مشروعات أو منشآت الأعمال الصغيرة تمثل حوالى 70% إلى 80% من اقتصاديات بعض الدول وهناك نماذج ناجحة مثل تركيا – إيطاليا – الهند – الصين – مصر. المشروعات الصغيرة التى تقوم بتوظيف أقل من 50 عامل تمثل حوالى 99% من إجمالى عدد المنشآت التى تعمل فى القطاع الخاص غير الزراعى، وتشارك هذه المشروعات بما لا يقل عن 80% من القيمة المضافة، وتوفر تلك المشروعات حوالى ثلثى قوة العمل بالقطاع الخاص ككل وثلاثة أرباع قوة العمل فى القطاع الخاص غير الزراعى. فمن جانبه يرى د. محمود عبد الحى، مستشار معهد التخطيط القومى الأسبق، أن هناك ظروفًا استثنائية يمر بها الاقتصاد المصرى ولتجاوز هذه الظروف أن تتحرك الحكومة للإسراع فى تنفيذ خطة جادة لترشيد النفقات وزيادة الإيرادات، خاصة أن هذا الأمر من الممكن تحقيقه، لأن فرص الترشيد والتوفير موجودة ومتعددة، تحديدا فيما يخص مواد التشغيل مثل استخدام الورق والأظرف والأدوات الكتابية بشكل عام. ويضيف أن توفير جزء كبير من النفقات المخصصة لأدوات النظافة والصيانة أمر وارد، فضلا عن أن أجهزة الكمبيوتر فى الجهات الحكومية معدل التقادم الفنى فيها عالٍ جدًا، وكل فترة بسيطة تحصل تلك الجهات على أجهزة جديدة أو محدثة، والاستخدام لا يكون على حسب الحاجة، مع ضرورة التركيز على أهمية التوفير فى استهلاك الكهرباء والمياة فى الجهات الحكومية. ويؤكد عبدالحى أن الترشيد فى تلك البنود لن يوفر كل مبلغ عجز الموازنة، لكنه سيؤكد أن أموال الموازنة غير مهدرة، لكن خطة ترشيد الانفاق لابد أن ترتبط بخطة لزيادة الإيرادات دون التأثير على أصحاب الدخول المنخفضة، وأن ذلك قد يتحقق من خلال زيادة بسيطة لرسوم بعض الخدمات، كزيادة مصروفات المدارس 20 جنيها سنويا، وهى ستكون زيادة طفيفية، لكنها ستوفر للدولة عدة ملايين بالإضافة إلى زيادة رسوم رخص السيارات بقيمة 10% إلى 15%. أما د. منال متولي، مدير مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة فتؤكد إن الخروج الآمن من الوضع الاقتصادى الحالى يتطلب وجود تصور جاد لسياسة اقتصادية كلية يتم تطبيقها خلال الفترة المقبلة، على أن تستهدف هذه السياسة خمسة أمور: أولها: تحقيق معدل نمو مرتفع بما يعنيه ذلك من زيادة الناتج المحلى الإجمالى، مما يحقق زيادة الإيرادات العامة للدولة، وثانيها: إعادة الثقة إلى كافة الفاعلين فى السوق، لكى يترتب على ذلك زيادة الاستثمارات الأجنبية والمحلية وما يترتب على ذلك من توفير المزيد من فرص العمل وزيادة معدلات التشغيل فى الاقتصاد. وأضافت أن ثالث مكونات السياسة المالية المنتظرة: تتمثل فى الوصول إلى صياغة سياسة اجتماعية متكاملة يستفيد منها المجتمع بكافة أطيافه، حتى يكون التفاعل الجاد الذى يرتب بدوره دفع عجلة الانتاج بشكل عام، ورابعها: دفع عجلة الانتاج فى الاقتصاد لتوفير المزيد من فرص العمل، وذلك بتقديم كافة صور المساندة للمنتجين بكافة القطاعات والسعى لخلق قنوات اتصال وتعاون بين الكبير والمتوسط والصغير من هذه المشروعات، وأخيرا، إعادة النظر فى مكونات العقد الاجتماعى، الذى يقوم فى الأساس بين 3 أطراف وهى القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدنى. وأكدت أنه من الضرورى وجود تصور شامل يتم طرحه أمام المستثمرين لتحفيزهم لضخ أموالهم فى الاقتصاد المحلى، فالمستثمر القادم إلى مصر يطرح تساؤلات عن الدولة واتجاهها هل يسارى - ليبرالى - إسلامى، ولابد أن تضع الدول رؤية شاملة لها يسير عليها الوزير فى وزارته حتى لا يسير كل وزير فى اتجاه مخالف لغيره من الوزراء، فمثلا قضية كارتفاع سعر الفائدة على الودائع وتفاقم الدين المحلى تعنى الاتجاه الى الاقتراض، مما يستلزم وضع تصور للاقتراض والمبلغ المطلوب والمشروعات المعدة للاستثمار فيها أو استكمالها وأهميتها فى الوقت الحالى وفرص العمل الجديدة، التى توفرها للشباب مع ضخ إنتاج لسلع مطلوبة. ونصحت د. منال متولى بأهمية اتخاذ كافة التدابير الممكنة لدعم القطاعات الاقتصادية التى تساهم فى زيادة النقد الأجنبى مثل السياحة وزيادة الصادارات أو تقليل الوارادات من السلع الأساسية، وأخيرا تحويلات العاملين فى الخارج، مضيفة أن السبيل الأنسب الآن هو توفير المزيد من المساندة للقطاع السياحى لاستعادة عافيته مرة أخرى فضلا عن زيادة الإنتاج لزيادة الصادرات، وفى ذات الوقت إعادة النظر فى هيكل الواردات من السلع الرئيسية لتوفير بدائل محلية لهذه السلع، فإنه لا يوجد ما يحول دون تقليل الاعتماد على الاستيراد لتوفير سلع مثل زيت الطعام والسكر والقمح بتوفير كميات أكبر محليا من هذه السلع. من جانبها طالبت د. منى الجرف أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة كافة الأجهزة المعنية بالاقتصاد بضروة الإسراع فى اتخاذ عدد من الإجراءات لدفع عجلة الاستثمارات، قائلة: لابد من إجراءات فورية على المدى القصير للمحافظة على الاستثمارات القائمة العودة بها إلى مستويات التشغيل السابقة ل25 يناير، وتتمثل هذه الإجراءات فى تقديم حزمة مؤقتة متكاملة من الحوافز المالية الإجرائية للمستثمر الحالى المحلى أو الأجنبى. وأضافت أنه من المهم أن تتضمن هذه الحوافز تأجيل سداد بعض المستحقات للحكومة (كضريبة المبيعات، أقساط الأراضى، تكاليف توفير المرافق الأساسية، الرسوم الجمركية وغيرها من الضرائب) فضلا عن تخفيض نسبة التأمينات الاجتماعية التى يتحملها العامل وصاحب العمل، والتى تصل فى الوقت الحالى إلى 40% من أجر العامل، و يمكن ربط ذلك باحتفاظ المنشأة بالعمالة لديها، أو بما قد تتيحه من فرص عمل جديدة، مشيرة إلى أنه من الممكن أن تقدم هذه الحزمة من الحوافز لفترة مؤقتة بغرض تشجيع المستثمر على الاستمرار فى ممارسة نشاطه فى مصر، وإجراء التوسعات المخطط لها. وأكدت د. منى أنه مما لاشك فيه أن هذه الحزمة من الحوافز تعكس تكلفة مالية على الدولة، تتمثل فى تلك الموارد التى سيؤ جل دخولها خزانة الدولة لفترة من الوقت، إلا أن العائد الذى قد يعود من جراء ذلك فى المدى القصير ممثلا فى إمكانية المحافظة على الاستثمارات القائمة، بل وإجراء التوسعات المخطط لها الاستثمار، وما قد يصاحبه من توفير فرص عمل حقيقية وفرص لتشجيع الصادرات وزيادة تدفقات النقد الأجنبى، قد تفوق هذه التكاليف فى المدى القصير، والتى ستتلاشى بدورها فى المدى المتوسط والمدى الطويل. وأشارت إلى أنه من الإجراءات المطلوبة ايضا اتخاذ الخطوات التنفيذية التى تضمن التوسع فى المناطق الاستثمارية لما تسمح به من تيسير الإجراءات والتراخيص المطلوبة لمزاولة النشاط، كما تقوم على ترويج مشروعات المشاركة بين القطاع الخاص والحكومة، وتطوير البنية الأساسية فضلا عن تحقيق التكامل مع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى إنشاء صندوق «دعم إنشاء وترفيق وتطوير المناطق الصناعية» على أن يقوم بتمويل أعمال البنية الأساسية (مياة – صرف صحى – صرف صناعى – كهرباء – طرق) فى عدد من المناطق الصناعية داخل المحافظات. وشددت د. منى الجرف على أهمية تعاون الحكومة مع القطاع المصرفى لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتنشيط الاستثمار من خلال تيسير طلب الموردين لخامات الإنتاج بالتغطية الكاملة لقيمة البضائع الموردة، وازالة العقبات أمام منح الائتمان للمستثمر المحلى، ومساعدة المشروعات المتعثرة، فضلا عن تيسير توفير السيولة المحلية والحد من مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص فى الاقتراض من الجهاز المصرفى من خلال الإسراع بإنهاء التفاوض على حصول مصر على قروض ومنح خارجية بما يتفق مع المصلحة القومية. ولفتت إلى أهمية تشجيع الطلب على المنتجات المحلية من خلال تفعيل تطبيق المادة رقم 16 من قانون المناقصات والمزايدات الحكومية رقم 89 لعام 181998، وقرار رئيس مجلس الوزراء الخاص بحظر شراء الحكومة للمنتجات المستوردة إذا ما توافر لها بديل محلى، فضلا عن المادة رقم 12 بقانون المشروعات الصغيرة رقم 141 لعام 2004، والتصدى السريع والحاسم للتهريب والإفراط فى استيراد منتجات رديئة الجودة والصنع، لا تراعى المواصفات الصحية والأمنية، التى يتم تداولها على الأرصفة ومن خلال الباعة الجائلين. وأشارت إلى أنه من الضرورى اتخاذ التدابير للتصدى إلى نشر الاتهامات الكيدية للعديد من العاملين فى أجهزة الدولة أو إلى رجال الأعمال، والتى أصبحت من العوامل الرئيسية التى تحد من قدرة موظفى الدولة على اتخاذ القرارات، وتشكل بدورها قيدا نفسيا على المستثمر الأجنبى تدفعه إلى البحث عن دول أخرى أو التوقف والانتظار لما ستسفر عنه الأوضاع لاحقا فى مصر وفى المنطقة العربية ككل، مشددة على ضرورة المحافظة على قيم الاستثمار فى مصر فى الظروف الراهنة بتوسع الدولة فى الاستثمار، من خلال دراسة عدد من مشروعات الاستثمار فى مجال البنية الأساسية وطرحها للتطبيق وفقا لنظام المشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص بما فيها الاستثمار الأجنبى، والترويج لها.