أكثر من مفاجأة كانت تنتظرنا عندما وصلنا على عنوان مجلة أكتوبر إعلان مؤتمر «المواطنة والأقليات تحت حكم الإخوان». أول هذه المفاجآت أن كثيرًا من الأسماء التى اشتملت عليها ورقة عمل المؤتمر وتحدد لها برنامج وجلسات صباحية ومسائية، ومحاور ومدراء للجلسات.. إلى آخره عندما سألنا أصحابها عن المؤتمر أجابوا أنهم لا يعرفون شيئًا عنه، قال لنا هذا د. سعد الدين إبراهيم، ود. هالة مصطفى يوم الثلاثاء (26 مارس) على الرغم من أن ورقة عمل المؤتمر وصلتنا قبل هذا التاريخ الأخير بثلاثة أيام وتحدد فيها تاريخ المؤتمر يومى 30 و31 مارس. ثانى المفاجآت وإن كانت متوقعة أن المؤتمر خلا تمامًا من أى تمثيل لجماعة الإخوان المسلمين التى تم حشر اسمها فى العنوان لاستغلال الأحداث السياسية الحالية وغضب البعض على الجماعة، فيما تم حشد كل خصومهم السياسيين من رموز جبهة الإنقاذ إلى الكُتاب والحقوقيين والموتورين والناقدين وكل من يريد أن يخلص ثاراته من الإخوان. ويترتب على المفاجأتين أحكام ثبوتية على المؤتمر ومنظميه، أول هذه الأحكام أن المؤتمر الذى يفترض العلمية والموضوعية والمصلحة الوطنية، يفتقد لكثير من هذه الأوصاف ولا يخرج عن إطار المعركة السياسية والصراع على السلطة الذى يكاد يجر الوطن إلى حرب أهلية.. والجديد فى هذا الصراع هو اللعب بورقة الأقليات، وهو ملف خطير، ناهيك عن دغدغة المشاعر بمصطلح المواطنة الذى يتم استخدامه بغموض متعمد ليحشد من خلاله حقوق لعدد من الأفراد هى ليست بحقوق لأنها تمس الأمن القومى وتخترقه وتضرب الهوية الراسخة للدولة المصرية ولا عزاء للغافلين، والجهلاء والمغيبين عندما يقودهم عميان الفهم والضمير إلى مصير معلوم هو حضن أمريكا وإسرائيل. الذين ردوا عدد من المشاركين فى المؤتمر أجلوا الإجابة أو تهربوا منها عندما اتصلنا بهم وسألناهم عن المؤتمر ومساهماتهم فيه ومن هؤلاء د. عمرو حمزاوى، ود.إبراهيم درويش أما الذين ردوا علينا ومنهم د. سعد الدين إبراهيم فقال إنه لا يعلم أى شىء عن هذا المؤتمر لا من قريب أو بعيد، لكنه (وعلى الرغم من هذا) لم يفوّت الفرصة فى أن يعلن موقفه «التاريخى» من قضية الأقليات ويردد على مسامعنا «الشويتين بتوعه» الذى قضى عمره يرتزق منهم، من عينة أنه لا بد لكل مواطن أن يكون له حقوق على أرض هذا الوطن بصرف النظر عن دينه أو لونه أو لغته أو اتجاهه ومن هنا (نقلا عن لسان د. سعد) نحن مع حقوق المواطنة كاملة لكل طوائف المجتمع مع ضمانات الاحتفاظ لكل طائفة أو أقلية بثقافتها الخاصة وكينونتها وتفردها.. إلى آخره. الجديد الذى أضافه د. سعد هو تلبيس القضية رداء الربيع الملون (ماشى مع الربيع العربى) حين وصف التنوع العرقى أو الطائفى الذى يتبنى تجذيره ب «باقة الزهور» أو كما قال: «يشبه باقة الزهور، فلو كانت كلها لونًا واحدًا لكانت أقل جاذبية.. والعكس صحيح» انتهى كلام د. سعد الذى يصدمنا دائمًا فى أفكارنا وما ألفنا عليه وطننا الذى كنا نعرف عنه تاريخيًا أنه بوتقة اجتمع وانصهر فيها على مدار التاريخ الغزاة فما بالك بأبنائه؟! كان هذا قبل أن يأتى إبليس بغواية التمييز العرقى والطائفى والدينى يحاول أن يرسخها فى عقولنا بدعوى أنه يبحث للأقليات عن حقوقهم والزن على الآذان أمر من السحر.. هذا السحر الذى يضرب الآن وحدة المصريين، ويهدد وحدة الوطن لا يريد أن ينتهى أو ينقضى. نموذج آخر .. ونموذج آخر من المشاركين فى المؤتمر تمثله المستشارة تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق، ولا داعى للتذكير بما بينها وبين الإخوان والنظام فكلنا يعرفه، وبغض النظر عن الخلاف السياسى فهى رافضة للدستور الذى يحمل مادة قال عنها البعض أنها وضعت خصيصًا لإخراج المستشارة من المحكمة الدستورية، لذلك فمن البديهى أن ترفض الجبالى الدستور وهذا من حقها، أما وضعية الأقليات فى الدستور فهذا أمر آخر لا مجال فيه لتصفية حسابات، ولا نوافقها على أن المشاركين فى المؤتمر اجتمعوا ليتدارسوا الظروف الطارئة التى يمر بها الوطن مثل احتقان النوبة وتشدد بعض التيارات الإسلامية.. ولا مانع أن تضيف الجبالى للطبخة مزيدًا من البهارات الوطنية، والعناوين التجميلية مثل نحن نحاول إزالة احتقان الشارع السياسى، واحترام مبادئ الدستور التى تحمى إقامة الشعائر الدينية وحرية العقيدة. ونموذج ثالث وليس بعيدا عن كلامها وكلام سعد الدين إبراهيم جاء كلام سعد هجرس وهو أيضًا من المشاركين فى المؤتمر، وأضاف ردًا على سؤال وجهناه إليه: هل هناك فرق بين مشاكل الأقليات تحت حكم الإخوان وماقبلهم؟ فقال: نعم كل مرحلة لها أحكامها والإخوان يضعون مشاكل فى أفق جديد والكثير منهم يريد أخونة الدولة والعبث بهوية مصر لأن الهوية المصرية قوتها فى تنوعها (!!) لا جديد أتى به هجرس عن سابقيه، فكل الطرق تؤدى بالمؤتمر إلى حقيقته الأولى والأخيرة وهى الإخوان وإلصاق تهمة اضطهاد الأقليات بهم، إما نكاية أو تمهيدًا للقادم.. ولا داعى لإيراد نماذج أخرى من كلام المشاركين فى المؤتمر، فقد أقسمت لنا د.هالة مصطفى ظهر الخميس 28/3 أنها لا تعرف عن المؤتمر أكثر من أنهم اتصلوا بها لمرة واحدة ليخبروها عنه (!!) القادم ما سبق هو موضوع المؤتمر وبعض من آراء المشاركين فيه وخلفياتهم كلها معروفة للجميع فلا أحد فى مصر الآن يستطيع أن يخبئ ذقنه. الراعى الرسمى لن نتحدث عن التمويل والممولين، ونرفض اتهامات الخيانة والتخوين.. لكن لن يمنعنا هذا من أن نسعى لفهم ما يحدث.. فهم من وراء استدعاء سيد القمنى من منفاه الاضطرارى وتوظيف محمد الدرينى ممثل الشيعة وغيرهما من الداخل والخارج وصولا إلى مجدى خليل الراعى والداعى الأول للمؤتمر والحاشد لرموزه والمحدد لتوجهاته فمن هو مجدى خليل..؟! التعريف المتداول له فى وسائل الإعلام أنه ناشط حقوقى ومدير أو رئيس أو صاحب منتدى الشرق الأوسط للحريات (جمعية من جمعيات المجتمع المدنى) أما النشاط الفعلى لمجدى خليل والذى يديره غالبًا من موقعه الدائم فى واشنطن فيلخصه الآتى: فى 20 أغسطس 2010 ظهر مجدى خليل فى أحد برامج الفضائية الأرمينية المسيحية «إحدى أقليات العراق» فى حوار عن حقوق الأقليات فى مصر والعراق وما يمكن أن تقدمه الجاليات التابعة لهم فى أمريكا وكندا.. وكان مفتتح كلام خليل أن عام (2011) هو عام صعب جدًا فى الشرق الأوسط ومضى خليل يتحدث عن حروب أهلية متوقعة وفوضى ممتدة من لبنان إلى العراق ومصر، وأن هناك أسلحة تتكدس فى هذه الدول، ثم تطرق إلى عدم استعداد الأقباط فى هذا الدول للأحداث المتوقعة وعدم تسلحهم (!!) عدم الاستقرار وبتاريخ 2/1/2013 بداية هذا العام كتب مجدى خليل فى مقال منشور له على موقع «الحوار المتمدن» الالكترونى تحت عنوان (عام عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط) أن كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية التى بشرت بالفوضى الخلاقة فى الشرق الأوسط إبان رئاسة جورج بوش للولايات المتحدة عادت متشائمة (حسب وصف خليل)، لتقول: (قد تكون الحرب الأهلية المشتعلة فى سوريا هى الفصل الأخير من قصة تفكك الشرق الأوسط كما نعرفه). فهل كانت كلمات كونداليزا رايس هى الإلهام الذى دفع خليل إلى المعاونة فى الدفع لمزيد من حلحلة الوضع غير المستقر أصلًا فى مصر انطلاقًا من قضية الأقليات التى تسمح بتدخلات دولية؟! وهل هناك علاقة لهذا المؤتمر بعودة التحركات المريبة لمؤسسة «فريدوم هاوس الأمريكية» للتدخل فى شئوننا الداخلية وهى المشهورة بدورها المشبوه فى الربيع العربى؟ وهل هناك علاقة لما سبق وما سوف يأتى بحديث المنصف المرزوقى الرئيس التونسى عن نظام الحكم الفيدرالى الذى يرشحه لبلاده وتقسيم تونس إلى سبعة أقاليم مستقلة اقتصاديًا؟! ومنصف المرزوقى حين يتحدث عن النظام الفيدرالى لا يتحدث عن افكار شخصية، ولكنها رؤية عامة تجمع الليبراليين العرب الجدد ولا يرون فى هذا النظام – كما نرى – بداية لتفكيك الدول العربية إلى دويلات، ويستعموننا وكأننا لا نرى ما حدث فى العراق، وما ينتظر سوريا، أو كأنهم وكأننا لا نعرف دور أمريكا وإسرائيل فيما حدث من انفصال جنوب السودان. سيدة العالم ويأتى الآن هذا المؤتمر المشبوه ليجمع ممثلين عن البهائيين والشيعة والقرآنيين، وشهود يهوه، والنوبة وغيرهم لتنشيط القلاقل وخلق بنية ملائمة لإعادة استئناف عمل منظمات وجمعيات وتمويلات المجتمع المدنى فى الداخل والخارج. هذا ما تريده أمريكا سيدة العالم ولا راد لإرادتها ويساعدها فى ذلك وكلاؤها فى الداخل ولا عزاء لسيادات وطنية يتم هدرها أو أمن قومى يتم اهتباله وليس اختراقه فقط.. وفى «بوست» له على صفحته على «الفيس بوك» كتب مجدى خليل بتاريخ 21 مارس الماضى: (مستعد للتعامل مع الشيطان لإزاحة هذا الكابوس عن مصر) يقصد الإخوان، فهل تصور مجدى خليل أن الشيطان سوف يساعده على إزاحة الإخوان دون أن يتلبسه؟! هو حر فى نفسه، لكنه ليس حرًا فى أن يسلم هذا الوطن تسليم مفتاح لأعداء الوطن بدعوى أنه يدافع عن الأقليات