هل ستشهد القمة الخليجية القادمة بالبحرين انطلاق «الاتحاد الخليجى»؟، وهل تستطيع القمة التى ستنعقد فى ديسمبر القادم أن تصل لصيغة اتحادية مقبولة من الجميع، أم سيفرض سيناريو التأجيل نفسه على مشروع «الاتحاد الخليجى» ليلحق بغيره من عشرات المشروعات الطموح المؤجلة؟.. الشعوب العربية فى دول مجلس التعاون الخليجى تطمح دوماً إلى توسيع نطاق من التعاون حياتياً واقتصادياً، فمعظم عائلات وقبائل الخليج مترابطة بشكل كبير، ولن تستغرب من أن عائلة تعيش فى السعودية وفى قطر وشطر منها فى الكويت، وكذلك حال العديد من العائلات الخليجية الموزعة بين الإمارات وعمان وقطر والبحرين. وكان اقتراح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله عبد العزيز بشأن الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد يحمل رؤية واقعية آنية ومستقبلية لما تواجهه منطقة الخليج من تحديات، مما يدعو القيادات والشعوب للتكاتف وتوحيد الإمكانات، وشعوب الخليج انتظرت أكثر من ثلاثين عاماً لترى حلمها فى الاتحاد يتحقق، لكن الأمر ليس سهلا كما يتصور البعض. السيناريوهات المتوقعة يمكن تلخيص الاحتمالات المستقبلية لمشروع الاتحاد الخليجى فى ثلاثة سيناريوهات أولها: سيناريو التأجيل المتكرر بحيث تختفى الفكرة ذاتيا، بعد غياب الدوافع التى أنتجتها، أو بروز تهديدات مختلفة نوعياً، فلايعود مشروع الاتحاد مناسباً لها وسيناريو التأجيل المتكرر يتم تنفيذه فى أغلب المشروعات فى إطار مجلس التعاون الخليجى، فلا يتم الإعلان عن انتهاء المشروعات أو الفشل فى تحقيقها، ولكنها تنتهى من خلال طرح مشروعات أكثر طموحا وهو ما يحدث مع مشروعات مثل العملة الخليجية الموحدة والبنك المركزى الخليجى، والدرع الصاروخية الموحدة، مشروعات عديدة يتم الإعلان عنها منذ سنوات، ثم يتم إعادة طرحها فى صيغة جديدة، وفى هذا السيناريو يتوقع أن يبقى مشروع الاتحاد والخليجى للاستهلاك المحلى فى مرحلة الثورات العربية. وثانيها: الإبقاء على صيغة مجلس التعاون الخليجى ولكن بمسمى الاتحاد، وهذا السيناريو يعنى الإبقاء على جوهر المجلس مع شكل وقالب ومسمى الاتحاد، بما لا يعنى سوى تغيير المسميات. أما السيناريو الثالث: فيركز على البدء فى تنفيذ الاتحاد تدريجيا على فترات زمنية متباعدة، بحيث يتم مثلاً بدء مرحلة ثانية من مجلس التعاون، بإعلانه اتحاداً، مع خطة لتنفيذه على فترات زمنية متباعدة، تتحلل فيها القيادات القائمة من مسئوليات التنفيذ السريع، وتتيح فرصة للقيادات القادمة للتحلل منه أيضاً، بحسب ظروف بلدانها آنذاك، فلايكون اتفاقاً ملزماً يقلص السيادة، وهذا يعنى أن تتجه دول المجلس بنوايا اتحادية حقيقية، ولكن تربط خطوات الاتحاد بآجال زمنية طويلة تعفيها من تبعة المسئولية. صعوبات أمام الاتحاد يبدو للبعض أن وضع دول مجلس التعاون الخليجى مثالى لمنطقة تفكر فى صيغة للاتحاد من ناحية التشابه فى اللغة والدين والقبائل وأنماط الحياة والأوضاع الاقتصادية والعلاقات الخارجية والمهدادات الأمنية، لكن خلف أوجه التشابه العديدة هناك مشكلات تفصيلية عديدة تثير الشكوك حول أى تجربة اتحادية. فمثلاً مساحة السعودية تصل إلى 3000 مرة مساحة البحرين - أصغر دولة فى دول الاتحاد - وإلى جانب المساحة فإن الخلل فى التوزيع السكانى لصالح السعودية، فعدد سكان السعودية يقترب مرة ونصف من إجمالى عدد سكان دول المجلس الخمس الأخرى مجتمعة، لقد خلقت المشكلة الخاصة بالتباين بين دول المجلس حساسيات على الدوام تجاه المملكة العربية السعودية، والخوف من ابتلاع الدولة الأكبر للدول الأصغر، لقد وفرت صيغة مجلس التعاون فى السابق مزايا لدول الخليج الصغيرة، كانت أحياناً على حساب الدولة الأكبر، والآن يهدد مشروع الاتحاد وفق تصور بعض الدول الصغيرة - بسحب هذه المزايا حيث أنه فى ظل مشروع اتحاد ى حقيقى، ستكون الهيمنة للقوة الأكبر، فالتنازل عن قدر من السيادة لن يكون متساوياً بين دول المجلس. وهناك تباين أيضاً فى نظرة دول مجلس التعاون نحو الإحساس بالخطر والتهديدات الخارجية، فسلطنة عمان لاترى إيران تهديدًا أمنياً بالدرجة نفسها التى تراها بها البحرين ولا بالصورة التى تراها الإمارات أو الكويت، لاسيما أن قطر تمتلك هى الأخرى رؤية مغايرة لإيران. وبالتأكيد فإن الإحساس بالخطر الداخلى متشابه فى كل دول المجلس على نحو يدفعها للاتحاد، ولكن تصورات كل منها لحل أزمات الداخل تختلف عن الأخرى. كما أن هناك كيانات وقبائل ومناطق فى دول المجلس لم تترسخ بها معانى الدولة، فكيف تصل إليها معانى الاتحاد وكيف ستتصرف إذا تعارض أمام مطالبها الخاصة. فلدى الشيعة مثلاً حساسية خاصة من مشروع الاتحاد، وكانت أهم القوى المعارضة للمشروع جميعة الوفاق البحرينية التى رأت الأمر مسألة حياه أو موت، وأعلنت رفضها للمشروع، كما يمتلك الشيعة فى الكويت النظرة نفسها تقريباً. ويرى الشيعة أن مشروع الاتحاد يهدف إلى تذويبهم فى كيان كبير يهدد هويتهم ونسبتهم إلى جملة السكان وهو ما يرون فيه خطراً على وجودهم ومذهبهم وأغلبيتهم العددية فى البحرين . دوافع الاتحاد تقف خلف الدعوة إلى الاتحاد الخليجى عوامل كثيرة، أهمها الاعتبارات الأمنية التى كشفت عنها الثوارت العربية والتى تمثلت فى غموض الالتزام الأمريكى تجاه الأوضاع الداخلية، فمع موجة الربيع العربى وجدت دول مجلس التعاون نفسها إزاء خطر من جديد، هو خطر التصادم بين الشرعية الدولية والشرعية الداخلية مع تزايد احتمالات الثورة فى الداخل. فمنذ عقود والتحالف الخليجى الأمريكى وفر لهذه الدول قدراً من الضمانة الأمنية إزاء المخاطر الإقليمية، ولم يكن النظام الدولى يعنى بالشئون الداخلية للدول، ولم يكن الجانب الحقوقى قد برز فى الخطاب الدولى، لكن الوضع تبدل إثر الثورات العربية، وجدت الأنظمة نفسها دون حماية ضد الخطر الداخلى، فلاتوجد بنود فى الاتفاقيات الأمنية تقرر دور القواعد العسكرية الأجنبية فى حماية الأنظمة ضد خطر الثورة الداخلية، وأيضا لأن قدرة هذه القواعد عملياً لا تمكنها من تقديم هذه الضمانة. وهكذا وجدت دول الخليج الضمانة الأمنية ضد الخطر الخارجى لكنها فى حالة من القلق تدفعها إلى التغيير الداخلى وبدء خطاب سياسى جديد مع شعوبها، كما بدت الحاجة إلى هيكل أمنى جديد، ومنذ انطلاق الثورات العربية تبحث دول المجلس عن بدائل وضمانات أمنية جديدة تتعامل مع خطر الثورات الداخلية. وتفيد الأوضاع الراهنة لدول المجلس بعدم قدرة المملكة العربية السعودية وحدها على الوفاء بالاحتياجات الأمنية اللازمة لمواجهة ثورات بالخليج، كما أن استمرار وجود قوات درع الجزيرة على أرض البحرين يربط البحرين بحالة دائمة لوجود هذه القوات بها ويجعل جزءا مهما من قوات دول المجلس فى حالة استنفار دائم، دون قدرة على اتخاذ قرار ترحيلها أو سحبها.