رغم مرور عدة أيام على حادث تفجير مضمار السباق فى بوسطن والذى أسفر عن وفاة ثلاثة أمريكيين، وإصابة أكثر من 170 شخصا آخرين، وما تلاه من انفجار وقع فى مصنع للأسمدة قرب مدينة واكو بولاية تكساس، وأدى لوفاة وإصابة العشرات، إلا أن الحادثين مازالا يشكلان لغزا محيرا لجهات التحقيق الأمريكية فى ظل عدم تحديد الجهات التى تقف وراء الحادثين، وخاصة تفجيرات بوسطن التى أعادت للشعب الأمريكى الذكريات الأليمة لهجمات 11 سبتمبر 2001. وفى هذا السياق، قالت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية إنه بعد أن تحولت أذهان الأمريكيين إلى الانشغال بقضايا محلية مثل حمل الأسلحة الشخصية والهجرة وعجز الميزانية بعد سنوات من عدم وقوع أعمال إرهابية، قفز الإرهاب فجأة إلى مكانه المعهود على رأس القائمة. أما موقع «يورو نيوز» فتناول فى تقرير له تفجير بوسطن قائلا إنه بعد انطلاق ماراثون بوسطن بأربع ساعات، تحول المكان إلى ساحة رعب، مضيفا، أنه عند خط النهاية كان من المفترض أن يعيش الجمهور لحظات فرح قبل أن تعم الفوضى العارمة عقب تفجير قنبلتين، والحصيلة كبيرة بين قتلى وجرحى، وأيضا حالة رعب عمت الولاياتالمتحدةالأمريكية. وقد تعددت تحليلات الصحف ووسائل الإعلام العالمية بشأن هذا الحادث وأسبابه وهوية منفذيه، فتحدثت صحيفة « واشنطن بوست» الأمريكية عن الجهة التى تقف وراء الحادث، ونقلت عن مسئول سابق فى مكافحة الإرهاب قوله «إن هجوم بوسطن لا يبدو وأنه من أنواع تفجيرات القاعدة التى تتضمن تنسيقا، ويتم فيها تفجير قنبلة معقدة التكنولوجيا مملوءة بالشظايا فى مساحة ضيقة لتحقيق أكبر خسائر ممكنة». وقالت الصحيفة إن هذا الدليل ربما يشير إلى جماعة فى الداخل لكن مسئولى البيت الأبيض والمحققين حذروا من أنه من المبكر جدا ربط الهجوم بأى نوع محدد من المجرمين، ونفس الرأى تبنته صحيفة «ديلى بيست» البريطانية، فقالت إنها لا تعتقد ان هذا العمل الإرهابى من صنع مجموعة «عربية» إرهابية، وبالرغم من أنه لا يلغى احتمال مشاركة بعض الأشخاص العرب فى المؤامرة، إلا أنه يعتقد أن وراء هذا الحادث مجموعة محلية، وأضافت الصحيفة أن المجتمع الأمريكى منفتح وحر، وبالتالى فإن أى شخص يكن العداء لأمريكا قد يتمكن فى أى وقت من زرع قنبلة فى مركز تجارى أو فى أى بلدة أو مدينة والتسبب بقتل الأرواح. على الجانب الآخر، قالت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية إن تفجيرات بوسطن أحيت من جديد المخاوف الأمريكية من مخاطر الجماعات الإرهابية، بعد مرور 12 عاما على تفجيرات 11 سبتمبر، مضيفة أنه رغم عدم وصول أيدى المحققين الأمريكيين إلى منفذى التفجيرات ، ووسط تصاعد فى اتهام إسلاميين متشددين بتنفيذ التفجيرات، إلا أنه بات على العالم أن يعيد التفكير بجدية مجددا فى مكافحة الإرهاب والتشدد، لأنه «لا دين له». أما صحيفة «الشعب» الصينية فذكرت فى تقرير لها أن تفجير القنبلة الثانية بعد 23 ثانية من الأولى، وبعد تجمع رجال الإنقاذ والشرطة والصحفيين فى موقع الحادث كشف عن الخبرة الوافرة والتخطيط الدقيق لدى منفذى التفجيرين ورغبتهم فى توسيع نطاق تأثير هذه الكارثة. و قال «يانج يو» المحلل السياسى بصحيفة الشعب، إن واشنطن تواجه فى المرحلة الحالية تحديا كبيرا يتمثل فى صعوبة تحديد عدوها فى سعيها إلى مكافحة الإرهاب، مضيفا أن الولاياتالمتحدة أطلقت فكرة الحرب على الإرهاب منذ أحداث 11 سبتمبر، وسجلت نتائج ملحوظة على مدار 12 عاما ولا سيما بمقتل أسامة بن لادن العام الماضى على يد قوة أمريكية خاصة وإحراز تقدمات متتالية فى العمليات العسكرية بأفغانستان، وأوضح «يو» أن الكارثة الجديدة تدل على أن مكافحة الإرهاب ليست - كما توقعت الولاياتالمتحدة - معركة تركز خلالها على عدو محدد وتحقق الفوز النهائى من خلال عمليات عسكرية أو بتصفية قائد العدو، بل إنها عمل دورى يتطلب جهودا مستمرة توافقا مع العولمة الاقتصادية. وذكر «يو» أن التكامل الاقتصادى العالمى وتطور التكنولوجيات الرقمية يبسطان حركة الأفراد والاتصالات والخدمات اللوجستية، فضلا عن أنهما يسهلان البحث عن المعلومات الفنية المطلوبة لأى عمل إرهابى فى ظل هذا العصر الرقمى، مضيفا أنه بعد 12عاما على انطلاق الحرب على الإرهاب فى الولاياتالمتحدة، تمكن الإرهابيون من الكشف عن نقطة ضعف فى الشبكة الأمريكية لمكافحة الإرهاب، لذا يلزم تطوير نظام مكافحة الإرهاب حتى يتمكن من التصدى للوسائل الجديدة والحديثة التى يبتكرها الإرهابيون لتنفيذ عملياتهم. أما «دياو دا مينج» الخبير فى مركز دراسات الشئون الأمريكية بأكاديمية العلوم الاجتماعية فيرى أن القضاء على الإرهاب لن يتحقق إلا من خلال تسوية مشكلة عدم التوازن وصصمعضلة هيمنة «القوة العظمى» على العالم، مضيفا أن تصنيف الولاياتالمتحدة لدول بعينها بأنها دولا راعية للإرهاب وشن الحرب ضدها قد يشجع الإرهابيين على ارتكاب المزيد من الهجمات. وعن اختيار الإرهابيين لمدينة «بوسطن» تحديدا لتنفيذ عمليتهم الإرهابية قالت صحيفة «جارديان» البريطانية إن هناك عدة عوامل تجعل من مدينة بوسطن هدفا مرجحا لمثل هذه الهجمات الأخيرة، ومن بين هذه العوامل أن معظم هذه الهجمات تحدث فى المدن الحضرية الكبرى مثل مانهاتن، حيث شهدت وحدها نسبة 1و13% من الهجمات الإرهابية فى الفترة مابين عامى 1970 و2008، وفى لوس أنجلوس 6 % من الهجمات فى الفترة ذاتها، وتابعت الصحيفة قولها «بالنظر إلى أماكن وقوع الهجمات الإرهابية على مدى السنوات الأربعين الماضية والتى وقعت فى عدة ولايات مختلفة، يمكن أن ندرك أن أى ولاية ستكون هدفا محتملا فى العقد المقبل». ونوهت الصحيفة بأن حدوث هجمات إرهابية فى بعض المدن قد يكون مرتبطا بارتفاع معدلات الجريمة فيها كما أن هناك عامل التنوع العرقى فى بعض المدن، حيث نرى أن بعض الهجمات الإرهابية تحدث فى المناطق التى يتم استخدام عدة لغات بداخلها، والأكثر من ذلك المدن التى تستخدم هذه اللغات فى التعامل مع المصالح الخارجية أو حتى الحكومية،علاوة على ذلك قد تقع بعض الهجمات الإرهابية فى المدن الأقل استقرارا حيث ينتشر الفقر وعدم المساواة، ورأت الصحيفة أن معظم هذه العوامل تنطبق على مدينة بوسطن لتجعل منها هدفا محتملا مقارنة بالأماكن الأخرى، فهى من بين أعلى عشر مناطق حضرية كبرى، كما أنها تطل على الساحل، ويقع ترتيبها من حيث ارتفاع معدل الجريمة بين الثلث الأعلى لمدن الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما أنها ذات كثافة سكانية عالية، فضلا عن ارتفاع نسبة الأسر الأجنبية الموجودة بداخلها. واعتبرت «الجارديان» أن ما يتعارض مع ما وصفته بالنمط التقليدى لارتكاب الهجمات الإرهابية هو أن هذا الهجوم وقع فى حدث رياضى بدلا من أن يستهدف مبنى حكوميا أو عملا تجاريا، فهو استهدف مدنيين من الجمهور وهو ما يثير مخاوف كثيرة فى هذا التفجير على وجه الخصوص. وخلصت الصحيفة إلى أن مدينة بوسطن تعد المدينة النموذجية لمثل هذه الهجمات، فمن الناحية الإحصائية، فإن ما يقرب من 2% من جميع الهجمات الإرهابية بالولاياتالمتحدة وقعت فى منطقة بوسطن بين عامى 1970 و2008.