لم يجرؤ أحد من المصريين فى كل العصور على المجاهرة بأنه يكره مصر حتى الذين يتآمرون عليها. وقبل الثورة كان ضروريا أن أنبه إلى أعداء مصر وأحبابها مادام الكل يدعى أنه يحبها، بل إن البعض ممن ضاق ذرعاً باستيلاء النظام على الوطن قد لعن الوطن الذى قسا على أبنائه واستنكروا أن يخون الوطن أبناءه، وركزوا على محنة الشباب الذى حرم من حنان الوطن ورحمته، ولكن الحقيقة هى أن الوطن هو المجنى عليه فهو والمواطن القاتل والقتيل ولكن قاتلهم معاً هو النظام. وقد نبهت إلى الأفعال التى يعد كل مرتكب لها عدواً لمصر مهما تشدق بغير ذلك واليوم نعود مرة أخرى لكى نحصر الأفعال التى تميز الثوار الأطهار الوطنيين الذين إن عاشوا شركاء وإذا ماتوا فهم شهداء أوفياء، على خلاف أعداء الوطن الذين يرتكبون الجرائم تحت أستار متعددة ويندسون فى صفوف الثوار، ولذلك يجب الإعلان عن هؤلاء وهؤلاء حتى يتبين الناس من هو العدو ومن هو الوطنى وأن يكون للشعب دور ولا يصح أن يقف متفرجاً وحرائق المجرمين تلتهم مصر الحبيبة، فإذا لم يستجب الشعب لهذه الإضاءات وتجاهلها فسوف يأتى يوم يندم الجميع فيه على ضياع مصر حتى لو تسبب فى ذلك حفنة من الأشقياء. فقد حسم الرسول الكريم هذه القضية عندما أكد أن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أو شكوا أن يصيبهم الله بعقاب من عنده. والسؤال المفصلى فى هذه المناسبة هل اختلف أعداء مصر بالأمس عن أعدائها اليوم؟ وهل أصدقاء الأمس لا يجوز أن نطلق عليهم أعداء اليوم؟ الحقيقة أن الفعل هو الجريمة بقطع النظر عن الفاعل، فمصر دائمة ومصالحها دائمة وكل من ينال من هذه المصالح عدو لها حتى لو ظل يردد بأنه يحب مصر ويغنى مع شادية ومع غيرها قصائد المديح والتعلق بمصر. من ناحية أخرى فإنه ليس من حق أحد أن ينال من مصر وهى ملك لكل المصريين، ولا أن يحارب عدواً اختاره لكى يتصور أنه يخلص مصر منه ويستبيح فى سبيل ذلك حقوق المصريين فى وطنهم. ودون دخول فى التفاصيل فإنه لابد أن يفهم الجميع أن مصالح الوطن ثابتة وموجوداته مقدسة وهى أمن المواطن فى بيته وأسرته وفى الشارع، والقوات المسلحة وجهاز الأمن مهما كان بينه وبين الشعب لأنه يتبع الحكومة والحكومة هى التى تنتقد فليس من حق أحد مطلقاً وتحت أية ذريعة وفى أى وقت أن ينال من القوات المسلحة أو السلطة وليس من حق أحد أن يعتدى على الطرقات والمبانى الرسمية والفنادق وغيرها من الثروة العينية لهذا الوطن وليس من حق أحد أن يعتدى على القصور الرئاسية مهما كانت مشاعره مريرة ضد ساكنى هذه القصور فهى مقدسة ولكن تصرفات الحاكم ليست مقدسة. فيامصر أعداؤك هم من يستغل الصبية وأبناء الشوارع وحاجتهم إلى المال فى أعمال التخريب ومن ينفق من جيبه أو من مال غيره لكى يعين قاتلاً أوبلطجياً على البقاء فى الشارع، ومن يسكن الميادين بحجة الثورة فيصادر حق الشعب كله فى هذه الميادين. أعداؤك يا مصر هم الذين يستخفون بمؤسسات الدولة وهم الذين يستمرون فى الفساد وهم الذين يستحلون الأموال الحرام وهم الذين يتفرجون على آلامك ولا يقيمون العدل بالسيف فى ربوعك فيظهر الذى فى قلبه مرض ويهان الشرفاء. أعداؤك يامصر هم الذين يتقاتلون ويرهنون جثتك من أجل السلطة وهم الذين يخلطون بين المعارضة الوطنية الشريفة البناءة وبين مقاتلة أعدائهم الذين اختارهم شعبك حتى لو تحولت مصر إلى خرائب. أعداؤك فى كل مكان فى الإعلام الذى حرم المواطن من معرفة الحقيقة وخلق أشباحاً وأحقاداً تمزق الروابط الجميلة بين شعبك وهم الذين يستنجدون بالخارج المعادى لاختراق أمنك، وهم الذين يلتحفون بالدين من أجل أهداف دنيوية بالية ولا يدركون خطورة ما يفعلون وهم الذين يصادرون حقك فى التعامل مع أمم الأرض جميعاً بقواعد المصلحة والتعايش بحجة أنهم الأوصياء على هذا الدين وأن مصر لا تتعامل مع الكفار وعبدة الأوثان والذين ظهروا بعد أن حل الظلام، وأعداؤك هم الذين يتجاهلون أنك جوهرة الشرق وشمسه الساطعة وأن موقعك لا يمكن أن يحتله غيرك وأن قوى الظلام والجهاله لابد أن يرتدوا إلى جحورهم حتى لا تمحقهم أضواء الحقيقة. أعداؤك هم من يملكون السلطة والقوة ويتجاهلون حاجتك إلى الأمن والاستقرار والرخاء والذين يتركون الحبل على الغارب كسباً للوقت وظناً بهدوء البال والذين يحوقلون ويبسملون وهم يرون ألسنة اللهب تلتهم ثيابك، وهم الذين يرون الفساد يحرم فقراءك من حقهم فى الحياة ويقنعون من الغنيمة بالإياب ويشترون سلامتهم بينما سلامة أبنائك نهب للقوارض والغربان والذين يحولون بسمتك إلى صراخ وآنين وبساتينك إلى خرائب ينعق فيها البوم. أعداؤك هم الذين ينهبون ثرواتك ويضاربون على مستقبلك فى بورصة النخاسة الدولية وهم الذين يراهنون على سقوطك أو يتجرأون على حرمة نسائك فيصبح التحرش فى مصر عنوانا لعصرهم الأسود رغم أن مصر سوف تئن لعشرات السنين مما ألحقه بها نظام العار السابق الذى يفرح رموزه كلما رأوك تتعثرين فى خطوك ويرتسم الحزن على محياك. أعداؤك يا مصر هم الذين لا يريدون أن يفهموا الفرق بين الإجرام والاعتراض وهم الذين يحبون ويكرهون لكى تدفعى أنت الثمن وهم الذين يتجاهلون أولويات شعبك وأخيراً، وقد أحزننى أن التقى فى الأماكن المقدسة بإحدى المصريات ولما سألتها عن أدعيتها قالت إنها تدعو الله فى هذا المكان الطاهر أن يخلص مصر من أحد التيارات الدينية السياسية فأدركت لماذا تركت السماء مصر تتخبط وهى تقترب من شاطئ الأمان، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.