«عيش - حر ية – عدالة اجتماعية» ، هذا الشعار الذى نادت به الملايين لدى اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير من عام 2011 ، وقد رأت تلك الملايين ان أبرز خطوات تحقيق العدالة الاجتماعية هو تطبيق الحد الاقصى والحد الأدنى للأجور.وفى الوقت الذى أشار فيه بعض الخبراء إلى أن تطبيق الحد الأدنى للأجور لن يكون له تأثير سلبى على اعتمادات الموازنة العامة للدولة، وسيكون التأثير إيجابيا لمصلحة محدودى الدخل، وأن نسبة من سينطبق عليهم الحد الأقصى لا تتعدى 1% من عدد العاملين بالدولة، بما يعادل 60 ألفا من أصل 6 ملايين موظف بالجهاز الإدارى للدولة، فإن البعض الآخر اشار الى ان تطبيق الحد الادنى ضرورى، بينما رفضوا تطبيق الحد الاقصى كونه يقضى على الكفاءات وطموحهم، ويؤدى لهروب المتميزين الى القطاع الخاص، وهو ما يؤثر سلبا على القطاع الحكومى ، ويعظم من فشله، وبين هذا الرأى والرأى الاخر نستعرض فى السطور القادمة اسباب الطرفين. بداية قال د. جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، إن تطبيق الحدين الأقصى والأدنى للأجور يعد خطوة مهمة على طريق العدالة الاجتماعية، مشيرا إلى أن تطبيق الحد الأقصى للأجور يوفر نحو 4 مليارات جنيه سنويا للدولة من خلال تطبيقه على جميع الأجهزة والهيئات التابعة للدولة، وهو ما يساهم بشكلٍ كبير فى سد العجز الذى تحتاجه الدولة فى تطبيق الحد الأدنى للأجور الذى يكلف الدولة نحو 6 مليارات جنيه. وأكد الخبير الاقتصادى د. أحمد السيد النجار، أن تطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور يوفر للدولة أكثر من 20 مليار جنيه اذا تم إنهاء فوضى الأجور المخصصة للأعداد الهائلة من المستشارين سنويا، مشيرا الى مدى فساد نظام الأجور ووصفه بالفاسد والمفسد، حيث إن الحد الأدنى 118 جنيها ويصل بالحوافز والعلاوات الى 150 جنيها، مما أدى الى ازدياد ثقافة الفساد فى مصر. وقال النجار إن نظام الدعم الذى تقدمه الدولة هو مساومة من الدولة للطبقات الفقيرة، واصفا النظام السابق بأكبر منظمة فساد منذ العهد الفرعونى حتى الآن خاصة فى اتباعه سياسة الخصخصة و بيعه لمؤسسات الدولة وممتلكاتها بأسعار تسبب خسائر فادحة. واقترح النجار، تطبيق نظام اقتصادى مختلط، قائم على الحرية المطلقة للقطاع العام، ويدعم كل من القطاعين العام والخاص، ويعزز دور القطاع التعاونى. وأشار إلى أن النظام الاقتصادى فى عهد مبارك لا يزال مستمرا حتى الآن، مطالبا بضرورة بدء موجه اكتتاب عامة لمشروعات خاصة مشروطة بمراقبة أجهزة الدولة، لمنع الفساد بها على أن تكون فى مجالات مضمونة الربح، مثل تأسيس شركات للمنتجات التى يتم استيرادها أو للمواد التى نصدرها خاماً ، مؤكدا على أهمية فهم أسباب الازمات الاقتصادية ومصادرها قبل الثورة حتى يمكن وضح حلول لها. وأكد النجار، أن إحداث تنمية حقيقية فى مصر يتطلب إصلاح نظام الضرائب وتطبيق نظام ضرائبى يناسب الشرائح المتعددة والمتفاوتة بالإضافة إلى التوصيف المهنى والوظيفى وبهذا يراعى حقوق الفقراء و يضاعف الوارد من الضرائب مع عدالة فى توزيع ناتجها. فى نفس السياق قال الدكتور محمد جودة عضو اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة، إن تطبيق الحد الأقصى للأجور بداية حقيقية ومهمة من قبل الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع العاملين بالجهاز الإدارى والهيئات التابعة للدولة، وهو ما يعنى بداية تطبيق مواد الدستور، مشيرا الى أنه بحسب تقديرات المسؤلين، فإن تطبيق الحد الأقصى للأجور على الجهاز الإدارى للعاملين بالدولة فقط سيوفر نحو 100 مليون جنيه. وأضاف أنه رغم عدم وجود إحصائية نهائية حول حجم العائد من تطبيق الحد الأقصى للأجور على الهيئات والمؤسسات التابعة للدولة، إلا أن هناك توقعات بتوفير فائض كبير للدولة من وراء هذه الخطوة ، مشيرا إلى أن إقرار الحد الأقصى للأجور سيحقق فائضا تستطيع الدولة من خلاله تمويل تطبيق الحد الأدنى للأجور لرفع الدخول المتدنية للعاملين بالدولة. وأوضح أن الاستثناء من هذا القانون سيكون لوظائف وخبرات بعينها، حتى تستطيع الدولة الاستفادة من هذه الخبرات وفى القطاعات الحيوية دون الخوف من هروب تلك الخبرات إلى القطاع الخاص. اختلف مع الرأى السابق الخبير الاقتصادى د.صلاح جودة، وقال إن تطبيق قرار الحد الأقصى للدخل بالحكومة وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال والوحدات المحلية بالجهاز الإدارى للدولة، وبنوك القطاع العام، هو بداية لتحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع العاملين بالدولة دون استثناء، مشددا على ضرورة أن يتم تطبيق الحد الأقصى على الدخل وليس الأجور، نظرا لتعدد بنود الدخل لموظفى الحكومة من مكافآت وحوافز وبدلات. وطالب الخبير الاقتصادى، بتطبيق القرار على جميع العاملين بالجهاز الحكومى، وعدم استثناء أى قطاع، لأن ذلك سيكون فيه نوع من التمييز. على الجانب الاخر رفض المهندس عبدالحميد حمدى خبير الموارد البشرية والنائب السابق لرئيس الشركة المصرية للاتصالات، أن العدل قد لا يعنى المساواة، فالمساواة كلمة تعنى تساوى كل الأطراف فى كل شىء، وهو ما يتعارض مع العدل، القائم على أن يحصل كل شخص على ما يستحقه تماما، مؤكدا أن تطبيق الحد الأدنى للأجور أمر صحيح تمامًا، ويعبر عن العدالة الاجتماعية بالفعل ، فتحديد حد أدنى للأجر فى مصر أمر مطبق فى عدد كبير من دول العالم، لمساعدة المواطنين على الوفاء بالاحتياجات الأساسية للحياة بكرامة ومع مراعاة الارتفاع العام فى الأسعار. وتابع، أما عن فرض حد أقصى للأجور بحيث لا يتجاوز طبقًا لتصريحات المسئولين 35 ضعف الحد الأدنى، نجد أن هذا الأمر يتعارض تمامًا مع فكرة العدل ، مشيرا الى أن الواقع يشير الى أن تطبيق الحد الأقصى للأجور يعنى ببساطة تدمير أى حافز أو دافع لتقديم مزيد من العمل، فهو يعنى بالنسبة للشخص الحاصل عليه أنك وصلت إلى اقصى ما يمكن أن تصل إليه، ولن يرتفع راتبك أبدًا مهما تطور عملك وتحسن إنتاجك ، ومهما ربحت مؤسستك بسبب أفكارك وأعمالك. وحذر خبير الموارد البشرية من أن تطبيق حد أقصى للأجور فى القطاع العام سوف يحول معظم الكفاءات إلى القطاع الخاص الحر، المستعد لاستقدام الخبرات وزيادة رواتبهم بشكل كبير، لأنه سيحصل على أضعاف هذه الرواتب جراء عمل هؤلاء وأفكارهم، وهو ما سيظهر خلال الفترة المقبلة مع بدء تطبيق الحد الأقصى، خاصة فى البنوك وشركات البترول والمؤسسات المالية. اتفق معه خبير أسواق المال وائل النحاس الذى قال ان الحد الادنى للأجور متدن ولكنه يتفق مع انتاجية العامل العادى الأمر الذى يتطلب اعادة تأهيل العامل المصرى ورفع مهاراته حتى يمكن الارتفاع بمستوى الحد الادنى للأجور. وطالب بإعادة النظر فى اسعار التأمينات الاجتماعية قبل تطبيق الأجور حيث تمثل هذه الاسعار عائقا اساسيا امام الاستثمار حيث تمثل 40% من قيمة أجر العامل وهذا الأمر يجعل هناك تهربا تأمينيا بالاتفاق بين العامل وصاحب العمل.