لا شك أن طبيعة التطورات السريعة والمتلاحقة فى المنطقة العربية، خاصة فى دول الربيع العربى على الساحة الداخلية والخارجية وإستمرارية تذبذب أوضاعها، طرح حالة من الاضطراب بل والتخبط أحيانا فى التحديد الدقيق لأدوار وأساليب تلك القوى الدولية والإقليمية لتحقيق مصالحها فى المنطقة، فى ظل تقديرها بعدم وضوح الرؤية بشكل كاف إزاء الإتجاهات المستقبلية لتطور أحداث المنطقة والقوى الفاعلة فيها. ومن هنا تثار مجموعة من التساؤلات أهمها إلى أى مدى تباين أو تعارض مصالح كل من تلك القوى الدولية فيما بينها، وانعكاسات ذلك على أمن واستقرار المنطقة، وما هى مواقع تلك القوى من المشهد العربى قيد التكوين، وما هو تقدير نواياها وخططها واستراتيجيتها خلال المرحلة القادمة. اللواء أسامة حسن الجريدلى - رئيس المركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية - يؤكد أن المنطقة العربية تمر فى المرحلة الحالية بمتغيرات عميقة الأثر على مستقبلها، ومواجهتها فى الوقت ذاته لتحديات خارجية منها ما قد يعكس تهديداته ومخاطره على أمنها واستقرارها، ولذلك لابد من المساهمة الفكرية إزاء طرح مقترحات لمسارات التحسب والمواجهة الفاعلة لأى أدوار دولية أو اقليمية قد تستهدف تحقيق مصالحها الخاصة دون الإكتراث بمساسها السلبى بالأمن القومى لدول المنطقة وبمصالحها الحيوية، وعلى أن تكون تلك المسارات مرتكزة على إمكانيات وقدرات حقيقية، وعلى أسس واعية بمتطلبات الأمن القومى، وبما يساهم فى بلورة مواقف وقنوات تحرك إيجابية تصب فى مجملها لصالح دعم أمن واستقرار المنطقة. وفى ضوء التوقعات المحتملة على الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية إقليميا ودوليا يقول د. حسن أبو طالب: مستشار مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام – إن ميزان القوى فى المنطقة العربية سيشهد إعادة هيكلة جذرية فى ظل التحديات الأمنية الجديدة التى ستفرض تغييرات عميقة فى الإقليم، وفى ضوء ذلك سيتغير الدور العسكرى الأمريكى فى العقد القادم وكذلك هيكل وطبيعة العلاقات الأمريكية مع الحلفاء الإقليمين، كذلك تغيرت بيئة التهديد فى المنطقة بعد احتلال العراق، حيث بات أخطر التهديدات الأمنية للخليج هى تلك التى تؤثر فى الأمن الداخلى مثل انهيار الدولة أو الإرهاب العابر للحدود وتعاظم دور القوى الاقتصادية العالمية واحتمالات تأثيرها على منطقة الخليج ، لذلك فإن الاستقرار الإقليمى، والخليجى خاصة، سيظل أمرا مهما وحيويا لاستقرار الاقتصاد العالمى فى المدى المنظور، فضلا عن استمرار الاعتماد الأمريكى على إمدادات الطاقة الخليجية، ووجود مصالح قومية وحيوية لكل من الهند وباكستان والصين واليابان فى المنطقة بالمثل وتوقع أن تشهد المرحلة القادمة جامعة عربية جديدة تستكمل التغيرات الاقليمية دورتها فى غضون عقد أو أكثر. بمعنى ظهور آخر نظام اقليمى جديد يعكس حالة توازن القوى العربى الاقليم التى سوف تنشأ آنذاك. ويرى أن مصر لديها فرصة لاستكمال دورة التحول الديمقراطى واستعادة نوعا من الفعالية الاقتصادية وبلورت رؤية سياسية واضحة على المستوى الداخلى والخارجى وخلق دور لنفسها له امتداد عربى وإقليمى واضح وذلك لاسترداد دورها المهم فى المنطقة العربية. وأضاف خلال مشاركته فى مؤتمر «متغيرات القوى الدولية والإقليمية الرئيسية لتحقيق مصالحها فى منطقة الشرق الأوسط» والذى نظمه المركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية - أن المنطقة العربية تعيش فى الوقت الراهن لحظات حاسمة بشأن أمنها وكيفية المحافظة عليه, والخطط المستقبلية التى تكفل لها ردع المحاولات الهادفة لاختراقها أمنيا من الدول الإقليمية أو الخارجية, ومن أهم الهواجس التى تسيطر على هذه الدول المحاولات الإيرانية المستمرة لتنمية قدراتها العسكرية والتهديد بشن حروب للمحافظة على سلاحها النووى وإصرارها على استمرار احتلال الجزر الإماراتية والتدخل فى شؤون العديد من الدول الخليجية عن طريق دعم المواطنين الشيعة فى هذه الدول بشكل مباشر أو غير مباشر. ومن جهته أكد د. جمال سلامة على - رئيس قسم العلوم السياسية جامعة السويس - أن مشكلة الاساسية فى الأمن القومى العربى الان تكمن فى غياب الرؤية فحتى الآن لم تتبلور رؤية سياسية واضحة سواء فيما يتعلق بالحاضر أو المستقبل، سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى، وموضحا أن غياب القيادة قد يكون سبباً رئيسياً لغياب هذه الرؤية، غياب القيادة يؤثر سلباً على مستقبل أى نظام أو تجربة تنموية حقيقية - وهذا أمر خطير، كل التجارب التنموية أو النهضوية الناجحة كان وراءها قيادات مثل (مهاتير فى ماليزيا، أردوغان فى تركيا، دى لولا فى البرازيل) كذلك يمكن الإشارة إلى التجارب فى مصر فى عهد محمد على وعبد الناصر برغم انتكاسهما لعدة عوامل لا يتسع الحديث لذكرها. وفيما يتعلق بالموقف الأمريكى من قضايا المنطقة خاصة فى الصراع العربى الإسرائيلى والأزمة السورية والتطورات اليمنية أكد د. محمد مجاهد الزيات -رئيس المركز القومى لدراسات الشرق الاوسط - أن إستراتيجية الأمن القومى الأمريكى فى الشرق الأوسط تشير إلى أنها تتحدد على أساس الالتزام بأمن إسرائيل التزاما حاسما وعلى جميع اطراف المنطقة أن تتجاوب مع الاستراتيجية الاسرائيلية.والاعتراف بيهودية الدولة العبرية و حق إسرائيل فى الوجود بما يعنى انحيازاً واضحاً إلى إسرائيل مع عدم القيام باى دور إيجابى للضغوط على إسرائيل لخدمة مسار التسوية الإسرائيلية الفلسطينية.