فى بلد ينتشر فيه أكثر من 200 مليون قطعة سلاح بين الأفراد، جاءت المجزرة التى شهدتها مدرسة «ساندى هوك» الأمريكية لتثير مخاوف الملايين داخل المجتمع الأمريكى حول مدى فاعلية قوانين حيازة السلاح، ودرجة الأمان التى تحققها مكافحة الإرهاب داخل المجتمع الأمريكى، فى الوقت الذى طرحت فيه تساؤلات عديدة حول الدوافع التى جعلت شابا فى العشرين من عمره يرتكب حادثا يعتبر الأسوأ من نوعه فى تاريخ حوادث القتل الجماعى إذ قتل والدته فى المنزل قبل أن يتوجه إلى مدرسة «ساندى هوك» بولاية كونيتيكت ليقتل 27 شخصا بينهم 20 طفلا تتراوح أعمارهم بين السادسة والسابعة ليقتل نفسه بعدها. والمثير للدهشة أن «آدم لانزا» نشر قبيل إقدامه على ارتكاب جريمته، خطابا على شبكة الانترنت قال فيه: «أنوى الانتحار يوم الجمعة وستظهر صورتى على شاشات التلفاز، تابعوا الأخبار من الساعة التاسعة صباحا» وأرفق لانزا مع خطابه صورة «ايريك هارس» و«دانيل كليبولد» اللذين ارتكبا مجزرة كولومباين. وفى الوقت الذى ندد فيه الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» بالجريمة، ودعا إلى اتخاذ إجراءات فعلية لمنع وقوع حوادث مفجعة، وأمر بتنكيس الأعلام على كافة المبانى الحكومية أربعة أيام حدادا، تظاهر العشرات أمام البيت الأبيض تنديدا بالحادث، وشكك مواطنون أمريكيون فى أن تكون مجزرة ساندى هوك آخر هذه الجرائم، إذ يوجد سجل حافل من الجرائم فى المدارس الأمريكية ومنها مذبحة «ثانوية كولومباين» التى وقعت فى إبريل 1999 بولاية كولورادو، ومدرسة «ويست ساير» فى جونسبورو، ومدرسة لوس أنجلوس. ويقتل شهريا فى المدارس الأمريكية 13 طفلا بيد 13 طفلا آخر. ولم تمض أسابيع قليلة على مقتل 12 شخصا فى حادث إطلاق نار فى سينما بولاية كولورادو، حتى قتل ستة فى معبد للسيخ فى أوك كريك فى ويسكونسن على يد جندى سابق فى الجيش الأمريكى، لتأتى بعد ذلك مجزرة كونيتيكت. ولم تمض سوى ساعات على الحادث الذى أصاب الأمريكان بصدمة حتى أثار مسلح آخر حالة من الذعر فى مركز تجارى بجنوب كاليفورنيا عندما أطلق 50 عيارا ناريا على الأقل فى ساحة لانتظار السيارات خارج المركز إلا أنه لم يصب أحدا بأذى واقتيد المسلح إلى مركز الشرطة لتعود بذلك قضية حيازة السلاح وكل ما يتعلق بها من قوانين إلى الواجهة. والمعروف أن القانون الأمريكى فيما يخص حيازة السلاح يختلف بين ولاية وأخرى إلى حد التناقض، ففى حين يستطيع الفرد فى ولاية تكساس حمل السلاح دون ترخيص، يحظر امتلاك ونقل أية أسلحة هجومية فى كونيتيكت، حيث وقع الحادث الأخير، وهذا يشمل الرشاش الذى عثر عليه فى مكان الحادث. وتؤكد الإحصاءات الرسمية الأمريكية أن أكثر من 30 ألف شخص يموتون سنويا جراء استخدام الأسلحة النارية سواء من خلال القتل أو الانتحار أو حوادث غير مقصودة بمعدل 82 شخصا يوميا، وتشير أرقام وزارة العدل الأمريكية إلى أن عدد الأسلحة النارية فى أيدى الأفراد العاديين تبلغ أكثر من 200 مليون قطعة سلاح والعدد يتزايد بواقع عدة ملايين من قطع الأسلحة الفردية كل عام. وكان هناك نص أقر عام 1993 من الكونجرس باسم قانون برادلى فرض التدقيق فى السوابق الإجرامية والعقلية قبل بيع أى سلاح إلا أن 40% من مبيعات الأسلحة لا يشملها القانون، لأنها تجرى بين أفراد على مواقع إلكترونية تقوم بدور وساطة بين شخصين ولا يطال القانون سوى التجار الذين يملكون تصريحا بهذه التجارة. ومن عام 1994 إلى 2004 منع قانون فيدرالى إنتاج وبيع أسلحة هجومية فردية إلا أن الكونجرس لم يمدد النص بعد ذلك، ولكن بعد ساعات من وقوع مجزرة «ساندى هوك» تعالت الأصوات المطالبة الرئيس باراك أوباما بتشديد القوانين المتعلقة ببيع السلاح فى الولاياتالمتحدة، ودعا مشرّعون ديمقراطيون إلى تحرك جديد لفرض قيود على حمل السلاح فى الولاياتالمتحدة والتى من شأنها أن تواجه بمعارضة شديدة من الكثير من الجمهوريين الذين يرون أن القيود تنتهك الحق فى حمل السلاح بموجب الدستور الأمريكى، حيث لم يوافق المشرّعون الأمريكيون على أى قانون جديد يتعلق بالأسلحة منذ 1994. وفى حين تحاول الولاياتالمتحدة محاربة الإرهاب خارجيا تغض الطرف عن الإرهاب الداخلى الذى شهد تصاعدا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، حتى بات متأصلا فى سلوك أفراد المجتمع الأمريكى، حيث تؤكد الدراسات والأبحاث على انتشار المليشيات والمنظمات العرقية والإرهابية بصورة ملحوظة والتى تقوم بتدريب أعضائها على السلاح والذخيرة الحية وأحيانا بعلم السلطات المحلية التى تغض الطرف خوفا من المشاكل مع هذه الميلشيات، حيث إن لهذه الجماعات دورا فعالا فى تزايد أعمال العنف والإرهاب، ففى لوس أنجلوس وحدها توجد 800 عصابة تضم فى عضويتها 90 ألف خارج عن القانون، ويتواجد فى 113 مدينة على امتداد 32 ولاية أمريكية وكلاء للعصابتين الأشهر فى كاليفورنيا «بلوودس» و«غريبس»، ويقترف سنويا 3 ملايين عمل إجرامى من كل الأنواع فى المؤسسات التعليمية الأمريكية، ويقتنى أكثر من 270 ألف طالب فى المدارس المتوسطة والثانوية أسلحة نارية، ويقتل كل شهر بالأسلحة ما معدله 1468 طفلا تقل أعمارهم عن ثمانية عشر شهرا، وفى سنة 1991 قتل الإرهاب الداخلى الأمريكى 38317 شخصا وجرح 175 ألفا آخرين. ومع كل هذه الحوادث والخلل الموجود بالداخل وحين يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين سرعان ما يوصم الفعل بالإرهابى، وهو ما أكده الهجوم الذى حدث فى 2010 بطائرة خاصة على مبنى الضرائب بولاية تكساس الأمريكية عندما قام أمريكى ويدعى «جوزيف أندرو ستاك» بصدم المبنى بطائرته الخاصة، مما أدى إلى إحراق بناية ضخمة التهمتها النيران شبهها المشاهدون للحادث وهم يرون الدخان المتصاعد بأنه نسخة طبق الأصل من هجمات 11 سبتمبر2001 فى الوقت الذى سارع فيه المسئولون باستبعاد أن يكون الهجوم إرهابيا لأنهم علموا أن الطيار الذى فجر طائرته بمبنى الضرائب كان أمريكيا رغم أن منفذ العملية نشر بيانا على الانترنت صب فيه غضبه على الحكومة الأمريكية بطريقة تشبه تماما الطريقة التى يهاجم بها تنظيم القاعدة الولاياتالمتحدة من خلال بياناته المكتوبة والمسموعة.