أما العريان فهو ليس الشخص الذى انصرف ذهنك إليه.. ليس د. عصام العريان النجم الإخوانى ما أقصده فى العنوان ولكن.. أقصد د. محمد العريان الأمريكى ذو الأصل المصرى الذى تركزت عليه فجأة بقعة ضوء إعلامية باهرة على إثر اعتلائه خشبة مسرح الإدارة الاقتصادية الأمريكية وذلك بعد اختيار الرئيس أوباما له ليتولى رئاسة المجلس الأمريكى للتنمية العالمية. وقرار أوباما - رغم بُعد المسافات بين مصر وأمريكا - جاء بشىء من الدفء لمشاعرى فى هجمة الشتاء التى أصابتنا فى الأيام الأخيرة، وشىء من الطمأنينة أن الجينات المصرية يمكن أن تنجب مثل هذه المواهب التى لا تحتاج إلا بيئة عمل صالحة ومجتمع يتمتع بقدر معقول من الصحة النفسية والانضباط القانونى، فيمنح هذه المواهب الفرصة ويدفع بها إلى كابينة القيادة لتتحرك بالأمم والشعوب إلى الأمام. ( 1 ) أول معرفتى بقبس من سيرة د. العريان كانت العام الماضى حين لفت نظرى خبر عن اختيار مجلة «أربيان بيزنس» له ضمن قائمتها السنوية لأقوى 500 شخصية عربية فى العالم. سألت نفسى: من عساه يكون هذا المصرى العالمى الذى لا نعرفه؟! وجاءت الإجابة - بعد البحث - أنه أمريكى من أصل مصرى درس القانون وتخصص فيه أستاذاً ثم قاضياً ثم عرج على دراسة الاقتصاد ليحصل على شهادة فيه من جامعة كامبريدج الإنجليزية العريقة ومضى قدما فى دراسته ليحصل على درجة الماجستير والدكتوراه من جامعة أكسفورد (إنجليزية أيضاً) وتنقل د. العريان فى محطات عديدة خلال مشوار حياته لعل أبرزها محطتان، الأولى عمله فى صندوق النقد الدولى لمدة 15 عاماً قبل أن ينتقل للمحطة التالية الأهم وهى تولى الرئاسة التنفيذية فى الشركة العملاقة «باسفيك انفيستمينت مانجمينت» التى يرمز إليها اختصاراً ب «بيمكو» وفى هذه الشركة ومن خلال جهوده استحق العريان الوصف الذى أطلقته عليه صحيفة «النيويورك تايمز» وهو أمير سوق السندات العالمى. وفى بحور الركود الاقتصادى وتقلبات الأسواق العالمية ووضع برامج الإنقاذ للاقتصاديات المنهارة خاض العريان صولات وجولات انتهت بالقرار الأخير الذى أصدره أوباما للاستعانة به فى منظومة إدارة الاقتصاد الأمريكى.. وهناك ملحوظة هامة فى هذا الصدد وهى أن العريان هو الذى سعى إلى أوباما وليس العكس حيث أرسل د. العريان رسالة لأوباما حال فوزه بمدة رئاسة ثانية للولايات المتحدةالأمريكية، والرسالة عبارة عن خطة من 4 نقاط لإنقاذ الاقتصاد الأمريكى المضطرب والخطة مشمولة بالجانب التنفيذى لها، وتهدف إلى رفع معدلات نمو الاقتصاد الفيدرالى الأمريكى وتخفض نسبة البطالة فى هذا المجتمع.. هل تأتى خطة د.العريان بثمار طيبة للاقتصاد الأمريكى؟ سوف نرى فى المستقبل. ( 2 ) ولأن مفهوم الإدارة الاستراتيجية غائب عن الذهنية المصرية، ولأن الثقافة العامة هى التعامل مع مجريات الأحوال يوم بيوم أو كما يقول الأجانب: «From hand to mouse» فإننا نكتشف أمور كثيرة فجأة مثل أن الاقتصاد المصرى مريض منذ ما يزيد على عامين ووصل الآن المريض إلى أن اقترب من أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. ومن الأمور التى اكتشفناها فجأة أيضاً خلال الأسبوع المنقضى وجود هذا العبقرى الذى يدعى د. محمد العريان وعلى إثر هذا الاكتشاف تعالت الأصوات التى تطلب الاستعانة به مرة كرئيس للوزراء ومرة للاستفادة بخبرته (دون تعيينه فى منصب رسمى) للمساهمة فى إنقاذ سفينة الوطن التى تتقاذفها الأنواء السياسية والاقتصادية وتكاد تدفعها إلى هوة سحيقة وتحتاج الآن - خاصة فى الجانب الاقتصادى - إلى ما يشبه المعجزة حيث تقدر نسبة العجز فى الموازنة 7.9% من الناتج المحلى وبالأرقام 135 مليار جنيه مصرى فى ذات الوقت الذى ارتفعت فيه نسبة الدين المحلى إلى 70% من الناتج وبالأرقام 1.2 تريليون جنيه مصرى (التريليون يساوى مليون المليون أو ألف مليار)، والحديث عن أن الاقتصاد المصرى تجاوز كل الخطوط الحمراء وإشارات الخطر لم يعد حديثاً للاستهلاك السياسى لكنه أصبح واقعاً تؤكده مؤشرات مؤسسات الاقتصاد العالمى، وبدلا من البحث عن برنامج أو خطة قومية لوقف التدهور الاقتصادى صار البحث عن شخص «نشيّله» كما يقول المذيع عمرو أديب الذى رشح للأمة خيارين لا ثالث لهما إما الاستعانة بخبرة د.محمد العريان أو حسب تعبيره «نشيّل الليلة» لخيرت الشاطر!! والله وحده هو العليم بنوايا الناس لكن طرح أديب بهذه الصورة أعتقد أنه طرح خبيث جداً وحمّال لأوجه كثيرة من التفسير. ( 3 ) والاندفاع لترشيح د. محمد العريان ليقود سفينة الإنقاذ الوطنى الاقتصادى فيذكرنى بحكاية شبيهة لشخص نظير، هو أيضاً خبير اقتصادى مصرى عالمى ظهر بقوة على مسرح الإعلام بعد ثورة 25 يناير 2011 وتم الدفع باسمه حتى تم اختياره وزيراً للمالية فى حكومة شفيق الحكومة الأولى بعد الثورة ثم حكومة د. عصام شرف التى تلتها، ومضى وقت ليس بالقصير على الخبير والمنظّر والفقيه والعلاّمة الاقتصادى د. سمير رضوان ولم نر هذا الطحين الذى كنا ننتظره على أثر ضجيجه الذى ملأ الأسماع قبل أن يتولى منصبه التنفيذى.. والسؤال لماذا؟! لماذا فشل د.سمير رضوان؟! وفى الإجابة هناك شقان، الأول يتعلق بأسلوب إدارته والثانى شق عام يتعلق أولاً بتبنيه لنظريات الاقتصاد العولمى مثله مثل د. محمد العريان ويتعلق ثانياً بطبيعة الاقتصاد المصرى، هذه الطبيعة التى سوف تصدم أى خبير عالمى يمكن أن يأتى وفى جعبته كل نظريات العالم ليكتشف واقعاً لا يخضع لأى منطق وسوف يستغرق كثيراً من الوقت ليكتشف أن فى مصر هناك اقتصاداً آخر سرياً موازياً للاقتصاد الرسمى وأن الأرقام التى تجمعها أدق المؤشرات ليست صحيحة وأن هذا الاقتصاد الموازى الذى خلقته الحالة المصرية هو الواقع اللغز الذى يحل المعادلة الصعبة لموظف يتقاضى 500 جنيه بينما ينفق شهرياً على أسرته ما يزيد على الألفى جنيه!! وجاء سمير رضوان وذهب من الوزارة ولم يترك أثرا يذكر له حتى كوزير مالية. ( 4 ) هل معنى كلامى أنه إذا جاء د. محمد العريان رئيساً لوزراء مصر فى هذه المرحلة سوف يفشل؟! الإجابة بدون لف ودوران: نعم، محمد العريان ينجح فى اقتصاديات مستقرة واضحة لها منطق وعقل ولن ينجح فى اقتصاديات عشوائية لا منطق ولا عقل لها، ونحن نصدقه حين يعلن انتماءه لهذا الوطن بالتبرع من ماله الخاص ب 30 مليون دولار لمشروع د. زويل لكنه رغم هذا الانتماء لا يعرف هذا الوطن وشعابه ودروبه الملتوية، هذا إذا إذا افترضنا أنه يمكن أن يوافق على عرض مثل هذا! يبقى الإجابة عن سؤال آخر وبوضوح: هل معنى ذلك أننى أستبعد د. محمد العريان لصالح ترشيح خيرت الشاطر رئيساً للوزراء؟! مثلما فعل الأخ عمرو أديب؟! الإجابة لا وأنصح د. مرسى وحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين نصيحة خالصة لوجه الله والوطن لا تفعلوها ابعدوا خيرت الشاطر تماماً عن أى منصب رسمى.. كفاكم وكفى الوطن ما حدث.. وإذا كان لابد فاستعينوا بخبرات اقتصادية سابقة حققت نجاحات عملية وليست نظرية وياليتها تكون من خارج الجماعة أو غير منتسبة للإسلاميين على الإطلاق حتى تساعدوا الناس على تغيير مفاهيمهم عن الجماعة.. وأخونة الدولة.