مصر والسودان شقيقان توأمان ولدا من رحم واحدة هو وادي النيل كما أجراه الله تعالى، فشريان الحياة جعله الله تعالى يأتينا من السودان ولم يرصد التاريخ كله مرة واحدة اعتدى فيها السودان على مصر، فهما ليسا شقين يشاقق أحدهما الآخر كما فعل نظام مبارك المخلوع قبل الثورة، وليس هناك أمن استراتيجي لمصر مثل السودان، كما أنه ليس هناك خطر على الأمن القومى المصرى غير الكيان الصهيونى والأمريكان، فقد قادت أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما الحرب الضروس على مصر والسودان فى الماضي والحاضر، والتى لن تتوقف فى كل حال.. ومن يغالب الله يُغلب. فلقد كانت مصر والسودان معا مطمعا للإنجليز لما دخلوا إلى مصر سنة 1882م، واعتبرت مصر والسودان مستعمرة واحدة سميت مستعمرة وادى النيل ولما قامت ثورة 1919م استقلت مصر سنة 1922م عن المملكة المتحدة البريطانية وتغير الدستور سنة 1923م، حيث لقب فؤاد الأول بملك مصر والسودان، وبعد ثورة يوليو أعلنت الجمهورية المصرية يوم 18 يونيو 1953م واستقل السودان يوم 1 يناير 1956م، فمتى كان العدوان على مصر من السودان حتى يتعامل النظام السابق على أنهما شقان وليسا شقيقين؟! حتى جاء النظام الحالى المنتخب لأول مرة من الشعب المصرى فأعاد الأمور إلى أصولها وذهب إلى السودان بزيارة ليست ودية فقط جمعت بين الرئيسين د. محمد مرسى وعمر البشير، بل كانت تشمل عددًا من الوزراء ورجال الأعمال، ولقد شرفت بهذه الزيارة مع هذا الوفد الكبير الذى أراد أن ينقل الأقوال إلى الأعمال، والمشاعر إلى المشاريع، والعناوين إلى التفاصيل، ورأيت الكثير من حميمية الاستقبال، وكرم الضيافة، وسعة الأفق واستشراف المستقبل مع مرارة آلام ما جره النظام الماضى على البلدين حيث ذكر لى معالى وزير الأوقاف الشيخ الفاتح تاج السر أنه «لم يبت ليلة واحدة زعيم مصرى فى السودان منذ سنة 1970م»، فى الوقت الذى باتوا وترددوا وتفاعلوا مع العواصم الأجنبية فى الكرملين فى موسكو وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وواشنطن وربما بات بعضهم بين أحضان الصهاينة، لقد التقى الزعماء ووزراء من الحكومتين ورجال أعمال من البلدين فليس لقاء الأعناق بين الزعيمين يتلوه الشقاق بين البلدين، ولكنها كانت زيارة لردم هذا الشق الهائل الذى صنعته مصر مع السودان حيث لم يزر وزير خارجية المخلوع مبارك أبو الغيط السودان إلا ثلاث مرات لتنفيذ المخطط الصهيوأمريكى البريطانى بضرورة تسليم جنوب السودان وكتبت يومها فى مقالي: «مفارقات بين انفصال السودان واحتلال فلسطين»: لو كنت رئيسا لمصر وفكر جنوب السودان فى الانفصال لأمرت بضربة جوية قوية قبل أن يرتد إليهم طرفهم، لكن للأسف الشديد سلَّم أهل السودان جزءًا استراتيجيا لمكائد الشيطان يؤرق مصر والسودان، وأسلمت مصر السودان وتركت ظهرها عاريا لا يستطيع أن يقاوم وحده القوة الدافعة للجنوب من الصهاينة وعبدة الصلبان، والآن يعود الشقيقان ليزرعا الأرض معا، ولقد زرت كثيرا من البلدان، وظللت عاشقا أن أزور السودان، حتى قدر الله أن تكون أول زيارة فى صحبة الوفد المصاحب لزيارة رئيس مصر د.مرسى إلى أهلنا فى السودان، وكان أقرب الأصدقاء إلى قلبى وعقلى ووجدانى فى كل بلد أنزل فيه هؤلاء الأخيار من بلدنا السودان، منهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ العالم الداعية الربانى السودانى عبد الله إدريس حيث عشنا معا فى كانسس سيتى ميزورى أرقى العلاقات وأقوى الصلات، وفى سلطنة عمان تجاور البيت والمكتب والقلب مع الشيخ العالم المحدث الربانى د.الطاهر الدرديرى فنعمت بحبه، وظفرت بعلمه، وأكرمنى الله بصحبته، وفى زيارتى للسودان التقيت بعدد من خيرة العلماء يتقدمهم وزير الأوقاف والوزير الثانى الشيخ الياقوتى وعدد من خيار الوكلاء والعلماء، وجلسنا طويلا نخطط لإنشاء وقف كبير مشترك يخدم علماء مصر والسودان، ويعمّر المساجد بالأنشطة التربوية والعلمية ليعود للمساجد دورها وللعلماء حضورهم فى قيادة أمتنا. أعتقد أن التحام مصر والسودان فى وحدة تقوم على إخوة الإسلام ووحدة الأوطان وبناء الحاضر والمستقبل ضرورة شرعية وفريضة واقعية، فلنضع أمام قرائنا هذه الحقائق عن مصر والسودان: تبلغ مساحة الأراضى فى السودان 2.5 مليون كم مربع، وفى مصر 1.2 لتكون مساحتهما معا 3.7 كم مربع.؛ ليكونا معا أكبر من عشر دول عربية مجتمعة، وسكان مصر90 مليون والسودان 41 مليون فيكون مجموعهما 131 يشكلان نصف العرب تقريبا من ناحية السكان. فإذا جئت إلى الموقع الجغرافى فتعتبر السودان البوابة الشمالية لوسط وجنوب أفريقيا، كما أنها تشترك بحدود مع تسع دول أفريقية هي: مصر، ليبيا، تشاد، جمهورية إفريقيا الوسطى، جمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير)، أوغندا، كينيا، أثيوبيا وإريتريا. كما أنها تطل على البحر الأحمر بساحل يبلغ طوله حوالى 720 كيلو متر. أما مصر فموقعها الاستراتيجى فى القارتين الآسيوية والأفريقية وحدودها من الغرب مع ليبيا ومن الجنوب مع السودان ومن الشمال الشرقى مع فلسطين والأردن والبحر الأحمر الذى يجمع بيننا وبين الخليج العربي، أما قناة السويس فهى شريان التجارة فى العالم كله حيث يمر منها 10% من حركة التجارة العالمية، وتوفر قناة السويس 40% من طول ونفقات الرحلة بين آسيا وأفريقيا وأوربا ، فإذا ضممنا البلدين مع بعضهما فمصر والسودان يطلان على آسيا وأوربا وعلى 15 دولة وتملكان من المساحات البحرية ما لا تملكه الدول العربية كلها مجتمعة. ويعتبر السودان من أغنى الدول العربية والأفريقية بثروته الحيوانية والتى تقدر فيها أعداد حيوانات الغذاء ( أبقار- أغنام- ماعز- إبل) بحوالى 103 ملايين رأس، إضافة إلى 4 ملايين رأس من الخيول، و45 مليونًا من الدواجن، والثروة السمكية تقدر بحوالى 100 ألف طن للمصائد الداخلية، و10 آلاف طن للمصائد البحرية. وتقدر الإحصائيات الاحتياطى النفطى فى السودان بحوالى مليار ومائتى مليون برميل معظمها من الجنوب والغرب، وخاصة بإقليم دارفور الذى يطفو على بحيرة من البترول. كما أثبتت الدراسات وجود أكبر مخزون يورانيوم فى العالم كله بإقليم دارفور بجنوب السودان، ويتميز خام اليورانيوم الموجود فى السودان بأنه من النوع العالى النقاوة. أما مصر فهى غنية بثرواتها المعدنية من ذهب وحديد وفوسفات ونحاس ورمال بيضاء، ومنجم السكرى للذهب يصنف بأنه الثامن عالميا من حيث حجم احتياطى الذهب. ويؤكد الدكتور حسن بخيت - نائب رئيس اتحاد الجيولوجيين العرب - أن مصر لديها رصيد هائل من المعادن، التى لم يتم استغلالها حتى الآن بالشكل الأمثل، وذكر أن الذهب يعد من المعادن الواعدة فى مصر ، خاصة بعد إنتاج ما يزيد على 10 أطنان ذهب فى عام واحد (2010م) من منجم السكري، ومصر تحتل المرتبة 11 عالميا من حيث إنتاج الأسمنت، والمرتبة السابعة من حيث إنتاج الحديد، كما صنف التقرير مصر من ضمن الدولة المنتجة لبعض الخامات كالفلسبار والجبس والفوسفات والأمونيا. أما مناجم الكبريت بشمال سيناء، فتقدر استثماراتها ب 100 مليون دولار، ويقدر الاحتياطى القابل للاستخراج ب 22 مليون طن. وبالتالى تستطيع مصر والسودان أن تُغنى العالم العربى والإسلامى وأن تصدر للعالم الغربى كله. فإذا أدركنا هذه الثروة الهائلة فيوازيها أن مصر بسبب سياسات المخلوع كانت أكبر مستورد للقمح واللحوم فى العالم وتستورد 75% من كل ما تحتاج إليه من غذاء، وفى الوقت نفسه لم تستطع الحكومة السودانية أن تفيد من هذه الثروة الهائلة فتستورد 50% من القمح و60% من احتياجاتها الغذائية كلها بسبب ضعف السياسات التنموية والمؤامرات الخارجية وانفصال مصر عن السودان فى البناء والتنمية والعمران. ترى هل يجوز أن نترك هذه الخيرا ت فى مصر والسودان على مستوى الإنسان والأرض والنيل والثروات الهائلة الزراعية والسمكية والمعدنية ثم نجلس على الشاشات نتراشق ونصرخ دفاعا عن قميص عثمان « فى حلايب وشلاتين» كى نستمر فى فخاخ العلمانيين والإعلاميين الذين يقودون دوما تفخيخ الصراع بين أبناء الوطن الواحد أو دول الجوار والمصير ليكون البديل هو الاستمرار فى الارتماء تحت أرجل الغرب والأمريكان، والقبول الذليل بلاءاتهم وإملاءاتهم الصهاينة وخدامهم الأمريكان. شكر الله للسودان، منحت لمصر فى هذه الزيارة 2 مليون فدان للزراعة و2 مليون متر مربع للصناعة. حقا لابد أن تعود مصر والسودان شقيقين لا شقين، ونحفر الشق الأكبر لأعداء مصر والسودان من الصهاينة والأمريكان اللذين فصلا الشقيقين إلى شقين، نقول لهما المثل المصرى «عمر الدم ما يصير مايه» ونحن تربطنا بالسودان علائق اللحم والدم، والروح والجسد العقل والوجدان الأرض والنيل ، وباختصار الماضى والحاضر والمستقبل مرهون بعودتنا مصر والسودان شقيقين لا شقين. فلندع المظاهرات والمولوتوف والخرطوش والبلطجة لنصنع كما قال الشيخ الشعراوي: «إن الثائر الحق هو من يثور ليهدم الفساد ، ثم يهدأ ليصنع الأمجاد». «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (التوبة:105).