قال الشعب الإسرائيلى كلمته فى الانتخابات التشريعية التى أجريت يوم الثلاثاء الماضى.. قال بملء الفم إنه لا يثق فى رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو ولا فى سياسته.. خرجت جموع الشعب إلى الصناديق لتقول إنها تريد وجوهًا جديدة، فكان المنتصر الأكبر فى هذه الانتخابات هو الإعلامى السابق يائير لبيد زعيم حزب (يوجد مستقبل) أو ييش عتيد بالعبرية بعد فوزه ب 19 مقعدًا، ليبدأ بذلك فى فرض شروطه. فى صباح يوم الانتخابات وأمام إحدى اللجان الرئيسية بمدرسة جيمنسياه هرتسيليا فى شارع جابوتنسكى فى تل أبيب، كانت تقف عجوز شمطاء من الماضى توزع دعاية نتنياهو وحزبه الليكود بيتنا (هاليكود بيتينو) وإلى جوارها شابات جميلات للدعاية ليائير لبيد. وفى المساء، وعلى شاشة التليفزيون التى انقسمت نصفين، ظهر كل من نتنياهو ولبيد فى خطابين منفصلين لمؤيديهما فى نفس الوقت. فى الجهة اليسرى لبيد وفى الجهة اليمنى نتنياهو..فى الجهة اليسرى وقف المستقبل وفى الجهة اليمنى الماضى. ولو لم يكن نتنياهو قد أنقذ نفسه بتحالفه مع إسرائيل بيتنا، لكنا شاهدنا الإطاحة الكاملة لرئيس الوزراء بنفس الطريقة التى أطيح به فيها عام 1999. لقد قال الشعب الإسرائيلى كلمته رغم أن مواقفه قد تقترب من مواقف الليكود، لكنه لم يعد يثق فى رئيس وزرائه. قبل حوالى عشر سنوات وبالتحديد فى انتخابات الكنيست ال 16 صنع يوسف (تومى) لبيد والد يائير تاريخًا عندما قاد حزبه التغيير (شينوى) إلى المركز الثالث من حيث الحجم، وفى هذه الانتخابات قام الابن بتحطيم هذا الرقم القياسى وحصل على 19 مقعدًا ليصبح الحزب الثانى فى إسرائيل بعد أن كانت استطلاعات الرأى تؤكد حصوله على 13 مقعدًا على الأكثر. وليس هناك من شك فى أن نتنياهو هو الشخصية المأسوية فى هذه الانتخابات فعلى الرغم من الميزة التى خرج بها كمرشح لرئاسة الحكومة القادمة، على رأس حزبين متحدين (الليكود وإسرائيل بيتنا) بتوقعات وصلت إلى أكثر من 42 مقعدًا، فإنه أنهى الانتخابات كرئيس وزراء ضعيف، والأكثر من ذلك أن ائتلافه سيكون خاضعًا لرغبات وشروط الفائز الأكبر فى الانتخابات يائير لبيد، مع ليكود منقسم على نفسه بعد خسارته لأكثر من ربع قوته. والسؤال الذى يطرح نفسه هذه الأيام هو ماذا سيكون موقف أحزاب الوسط - يسار؟ هل تنجح هذه الأحزاب بعد الانتخابات فيما فشلت فى تحقيقه قبلها؟ هل تشكل هذه الأحزاب جبهة متحدة قوية مستقرة فى مواجهة اليمين وهل تحاول تشكيل كتلة مانعة؟ من الممكن القول بأن الاتصالات فى هذا الشأن بدأت بالفعل بمبادرة من زعيمة حزب العمل، شيلى يحيمو فيتش، والتى أخذت على نفسها عهدًا قبل إجراء الانتخابات بعدم الانضمام لحكومة يرأسها نتنياهو. فقد دعت لبيد ألا يصبح (ورقة التين) التى تدارى بها حكومة نتنياهو عورتها. لكنها تناست فى الحقيقة أن حزبًا يضم 19 مقعدًا فى الكنيست وهو حزب لبيد لا يمكن أن يكون ورقة تين لأية حكومة لأنه فى الواقع هو الحكومة نفسها. وسوف تحاول كل من يحيمو فيتش زعيمة حزب العمل وليفنى زعيمة حزب الحركة (هاتنوعاه) دعوة لبيد لتشكيل كتلة مانعة. سوف تحاولان اقناعه بأن عدد المقاعد لأحزاب يوجد مستقبل (ييش عتيد)، والعمل (هاعفوداه) وميرتس بزعامة زهافاه جالؤون والحركة (هاتنوعاه) بزعامة ليفنى يصل إلى 50 مقعدًا. ومع الحر يديم الذين لم يرفضوا حتى قبل الانتخابات الانضام لائتلاف أحزاب الوسط يصبح العدد 68 مقعدًا (عدد مقاعد الكنيست 120). وهناك احتمال آخر إذا ما تم تشكيل كتلة مانعة فى اليسار، وألقى الرئيس الإسرائيلى شمعون بيريس مهمة تشكيل الحكومة على عاتق لبيد أو يحيمو فيتش. فلن يكون من قبيل المبالغة أن نشاهد نفتالى بينيت، زعيم حزب البيت اليهودى ينضم لهذه الكتلة. فعلى الرغم من القائمة المتطرفة التى يمثلها، فإن بينيت قال أكثر من مرة حتى قبل إجراء الانتخابات إن الموضوع السياسى ليس فى جدول أولوياته، وأن الموضوعات المدنية مثل قانون المساواة فى الأعباء هى الأهم. وهو بذلك يكون أقرب إلى مواقف أحزاب الوسط. وحزب بينيت مثله مثل الحزب الأم (المفدال) يمكنه الانضمام لأى ائتلاف سواء لليمين أو الوسط. لكن حتى لو قام نتنياهو بتشكيل الحكومة القادمة، فالاحتمال الأكبر والأكثر منطقية أنها سوف تصبح حكومة مختلفة تمامًا عن تلك التى انتظرها عندما دعا إلى إجراء الانتخابات المبكرة، فإذا أصر لبيد على المبادئ التى عرضها قبل الانتخابات، فسوف يضطر نتنياهو للتخلى عن شركائه الطبيعيين والاتفاق مع الحزب الذى ولد قبل عام واحد فقط ووضع الخطوط الاساسية للائتلاف. والسؤال فى هذه الحالة هو كيف سينظر لبيد إلى الحزب اليمينى المتطرف وهل سيسمح بالائتلاف مع نفتالى بينيت زعيم البيت اليهودى؟ ثم ماذا عن حزب شاسى؟ ماذا سيكون موقفه تجاه الحزب الذى من المستحيل أن يقبل بالخطوط الأساسية التى يطالب بها للدخول لائتلاف نتنياهو؟. وعلى أية حال، فليس هناك أدنى شك فى أن الفائز الأكبر فى هذه الانتخابات هو يائير لبيد. ويبدو أن لبيد نفسه لم يصدق أنه سيصبح ثانى أقوى حزب سياسى فى إسرائيل وأنه يتفوق بذلك على حزب العمل، الحزب التاريخى الذى أقام الدولة. ووفقًا لنتائج الانتخابات فإن حزب البيت اليهودى وهو امتداد للحزب الدينى القومى (مفدال) حصل على 12 مقعدًا. صحيح أن زعيم هذا الحزب نفتالى بينيت هو أحد المتطرفين، لكنه على استعداد للتخلى عن تطرفه على الأقل بصفة مؤقتة وإبعاد نفسه عن صورة المستوطن الكريهة فكل من سمع لخطاب فوزه ليلة إعلان النتائج يدرك أنه يتطلع إلى الأمام بعيدًا عن ماضى حزب المستوطنين الذى يمثله. وفى مقابل هذا وذاك، فإن حزب العمل لديه كل الأسباب التى تجعله محبطًا، ذلك لأن ال 15 مقعدًا التى حصل عليها أقل بكثير مما كان مأمولًا، وأقل مما أشارت إليه استطلاعات الراى فى بداية السباق الانتخابى، وأقل من الإنجاز الذى حققه عمير بيرتس عندما كان يترأس الحزب، وأقل حتى مما حققه إيهود باراك. 15 مقعدًا فقط هى نتيجة مأسوية لحزب تاريخى خاض طريقًا طويلة لإصلاح نفسه من الداخل وهو الحزب الذى يمثل أكثر من أى حزب آخر الثورة الاجتماعية التى شهدتها إسرائيل منذ عام ونصف العام وفى أعقاب اندلاع ثورات الربيع العربى. ومن ناحية اخرى، ساد الوسط العربى فى إسرائيل الشعور بالإحباط من نتائج الانتخابات. فوفقًا لهذه النتائج حصل حزب التحالف الديمقراطى (بلد) على مقعدين فى مقابل ثلاثة فى الانتخابات السابقة، كما فقد كل من حزب القائمة العربية الموحدة (رعم) والحركة العربية للتجديد (تعل) قوتهما وحصلا على ثلاثة مقاعد بدلًا من أربعة فى الكنيست السابق. أما الحزب الوحيد الذى حافظ على قوته فهو حزب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداشى) وهو حزب يهودى عربى ويرجع ذلك بطبيعة الحال إلى نسبة التصويت المتدنية (45%) فى الوسط العربى فى حين أن نسبة التصويت فى كل إسرائيل بلغت 66.6% وهى أعلى نسبة تصويت فى إسرائيل منذ انتخابات 2001.