طبيعى أنه عندما تضيق بنا وعلينا الأرض بما رحبت، أن نتجه صوب السماء.. ولكن ما العمل إذا ثبت لنا بأدلة علمية وفلكية قاطعة أن أرض مصر عموماً، وأن نهرها وأهرامها وهضبتها وحتى «أبو الهول»?، خصوصاً هى الأكثر منزلة من أى مكان آخر على وجه الأرض.. والأكثر إدهاشًا وعجبًا هو ثبوت أن ما على أرض مصر هو مرآة عاكسة لما هو فوق فى السماء.. ألا يدفعنا هذا دفعاً إلى إعادة التفكير والإحساس والتعامل مع هذه البلدةالمقدسة التى اسمها مصر، والتى يبدو أننا جميعاً لم نعرفها أو نتعرف عليها جيداً حتى الآن. أظن أن أقدار الله التى تتلطف بنا فى المحن والشدائد هى التى ساقت لى هذا الكتاب الصغير الذى لا يزيد على مائة صفحة فى هذا الوقت بالذات، الذى زاد فيه الارتباك والتخبط للحدود القصوى والذى يدفع للتشويش واليأس.. فجاء هذا الكتاب ( مصر صفحة السماء) للمستشار الجليل المفكر محمد سعيد العشماوى لا ليعيد الأمور إلى نصابها مرة أخرى، ولكن ليصحح الفكر والفكرة والمزاج والحالة النفسية. ومع الوهلة الأولى أعترف بأن عنوان الكتاب (مصر صفحة السماء) أعجبنى جدًا واستولى على اهتمامى ومشاعرى، أما مادته ومن الكتاب الذى أهداه مؤلفه المستشار محمد سعيد العشماوى إلى ثورة مصر العظيمة التى بدأت يوم 25 يناير2011، فقد جاءت جديدة ومكثفة ومختزلة وتتمتع بجمال الفكرة وجمال اللغة. وكل هذه الحقائق والمزايا، تُصعّب أية محاولة لتقديمه للقارئ أو الكتابة عنه.. ولكننا لها وسنفعل. يقول المفكر صاحب الكثير من الكتب الفكرية المهمة كالعقل فى الإسلام، والإسلام السياسى، والخلافة الإسلامية وأصول الشريعة وغيرها، المستشار محمد سعيد العشماوى: إن مع التقدم الهائل لعلمى الفلك والفيزياء ثبت أن الكون يضم ملايين المجرات، وأن هذه المجرات تحتوى على الآف النجوم.. وفى مجرة درب اللبانة أو درب التبانة كما سماها العرب تتجمع النجوم إلى بعضها فى كوكبات عددها 88 كوكبة.. وأهم هذه الكوكبات قاطبة تجيىء كوكبة الجبار، وهى تبعد عن الأرض 1500 مليون سنة ضوئية وهى تقع على المدار الاستوائى السماوى كما أنها منظورة بشدة ووضوح، مما جعلها على مدى التاريخ ملحوظة من الفلكيين فى كل مكان، وفى النصف الشمالى من الأرض تكون الكوكبة منظورة بوضوح خلال الليل من شهر نوفمبر حتى شهر أبريل من كل عام. وكوكبة الجبار هذه تعتبر معلماً كونياً فى السماء، ولها خصائص كثيرة ومتفردة، منها أنها أقدم وأضخم الكوكبات، وأطلق الفلكيون عليها أنها حيث تولد النجوم، ففيها منطقة هى التى توصف بسيف أوزير تتكون فيها النجوم وتأخذ مسارها بعد ذلك، وكوكبة الجبار هذه دون باقى النجوم لها روحانية وشخصانية، وهى خزانة ومثوى وموئل كل العلوم والفنون والمعرفة المقدسة خاصة، ومنها تنتشر إلى حيث يجب فى كل الكون. وفى كوكبة الجبار نجوم كثيرة، غير أن أكبرها وأشدها نورًا وأوضحها ضوءا وبريقاً، ثلاث نجوم تشكل الحزام الأوسط منها، وقد سمى العرب هذه النجوم الثلاث بميزان الحق. ولأن المعلومات والأفكار التى قام المؤلف بجمعها وتوثيقها وتأصيلها فى كتاب (مصر صفحة السماء) الصادر عن دار الطنانى للنشر، راحت تنسال وتتناثر بين فصوله الخمسة.. لذا سأجتهد فى عملية التقاطها والتركيز على اختصارها فى هذه المساحة الموجزة.. حيث اكتشف مصرى من أصل بلجيكى عام 1983 يسمى روبرت بوفال أن النجوم الثلاث البراقة هذه التى تسمى ميزان الحق هى التى تشابه وتماثل الأهرام الثلاثة فى الجيزة، وقد كان العلماء خصوصًا والناس عمومًا لا يعرفون ولا يفهمون معنى ابتعاد الهرم الثالث (الأصغر) إلى الشرق، بحيث لا تكون المسافات بينه وبين الهرمين الأكبر والأوسط متماثلة، إلى أن عرفت الصلة بين الأهرام وهذه النجوم وكيف أنها مماثلة فى كل شىء لها ومنها المسافات ومن هنا كانت أول دلالة على ارتباط مصر بكوكبة الجبار وأنها مرآة لهذه الكوكبة وتماثل لها على الأرض وأن كوكبة الجبار مرسومة على أرض مصر. كما يتبن ارتباط معابد وآثار مصر بنجوم فى السماء، كما وصل العلم إلى أن الشكل الهرمى هو أفضل الأشكال للاحتفاظ بالقوة الكونية ثم توزيعها على الناس الأماكن دون أن يحدث لها أى تشتيت أو تفريط.. وبهذا المفهوم تكون هضبة الأهرام هى الوصلة الحقيقية بين الكون ( الذى يجسده ويشكله كوكبة الجبار) أى السرة بين الأرض والسماء، وهو ما يفسره البعض بأنه الأكثر منزلة من أى مكان آخر، فهو الذى يلتقى فيه التيار الكونى المتدفق والدائم بمنطقة هى الأكثر جاذبية والأشد نقاء على سطح الأرض. وحتى لا تظن أن الأمر يقتصر فقط على الاهرامات وهضبتها يؤكد المستشار الجليل محمد سعيد العشماوى فى كتابه هذا، إن مصر هىالدولة الوحيدة التى ذكرت فى كتب الشرائع الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام.. وقد عرف الرهبان المصريون أن مصر أختيرت قبل الخلق لتكون مسرحاً ومسقطاً للعمليات السماوية الإلهيه والكوكبية على الأرض.. فقد كانت هى صفحة السماء، بمعنى أنها هى المكان أو المسرح الذى تتفاعل فيه الحركة والأقدار والأفعال بين السماء والأرض ثم تنتشر منها إلى باقى البلاد والبشر على الكرة الأرضية.. ولنا فى معالمها الأخرى خير دليل على ذلك. فنهر النيل الذى عدّه المصريون عطاء من الله واعتبروا النهر رباً سيداً اسمه حابى، وكان المصريون القدماء يقيمون المعابد على طول مسار النيل، وهى معابد كان كل معبد فيها يماثل وربما يتصل بنجم من نجوم السماء، فكانت السماء من ثم تقابل مجرى النهر من الجنوب إلى الشمال. ومن معالم مصر كذلك أبو الهول هذا المنحوت الضخم الذى يشكل على مدى التاريخ لغزًا كبيرًا لم يستطع أحد حله، والتقنية والأدوات التى نحت بها ليست معروفة لأحد حتى الآن، ومما يزيد من صعوبة ألغاز «أبو الهول» والأهرامات أنه لم توجد فى الكتابات الهيروغليفية حتى الآن أية اشارة عن بناء الأهرامات أو نحت «أبو الهول»، كما ثبت أنه لا توجد مواد وآلات وأدوات تدل على إستعمالها فى هذا النحت وذلك البناء.. وأبو الهول ينظر إلى مشرق الشمس دائمًا، وعن الهرم الأكبر الذى ثبت أنه لم توجد داخله أى جثة أو مومياء بما يقطع بأنه لم يبن كمقبرة لملك أو غيره، فقد تبين أن هذا الهرم من أدق وارق وأدل وأجل وأعظم وأقدم وأضخم وأضبط بناء فى التاريخ البشرى كله منذ بدايته وإلى أن يشاء الله. ويعدد العشماوى معالم مصر الفريدة التى تباهت بها وقدمتها إلى العالم فيذكر أوزير وإيزيس ونجم الشعرى اليمانية والنظام الأخلاقى ماعت.. وماعت هى ربة أو سيدة الحق والعدل والاستقامة والنظام للكون كله وكل فرد باعتباره كوناً مصغرًا، والجميع كان يلتزمها سواء كان الفرعون نفسه أو الوزير أو رجل فى الإدارة أو شخص فى العوام، وكان هذا النظام الخلقى الراقى راسخًا مدة طويلة ولكنه سقط بعد الأسرة الخامسة، وقد قال عالم المصريات الأمريكى جيمس هنرى بريستيد فى كتابه فجر الضمير إن أعظم كارثة حلت بالإنسانية هى سقوط مبداً أو نظام ماعت الحق والعدل والاستقامة والنظام. وبهذا المبدأ يتحقق الأصل فى الخلق من أن الطرق إلى الله تتعدد بتعدد الذوات الإنسانية.