أفكر فى التوقف عن الكتابة الاقتصادية التى احترفتها لأكثر من عشرين عاما، حيث لم تعد لدى طاقة فى التعامل مع الأرقام الجافة والتعبيرات الغليظة المبهمة.. مثل (التمويل بالعجز).. و(البطالة المقنعة).. فالاقتصاد مادة صحفية جافة ثقيلة.. لا تحظى بالإقبال الكافى من القراء.. مقارنة بما يكتب فى صفحات الحوادث والرياضة والفن. وبدأت فعلا فى الكتابة عن الشأن الاجتماعى ومشاكل الناس الحياتية.. ووجدت تشجيعا وصدى أكثر لدى القراء والزملاء الصحفيين.. فانتقلت إلى الكتابة فيما كنت أحب القراءة عنه والكتابة فيه، وهو الشعر العربى الأصيل، خاصة القصائد التى تحولت إلى أغان على لسان كبار المطربين العرب. وتوقفت عند قصة حياة ومعلقة الشاعر الفحل أمرؤ القيس والملقب بالملك الضليل، الذى وضع الأسس والقواعد الأولى للشعر العربى والتى سار على نهجها بعده الكثيرون والتى يقول فيها: وليل كموج البحر أرخى سدوله علىّ بأنواع الهموم ليبتلى فقلت له لما تمطى بجوزه وأردف إعجازا وناء بكلكل ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى بصبح وما الإصباح منك بأمثل ثم حاولت الإجابة عن: مين السبب فى الحب.. القلب ولا العين؟ مستشهدا بجواهر الشعر العربى: إن العيون التى فى طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصر عن ذا اللُب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا وكذلك قول القائل: لو كان قلبى معنى ما اخترت غيركم ولا رضيت سواكم فى الهوى بدلا ولكنه راغب فيمن يعذبه وليس يقبل لوما ولا عتبا وتأثرت كثيرا بشعر شهيدة العشق الإلهى رابعة العدوية، وكذلك الشاعر عبدالسلام بن رغبان والملقب بعطيل العرب الذى قال: أتانى هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا واستمتعت بالقصائد المغناة بصوت «صداح الشرق» المطرب العربى المعروف صباح فخرى.. وهو يقول: جاءت معذبتى فى غياهب الغسق وكأنها الكوكب الدرى فى الأفق فقلت: نورتنى يا خير زائرة أما خشيت من الحراس فى الطرق.. فجاوبتنى ودمع العين يسبقها.. من يركب البحر لا يخشى من الغرق قبلتها.. قبلتنى وهى قائلة قبلت خدى فلا تبخل على عنقى نعم ودعت «الكآبة» الاقتصادية ودخلت مرحلة الرومانسية بحفظ وترديد الشعر الجميل. والطريف فى الأمر.. أن المقالات التى نشرت لى من قبل فى هذا المجال أحدثت صدى واسعًًا بين الزملاء والأصدقاء.. وتلقيت بسببها تليفونات كثيرة من قراء لا أعرفهم.. ولكن المشكلة أن البعض فهمنى خطأ.. حيث تصور أننى أعبر بالكتابة عن حالة من الوجد والعشق طالتنى مؤخرا بعد أن تقدم بى العمر وشاب الشعر منى.. وهو ما ذكرنى بالأبيات الشهيرة والتى تقول: عيرتنى بالشيب وهو وقار ليتها عيرتنى بما هو عار إن تكن شابت الذوائب منى فالليالى تزينها الأقمار والآن أطلب من قارئى العزيز ومن أعتادوا أن يقرأوا لى فى المجال الاقتصادى.. أن يعطونى حريتى ويطلقوا يدى للكتابة فيما أحب وأعتقد أن الكثيرين يحبون مثل هذا النوع من التعبير الذى يخاطب المشاعر والقلوب قبل العقول. وما أحلى الكتابة عن فطاحل الشعر العربى القديم، خاصة ما يتعلق منه بحكايات الغرام والغزل الرفيع.