انعقد فى موسكو المنتدى العربى الروسى الذى ضم بعض وزراء الخارجية العرب والأمين العام للجامعة العربية. وفى العام الماضى انعقد فى بكين المنتدى العربى الصينى بنفس المستوى وكانت بكين قد استقبلت قبله بعام الزعماء الأفارقة جميعاً. المنتدى العربى الروسى ينعقد بينما الأزمة السورية محتدمة ولذلك اتجهت الأبصار إلى الأزمة السورية .وهناك انطباع فى العالم العربى بأن روسيا تساند النظام فى سوريا وهناك انطباع آخر بأنه إذا توقفت المساندة الروسية سقط نظام الأسد فى يد المعارضين ومن ثم ينشأ نظام ديمقراطى يعبر عن الشعب السورى. وهناك انطباع ثالث بأن الموقف الروسى يؤدى إلى أزمة فى العلاقات الروسية العربية وأن تخلى روسيا عن مساندة النظام سوف يفتح الباب لعلاقات وثيقة بين روسيا والعالم العربى. هناك انطباع رابع وهو أن مساندة روسيا للنظام فى سوريا يؤخر الحل ويسمح باستمرار إراقة الدماء وأن تخلى روسيا عن موقفها يفتح الباب لوقف الدماء وهو ما يؤدى إلى أن صورة روسيا فى العالم العربى ليست ايجابية. وهناك انطباع خامس حول اسباب الموقف الروسى وطبيعته وهل هو موقف اتجاه سوريا أم اتجاه أزمتها أم هو موقف معين قاصر على أحد جوانب الأزمة السورية. والحق أن كل هذه الانطباعات تحتاج إلى مزيد من الدقة فى التحليل لأن مواقف الدول الكبرى يجب أن ينظر اليها بالكثير من الدقة. يترتب على ذلك أن روسيا تأمل فى أن تستعيد موقعها فى العالم العربى وأن ما تقوم به فى سوريا لا يؤثر مطلقاً على هذا الهدف لأنه ببساطة لا يوجد موقف عربى واحد اتجاه الموقف الروسى ولكن يوجد موقف عربى واحد اتجاه أهم جوانب الأزمة السورية وهو الدم السورى المراق يومياً دون توقف والخوف العربى على الوطن السورى من السقوط والتفتيت والتدخل العسكرى الخارجى. الدول العربية تتعامل مع روسيا تعاملاً ثنائياً ولكل ملف ثنائى معطيات مختلفة ورؤى متباينة ومصالح قد تكون متعارضة. وعلى سبيل المثال فإن الموقف الروسى يتشابه مع الموقف الإيرانى ولكن دوافع الموقفين بالطبع مختلفة. وليس صحيحاً أن الموقف الروسى فى الأزمة السورية يؤدى إلى توتر فى علاقات الدول العربية بروسيا. من ناحية أخرى فإن روسيا تحدد موقفها فى الأزمة السورية وفق مصالحها وربما من بين هذه المصالح الموقف الإيرانى الذى يحرص على الاقتراب من الموقف الروسى خاصة فى الملف السورى والملف النووى. من ناحية ثالثة فمن الواضح أن الموقف الأمريكى هو أحد أهم عوامل تحديد الموقف الروسى فى سوريا ذلك أن روسيا ترى أن سوريا تدخل فى منطقة الأمن القومى الروسى وأن الموقف الأمريكى الذى ينفرد بالإضرار بالمصالح الروسية يجب التصدى له ولذلك فإن الموقف الروسى يعتمد فى تقلبه على تقلب الموقف الأمريكى. ونحن نرى أن المنتدى لا يسعى إلى تخلى روسيا عن موقفها فى الأزمة السورية وإنما يعنى بشكل أكبر ببناء علاقات جديدة بين الدول العربية المشاركة فى المنتدى وموسكو. من ناحية رابعة، فإنه ليس مقطوعاً به أن المجموعة العربية فى موسكو تسعى إلى تعديل الموقف الروسى فى الأزمة السورية لذلك لا يجوز الحكم على هذا اللقاء العربى الروسى بنتائجه فى هذا الملف لسبب بسيط وهو أن المجموعة العربية لا تنوى الإضرار بالمصالح الروسية لديها إذا رفضت موسكو تغيير موقفها، وكذلك فإن ظلال الموقف الأمريكى على المجموعة العربية ليس مؤثراً فى هذا الاتجاه لأننا نرى أن المواقف المختلفة لم تعد متقاطعة وإنما تتجه كلها نحو أرضية مشتركة تسمح ببلورة موقف تبنى عليه التسوية السياسية وهذه التسوية تعكس بشكل أوضح الثقل النسبى لأطراف الأزمة المباشرين. ويقوم هذا الموقف المشترك على اسس ثلاثة، الاساس الأول، المحافظة على وحدة الأراضى السورية، الأساس الثانى، رفض التدخل العسكرى الأجنبى، الأساس الثالث، هو رفض الحل العسكرى للأزمة. ومعنى ذلك أن مصالح الأطراف السورية المحلية سوف تكون ضحية هذه الحسابات. ومن ناحية خامسة، فإن تحليل مواقف الأطراف الدولية الكبيرة فى المسائل الاقليمية يحكمه دوافع المصلحة الوطنية والحسابات الاستراتيجية لهذه الأطراف ولا يدخل فى هذه الحسابات رغبة الدولة الكبرى فى أن يكون لسياساتها شعبية فى دول المنطقة ،ولذلك فإن صورة روسيا فى العالم العربى بسبب موقفها فى الأزمة السورية ليست سلبية لأن عوامل تكوين الصورة فى المنطقة لا ترتبط بسياسة روسيا وإنما ترتبط بشكل أكبر بالعوامل المشكلة للرأى العام المحلى. وعلى سبيل المثال فإن الصدام الذى حدث بين جمال عبدالناصر والقيادة الروسية فى أواخر خمسينيات القرن الماضى تركت سحابة على صورة موسكو فى مصر لأن الشعب المصرى كان يثق فى جمال عبدالناصر. أما فى الوقت الحالى فإن ثقة الشعوب فى قيادتها ليست كاملة، فضلاً عن أثر العولمة الإعلامية على تشكيل الرأى العام فى هذه الدول. خلاصة القول، أن تحليل سياسات الدول الكبرى بحاجة إلى تخصص وتعمق وليست ترفاً سياسياً لكل من أمسك بالقلم وهذا هو الفارق بين التخصص السياسى والثقافة السياسية.