفقا للقانون إنما الأمر لا يخلو من بعض الأخطاء التى قد لا يدرك كاتب المقال أو ناشره أنها تسبب مشكلة ما قد تؤدى به فى النهاية إلى مساءلته قانونيا، كأن يكون هناك موقع يقوم بنشر صور غير حقيقية من شأنها الإساءة إلى سمعة البلاد أو أن يكون ما تم نشره يشكل اعتداء على الآخرين أو تحيزا لأهداف قد يرى المشرع أنها هدامة أو دعاوى للانحراف أو اعتداء على حقوق الملكية الفكرية أو تحريضا على ارتكاب جريمة من الجرائم الأخلاقية التى نهى عنها القانون وحدد عقوبات لمرتكبها. وغالبا ما يتم نشر مقالات فى إطار حرية الرأى والتعبير وانتقاد القائمين على الحكم أو العمل العام أو الخدمة العامة أو تنتقد الأوضاع الراهنة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. وكل هذه الانتقادات أو المطاعن تدخل تحت دائرة النقد المباح الذى لا عقاب عليه طالما أن الكاتب لم يمس الحياة الخاصة لشخصه العام سواء كان رئيسا للجمهورية أو وزيرا أو موظفا عاما أو من فى حكمه. وقد طالعنا جميعا تلك الأحكام التى صدرت ضد رؤساء تحرير صحف مصرية بحجة أن مقالاتهم حوت إهانة لشخص رئيس الجمهورية. ويضيف جمعة: أن المواد القانونية التى تعالج قضايا النشر جاءت جميعها فى عبارات عامة مبهمة وفضفاضة تجعل النيابة العامة تستطيع أن تضع كاتب مقال تحت طائلة القانون والمواد متعددة فإن لم يكن إهانة رئيس الجمهورية كان ترويج إشاعات وإن لم يكن قذفا كان سبا أو إهانة وهكذا. لأن الأمر فى البداية سلطة تقديرية للمحقق (وكيل النيابة) وفى النهاية إلى قاضى الموضوع الذى عليه أن يضع نفسه مكان الكاتب وفى نفس ظروفه وثقافته، والذى يساعد على ذلك وللأسف اتساع النص القانونى الواصف للجريمة والمحدد للعقاب واتساع مفاهيمه وأحيانا كثيرة إلى ذلك الغموض والإبهام الذى يحيط بالنص القانونى ويجعله عرضة لتفسيرات وتأويلات مختلفة، ويبدو أمر هذا الغموض واضحا فى الجرائم التعبيرية ومفردات مثل العيب والإهانة والسب وتكدير الرأى العام. ويستطرد جمعة قائلا إن كل هذه الجرائم التى من الممكن أن تقع عن طريق الانترنت وتضع مرتكبها تحت طائلة القانون وردت فقط فى قانون العقوبات، بالإضافة إلى أنه لا بد أن ننوه إن هناك العديد من القوانين التى تقيد من حرية الرأى والتعبير ومنها على سبيل المثال القانون رقم 354 لسنة 54 والخاص بحماية حق المؤلف وأيضا قانون المطبوعات رقم 20 لسنة 1936 بالإضافة إلى القانون 14لسنة 67 والخاص بحماية المعلومات العسكرية والقانون رقم 121 لسنة 1975 الخاص بالمحافظة على الوثائق الرسمية للدولة والقانون 100 لسنة 1971 والخاص بالمخابرات العامة بالإضافة إلى قانون تنظيم الأزهر.