وسط حالة من الاحتقان الداخلى مازالت تسود البحرين، تستضيف المنامة غداً وعلى مدى يومين قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجى، القمة الخليجية ال 33 ربما هى القمة الأولى التى تعقد فى ظل أوضاع أمنية داخلية غير مستقرة فى بعض دول المجلس، وفى مقدمتها البحرين والكويت. فهل ستشهد قمة البحرين انطلاق «الاتحاد الخليجى»، أم سيعرض سيناريو التأجيل نفسه على مشروع الاتحاد ليلحق بغيره من عشرات المشروعات المؤجلة..؟ وكان اقتراح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز فى قمة الرياض بشأن الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد يحمل رؤية واقعية آنية ومستقبلية لما تواجهه منطقة الخليج من تحديات، مما يدعو القيادات والشعوب للتكاتف وتوحيد الإمكانات، وشعوب الخليج انتظرت أكثر من ثلاثين عاماً لترى حلمها فى الاتحاد يتحقق، لكن الأمر ليس سهلاً كما يتصور البعض. ومنذ دعوة العاهل السعودى إلى الانتقال من مرحلة التعاون إلى الاتحاد، ودول المجلس تلتزم التعتيم الإعلامى فى توضيح مواقفها، وأمانة المجلس تلوذ بالصمت. فاللجان المشكلة بناء على قرار القادة اجتمعت نحو ثلاث مرات فلم تخرج على وسائل الإعلام بجملة مفيدة واحدة توضح أن هناك أى تقدم نحو مسيرة الاتحاد. إضافة إلى خشية بعض دول المجلس من اتخاذ قرار كبير كهذا حتى وإن رحبت به، هناك دولتان راغبتان علناً إلى جانب صاحب المبادرة السعودية هما قطر والبحرين، وتدفعان نحو تشكيل منظومة كونفدرالية خليجية. سلطنة عُمان لا ترغب فى الانضمام للاتحاد، ودول الإمارات مترددة، ودولة الكويت تعيد القرار إلى مجلس الأمة ودستور البلاد. ومن جهة اخرى أكد الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجى عبد اللطيف الزيانى فى تصريحات صحفية، أن الإعلان عن الاتحاد الخليجى لن يكون فى قمة مجلس التعاون بالبحرين. وأن المبادرة لا تزال تدرس والقرار سيتم تناوله وإعلانه فى قمة خاصة بالرياض. مابين قمة الرياض وقمة البحرين التى تنعقد غداً عام كامل، فصل بين القمتين قمة تشاورية انعقدت فى مايو الماضى، فهل ستكون الصورة فى قمة البحرين أكثر وضوحاً بشأن الاتحاد الخليجى؟. إن التحديات التى تواجهها دول مجلس التعاون اليوم هى تحديات غير مسبوقة فى تاريخها، وهى تحديات تهدد بإعادة رسم الأوضاع فى المنطقة، وفى هذه المرحلة الحرجة التى تنذر بتحولات كبرى، فإن شعوب دول المجلس تأمل فى تسريع وتيرة العمل المشترك وحشد الطاقات وتعزيز الجبهة الداخلية حفاظاً على إنجازات مجلس التعاون التى تعتبر أرضية صالحة لتحقيق الاتحاد الخليجى. وتقف خلف الدعوة إلى الاتحاد عوامل كثيرة، أهمها الاعتبارات الأمنية التى كشفت عنها الثورات العربية والتى تمثلت فى غموض الالتزام الأمريكى تجاه الأوضاع الداخلية، فمع موجة الربيع العربى وجدت دول مجلس التعاون نفسها إزاء خطر من نوع جديد، هو خطر التصادم بين الشرعية الدولية والشرعية الداخلية مع تزايد احتمالات الثورة فى الداخل، فمنذ عقود والتحالف الخليجى الأمريكى وفر لدول المجلس قدراً من الضمانة الأمنية إزاء المخاطر الإقليمية، ولم يكن النظام الدولى يعنى بالشئون الداخلية للدول، ولم يكن الجانب الحقوقى قد برز فى الخطاب الدولى، لكن الوضع تبدل إثر الثورات العربية، فوجدت الانظمة نفسها دون حماية ضد الخطر الداخلى، فلا توجد فى الاتفاقيات الأمنية بنود تقر دور القواعد العسكرية الاجنبية فى حماية الأنظمة من خطر الثورة الداخلية، وأيضاً لأن قدرة هذه القواعد عملياً لا تمكنها من تقديم هذه الضمانة. وهكذا وجدت دول الخليج الضمانة الأمنية ضد الخطر الخارجى، لكنها فى حالة من القلق تدفعها إلى التغيير الداخلى وبدء خطاب سياسى جديد مع شعوبها، كما بدت الحاجة إلى هيكل أمنى جديد. فحالة الاحتقان الداخلى التى تسود البحرين وسط مطالب العدالة الاجتماعية ووضع حد لحالة التمييز الطائفى، كما أن الأوضاع فى الكويت متوترة بمقاطعة الانتخابات البرلمانية وارتفاع سقف مطالب المعارضة، كما أن الأوضاع فى سلطنة عمان أو الإمارات ليست على ما يرام أيضاً، بينما تواجه السعودية تحديات كبيرة أبرزها وجود جيل من الشباب نسبة أكثر من خمسين بالمائة من السكان لديه تطلعات ومطالب صريحة بالإصلاحات والحريات مجمل الأوضاع فى دول الخليج تزداد تعقيداً فى ظل المتغيرات الداخلية والإقليمية المتسارعة، والتأجيل أو البطء فى التعامل مع هذه القضايا المصيرية سيراكم المشكلات ويدفعها إلى نقطة اللاعودة أو اللاحل.. حلم الاتحاد الخليجى سيكون المخرج والحل لكثير من المشكلات، وإذا كانت قمة الرياض هى قمة الدعوة إلى الاتحاد الخليجى، فإن المواطن الخليجى يترقب أن تكون قمة البحرين هى قمة الاتحاد، وقد حفظ المواطن الخليجى جيداً شعار «خليجنا واحد.. ومصيرنا واحد» وينتظر تحقيقه فعلياً على أرض الواقع.