بدا المشهد السياسى الكويتى معقدًا فى نظر الكويتيين، وكذلك من هو معجب ومتابع للتجرية الكويتية، فالانقسام بين معظم القوى السياسية التى قاطعت الانتخابات البرلمانية، وبين الحكومة والقيادة الكويتية، وغياب المعارضة لأول مرة عن الوجود فى البرلمان الكويتى يعنى أن الكويت تمر بأزمة سياسية. وقد وجد الناخبون الكويتيون أنفسهم أمام استحقاق برلمانى بالذهاب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمانهم، للمرة الثانية هذا العام، ويحق ل 422569 ناخبًا وناخبة التصويت لاختيار مرشح واحد فقط من بين 307 مرشحين تنافسوا فى الدوائر الانتخابية الخمس، على أن يمثل كل دائرة الحاصلون على المراكز العشرة الأولى. ويذكر أن عدد الناخبين الذكور يبلغ 196754 بنسبة 46.56 فى المائة، وعدد الناخبات 225815 بنسبة 53.43 فى المائة. وفى وقت تؤكد فيه المعارضة نجاح حملة المقاطعة أعلنت وزارة الإعلام أن نسبة المشاركة فى الانتخابات بلغت 36.6 فى المائة. وأعلن رئيس «اللجنة الوطنية للانتخابات» المستشار أحمد العجيل أن نسبة المشاركة فى الاقتراع بلغت 39.3 فى المائة، وهو رقم رفضته المعارضة التى قالت إن النسبة الحقيقية كانت 26.7 فى المائة، وأن البرلمان الجديد لا يحقق التمثيل الشرعى للشعب الكويتى. غياب العوازم ومطير وبقراءة نتائج الانتخابات فإن المقاطعة ألقت بظلالها على تركيبة المجلس الجديد، فقد حدث تغيير كبير شمل الوجوه النيابية فى معظم الدوائر باستثناء الدائرة الأولى التى عاد 70% من نوابها السابقين إلى مقاعدهم. وأفرزت نتائج الانتخابات عدم وجود أى تمثيل نيابى لأكبر قبيلتين فى الكويت، وهما قبيلة مطير وقبيلة العوازم، حيث تمثل نسبتهما 18 فى المائة من الشعب الكويتى، وذلك لمقاطعتهما للانتخابات. كما عادت النساء بقوة إلى البرلمان بحصولهن على 3 مقاعد بعد تغيبهن تمامًا عن مجلس الأمة الذى انتخب فى فبراير الماضى. وكذلك لم ينجح من النواب الإسلاميين سوى 6 أعضاء، علمًا بأن عددهم فى المجلس السابق أكثر من عشرين نائبًا. الثلث للشيعة الرابح الأكبر فى هذا المجلس هم الشيعة، فقد نجح الشيعة فى تحقيق نتائج كبيرة حيث حصلوا على 17 مقعدًا يمثلون 34 فى المائة من جملة عدد أعضاء مجلس الأمة الخمسين. وبهذه الحصيلة يزيد الشيعة عدد نوابهم فى هذا المجلس للضعف بعدما فاز 9 نواب فى برلمان 2009 بنسبة 18 فى المائة. هذا التقدم الملحوظ للشيعة على مستوى الدوائر الانتخابية الخمس، جعلهم يشكلون الكتلة الكبرى فى تاريخ المشاركة الشيعية فى الانتخابات البرلمانية، وهو ما سينعكس على تركيبة الحكومة المقبلة، وهو ما أكده النائب صالح عاشور بقوله: «على الحكومة قراءة نتائج الانتخابات قراءة واعية». الحكومة الجديدة من جهة أخرى قبل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح استقالة الحكومة فى خطوة تهدف إلى إفساح المجال لتشكيل حكومة جديدة. وبموجب الدستور لابد من تشكيل حكومة جديدة قبل الجلسة الأولى للبرلمان الجديد والتى لابد أن تبدأ خلال أسبوعين من الانتخابات، وقد تقرر أن يبدأ البرلمان أولى جلساته يوم 16 ديسمبر الحالى. وقد بدأ الأمير المشاورات التقليدية التى تسبق تكليف رئيس الحكومة الجديدة ويلتقى رؤساء الحكومة والبرلمان السابقين. ومن المتوقع أن يعيد الأمير تكليف رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك الصباح، من باب الحرص على استقرار منصب رئاسة الحكومة، ولكن الشيخ جابر من أقرب أقطاب الأسرة الحاكمة إلى المعارضة لكن التشكيلة البرلمانية الجديدة يغلب عليها الموالاة لرئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح. صفحة جديدة وبعد أن طويت صفحة الانتخابات بما لها وما عليها، شارك من شارك وقاطع من قاطع، فالفائز يجب أن يكون الشعب الكويتى ودولة الكويت، فالمهم أن يعى أعضاء مجلس الأمة أهمية المرحلة الحالية وخطورتها على مستقبل الكويت، ويجب أن يكون الجميع على مستوى المسئولية بعيدًا عن التقسيمات والتحالفات التى كرستها المجالس السابقة، وأصبح أمام هذا المجلس أن يكرس ثقافة المواطنة الحقة وهى مهمة ليست مهلة مالم يعى أعضاء المجلس دورهم الحقيقى ويعملوَا مجتمعين من أجل الكويت التى مزقتها المجالس السابقة، أيضًا شكل الحكومة الجديدة مهم جدًا فى المرحلة المقبلة، فقد ساهمت حكومات المحاصصات والترضيات فى تعطيل حركة التنمية، فالكويت الآن فى حاجة لتشكيل حكومة قوية متضامنة تتجاوز أخطاء الحكومات السابقة وتتبنى مشاريع التنمية. والمعارضة أصبحت الآن فى الشارع وليس فى البرلمان، وأصبحت حركة الشباب وتطالب بإصلاحات سياسية ورفع سقف مطالبها وصولًا إلى «حكومة برلمانية». المعارضة تعتقد أن أمامها فرصة يجب أن تستغلها، لكنها أيضًا فرصة للحكومة كى تجرى مراجعة عميقة لمفاهيمها وأساليبها، والفرصة سانحة للحكومة فى وجود مجلس متعاون معظمة من الوجوه الجديدة والكفاءات الواعدة، وهو ما يبشر بالخير ويدعو للتفاؤل بتحريك المياه الراكدة لسنوات.