تبدو أهمية تناول ملف الاقتصاد السرى.. أو الأسود.. أو الموازى فى هذا التوقيت،نظرا لتراجع أداء الاقتصاد المصرى بشكل كبير خلال الفترة الماضية التى أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير على خلفية عدم استقرارالأوضاع السياسية فى البلاد. وعلى الرغم مما يدعيه بعض ممارسى هذا النوع من الاقتصاد، من أنه أحدث توازنا ومنع السوق من الانهيار منذ العام الماضى، إلا أنه يشمل العديد من الأنشطة غير المشروعة كتجارة السلاح والمخدرات وغسيل الأموال والدعارة وغيرها بخلاف العديد من الأنشطة غير المقننة كالدروس الخصوصية والباعة الجائلين، وهو ما يهدد الاقتصاد الرسمى. «أكتوبر» فىهذا العدد تفتح الملف الشائك، لترصد مخاطر هذا الاقتصاد وحجمه وتأثيره، خاصة وقد أشار خبراء إلى أن حجم هذا الملف يكاد يقترب - إن لم يتخط - حجم الاقتصاد الرسمى.فى البداية قال المفكر الاقتصادى هيرناندو دى سوتو، رئيس مؤسسة بيرو للحرية والديمقراطية، والخبير الاقتصادى العالمى فى ندوة تحت عنوان: تطوير منظومة الاقتصاد الموازى «غير الرسمى» أو الأسود كما هو متعارف عليه بمصر، إن الاقتصاد المصرى يفقد الكثير من قيمته بسبب عدم تسجيل كل النشاطات الاقتصادية والتجارية، مشيرا إلى أن حجم الاقتصاد غير الرسمى فى مصر يصل إلى 395 مليار دولار وأن تنظيمه يمكن أن يوفر تمويلا كبيرا لتعظيم موارد الدولة، بشكل يغنيها عن القروض الخارجية. وقال إنه من واقع دراسته للاقتصاد غير الرسمى فى مصر، اكتشف أن 8% فقط من العقارات فى مصر هى الموثقة بشكل صحيح، وأن أغلب العقود غير مسجلة قانونيا، كما أن 82% من الشركات التجارية والصناعية غير موثقة لدى الحكومة بشكل صحيح، مشيرا إلى أن مشكلة البناء على الأراضى الزراعية مخيفة جدًا بالإضافة إلى تقنين أوضاع 25 مليون مصرى يعيشون فى منازل غير مسجلة قانونيا وفى العشوائيات صعب أيضا. ولفت إلى أن نشاط نمو العقارات يبلغ فى الحقيقة ضعف البيانات المسجلة لدى الحكومة، مضيفا أن تقدير قيمة الإسكان والأراضى فى مصر 347 مليار دولار تقريبا. مطالبا بتغيير ثقافة المصريين تجاه التعامل مع الوثائق، حيث إن عمليات البيع والشراء التى تتم بطريقة عرفية أكثر منها قانونيا، مما يضيع على الدولة موارد كثيرة. وشدد دى سوتو على أن عملية دمج الاقتصاد غير الرسمى فى المنظومة الاقتصادية المصرية يحفظ حق الفقراء، ويعمل على تمكينهم فى المجتمع بتوفير الحماية القانونية لهم لممارسة نشاطاتهم التجارية، ولا يعنى تنظيم الاقتصاد العشوائى استهدافه بالمزيد من الضرائب، وإنما تسهيل الإجراءات الإدارية والمالية بالغة التعقيد، وأشار إلى أن إجراءات ترخيص مخبز فى مصر قد تصل إلى شهرين وتتطلب أموالا كثيرة، ما يدفع الكثير من ممارسى النشاط إلى عدم ترخيصه وتفضيل العمل بشكل غير رسمى. وفيما يتعلق بمشكلة الباعة الجائلين، قال دى سوتو: لابد من استراتيجية للاعتراف بهم وتوفير بدائل آمنة لهم بها كافة المرافق، والحكومة المصرية عليها أن تصل إلى صيغ تعاقدية تحفظ حقوق الفقراء وتشجعهم على تسجيل نشاطاتهم التجارية وممتلكاتهم، وجعلها أقل كلفة. وذكرت دراسة أعدها معهد الحرية والديمقراطية الأوروبى عام 2004 (ولم يلتفت لها أحد بالطبع) أن الاقتصاد السُفلى المصرى هو أكبر «صاحب عمل» فى مصر. فالقطاع الخاص يوفر 6.8 مليون فرصة عمل، بينما يّوظف القطاع العام 5.9 مليون شخص، فى الوقت الذى يعمل 9.6 مليون شخص خارج الإطار القانونى. ولا يملك 92 فى المائة من المصريين مستندات ملكية رسمية. وقدرت الدراسة قيمة التبادلات والملكيات غير الشرعية فى مصر كلها، فى القرى والمدن، ب 248 بليون دولار، أى 30 مرة أكثر من قيمة سوق الشركات المسجلة فى بورصة القاهرة، و55 مرة أكثر من قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى مصر منذ حملة نابليون. واليوم، تبلغ قيمة هذه الأصول المالية الخارجة على إطار الاقتصاد الرسمى نحو 400 بليون دولار. واتهمت الدراسة النظام القضائى الذى وصفته بالثقيل بأنه السبب فى لجوء معظم المصريين للعمل خارج إطار قانونى. سوق السلاح الأكثر رواجا تعد تجارة السلاح واحدة من أهم روافد الاقتصاد السرى فى مصر.. وفى جولة ل«أكتوبر» على الحدود المصرية الليبية حيث تنتعش تلك التجارة؛ قال لنا مهربون لايمكننا الكشف عن أسمائهم إن هذا النوع من التجارة انعش حالة الركود الموجودة فى مصر بعد الثورة، وأن سوق السلاح بالإسكندرية، والساحل الشمالى هو السوق الأكثر رواجا بعد سوق المخدرات وهو ما أدى بدوره إلى رواج سوق «العملة». وأضاف المهربون أنه على الرغم من عدم وجود سيولة بالسوق المصرى إلا أن المتعاملين بالسلاح القادمين من الخارج لديهم السيولة المالية الأجنبية اللازمة لتحريك الركود بالسوق السوداء.. مشيرا إلى أن تجارة السلاح نشطت بشكل ملحوظ فى أعقاب حالة الانفلات الأمنى ورغبة الكثيرين فى الحصول على أسلحة للحماية الشخصية أو لأغراض أخرى كالبلطجة وأعمال السرقة. حجم الاقتصاد السرى وقد أشار الخبير الاقتصادى د.أسامة الفولى أستاذ الاقتصاد بكلية حقوق الإسكندرية وعميد الكلية الأسبق إلى أن ظاهرة الاقتصاد الأسود أو الاقتصاد السرى هى ظاهرة متأصلة فى مصر، وإن كان حجمه قد زاد فى الفترة الأخيرة. وأضاف أن الاقتصاد السرى يشمل مجالات متعددة ومتشعبة أبرزها الأنشطة المشروعة، ولكنها غير مقننة مثل الشركات الصناعية والتجارية غير الموثقة، والباعة الجائلين والتهريب والعقارات غير الموثقة، والمحلات التجارية غير المسجلة، وكل هذه الأنشطة تعمل بعيدا عن رقابة الدولة وبعيدا عن دعم الدولة أيضا، وهذه الأنشطة تمثل مخاطر متعددة للدولة أولها أنها موارد ضائعة لأن هذه الأنشطة كلها غير مسجلة، وبالتالى فهى لا تدفع أية ضرائب، كما أن هذه الأنشطة تسبب عدم انتظامية النشاط فى السجلات الرسمية الأمر الذى يفرض صعوبة على المخطط، فبسبب عدم تسجيل تلك الأنشطة لا تكون هناك إحصائيات حقيقية للعمالة ومستوى الدخل وتوزيعه بين الطبقات المختلفة والمناطق المختلفة، كما أن هذا النشاط السرى يؤصل ويرسخ مفهومًا عند المواطن مؤداه أنه يعمل دائما فى غيبة القانون والمظلة الرسمية، وبالتالى يغرى ذلك الوضع من يعمل بشكل قانونى لكى يمارس نشاطه أيضا بشكل غير قانونى. وأضاف د.أسامة الفولى قائلا إن غياب النشاط السرى عن أعين الرقابة يتسبب فى مخاطر بالغة، فعلى سبيل المثال مصانع «بير السلم» تسيطر على 70 % من صناعة الغذاء فى مصر وخاصة صناعة اللحوم مع ما يسببه ذلك من أضرار صحية، وكذلك صناعة سوائل التنظيف والتى يستخدم فيها مواد كيماوية فى غاية الخطورة. وأيضا هناك مخاطر أخرى يسببها هذا الاقتصاد السرى للتجار الذين يعملون تحت المظلة الرسمية، فالتاجر فى الشوارع التجارية الكبيرة لا يستطيع تحديد سعر المنتج لأن هناك بائعاً متجولاًيجلس أمامه على الرصيف ويشوه من هيكل التكاليف والتسعير، وللأسف فالمستهلك العادى يشجع ذلك وينظر إلى السعر دون النظر إلى جودة المنتج ولا يهمه تدنى الجودة، وهو ما يؤدى فى النهاية إلى قتل الجودة والحرص عليها فى المجتمع، ويقلل من الحرص على الكفاءة ويشوه عمل السوق، وللأسف فمعايير الجودة التى وضعتها هيئة التصنيع لكل الصناعات لا تلتزم بها مصانع «بير السلم». وأشار د.أسامة إلى أن الاقتصاد السرى أو الأسود مثلما يضر اقتصاد الدولة ويسبب مخاطر للمستهلك فهو أيضا يسبب أضراراً جمة لممارس هذا النشاط أيضا، فكما يحرم هذا الاقتصاد الدولة من رسوم التراخيص والضرائب والجمارك فهو يحرم الصانع الصغير من دعم الدولة ومن حماية الدولة أيضا، فصاحب المنشأة حتى لو كانت صغيرة لو كان يعمل خارج المظلة الرسمية لو ابتكر شيئا جديداً فى صناعته وقام مصنع كبير بسرقة ابتكاره فلن يحميه، كما أن الصناع الذين لديهم مهارات كبيرة يحرمون أنفسهم من الدخول تحت المظلة الرسمية ومن الاستفادة، مما تقدمه الدولة من دعم للصناعات الصغيرة ومن القروض الميسرة التى تقدمها البنوك لهم، فالجهاز المصرفى لا يتعامل مع منشآت غير مقننة، كما يحرمون أنفسهم من فرص التصدير فى حالة تميز المنتج ومن إمكانيات صندوق دعم الصادرات، وكذلك يضطر من يعمل فى هذا النشاط إلى الخضوع لابتزاز ضعاف النفوس من موظفى المحليات وغير المحليات الذين لا يورطون هذا الصانع أو البائع فى حلقة لا تنتهى من الرشاوى حتى ييسروا لهم ممارسة عملهم. أما الاقتصاد الأسود، كما أوضح الفولى فهو مجموعة من الأنشطة غير المشروعة ومنها تجارة المخدرات وتجارة السلاح وغسيل الأموال وتجارة البشر أيضا سواء كانت تجارة الأعضاء البشرية أو شبكات الدعارة أو السمسرة والوساطة فى زواج القاصرات، أو شبكات تسفير الشباب إلى الخارج بشكل غير مشروع، وهذه الأنشطة لابد من التعامل معها بشكل أمنى حاسم، بالإضافة إلى الحل الاجتماعى، فالمخدرات لم تعد هى الحشيش والبانجو.. بل إن هناك حاليا أقراص الترامادول الذى يدخل البلاد بكميات هائلة نظرا لعدم وجود أمن ورقابة كافية خاصة بالموانى والمطارات. وأشار الفولى إلى أن أنشطة الاقتصاد السرى التى قد تكون مشروعة، ولكنها غير مقننة تتطلب اتخاذ عدة إجراءات، وأهمها تخفيض معدل الضرائب وإلغاء كافة الإعفاءات الضريبية، وبهذه الطريقة يمكن أن نوسع من المجتمع الضريبى، فبدلا من أن يكون المجتمع الضريبى صغيرًا وحجم الضرائب صغيراً ونرفع السعر، نجعل المجتمع الضريبى كبيراً والضريبة صغيرة والسعر أيضا صغيراً، ولكن سيدفع الكل لان الضرائب ستكون غير مرهقة، مع ضرورة إعادة النظر فى إجراءات استخراج التراخيص وإجراءات مزاولة النشاط، والرقابة ،وإجراءات إنهاء النشاط، مع إعادة النظر فى قيود الارتفاعات، لأنها السبب الرئيسى فى مشكلة البناء المخالف، فالتعقيدات فى كل هذه الإجراءات سبب رئيسى فى رفض الناس أن تندرج تحت مظلة الاقتصاد الرسمى، مطالبا بوضع مشرّع اقتصادى إلى جوار القانونى عند صياغة القوانين الاقتصادية. غسيل الأموال وقال اللواء فاروق أبو العطا مساعد وزير الداخلية الأسبق والخبير فى جرائم غسيل الأموال والجرائم الاقتصادية وفى الجريمة المنظمة هناك من أصحاب الياقات البيضاء وكبار المسئولين يعملون فى غسل الأموال التى تتدفق من مصادر غير مشروعة وأهمها المخدرات والمضاربات وتجارة العملة والسلاح.. وهذا الاقتصاد السرى أو الخفى يضر بالاقتصاد القومى وله آثار اقتصاديةواجتماعية وسياسيةودولية تساعد فى تدمير الاقتصاد الوطنى، مطالبا الدولة بمواكبة التطور التكنولوجى والوسائل الحديثة التى يتم بها غسل الأموال القذرة التى تأخذ أساليب متعددة. وأوضح اللواء فاروق أبو العطا أن حجم الأموال القذرة فى العالم يتجاوز 3تريليونات دولار أى ما يعادل 8% من حجم التجارة الدولية و5% من مجموع الناتج العالمى. مشيرا إلى أن أحدث طرق ووسائل وأساليب غسيل الأموال القذرة تتضمن: تهريب الأموال ونقلها من بلد إلى بلد آخر بالوسائل التقليدية بواسطة حقائب السفر أو داخل الملابس الشخصية أو فى أماكن سرية فى وسائل النقل المختلفة البرية والبحرية والجوية أو نقل الأموال بواسطة البريد والبريد السريع والطرود البريدية وتهرب الأموال أحيانا بالطائرات لنقل العملات النقدية بالأطنان والشاحنات والمقطورات عبر الحدود الوطنية فى أماكن خفية تشبه إلى حد كبير أساليب إخفاء المخدرات. إضافة إلى الاحتيال فى تهريب الأموال من خلال الجمارك والشركات الوهمية أو الصورية أو شركات الواجهة مثل استخدام اسم أشخاص وهميين فى تسجيل الشركات مما يتيح لها نقل الأموال. واستخدام النظام المالى غير المصرفى مثل الحوالات البريدية وشراء أوامر الدفع أو صرف الشيكات البنكية والسياحية وشركات الصرافة وشركات بيع الأسهم والأوراق المالية، وكازينوهات القمار، والمضاربة بتسجيل العقارات والأراضى وهى مضاربة صورية، وشراء الأشياء الصينية مثل الأحجار الكريمة العتيقة وغيرها. وأوضح أبو العطا الآثار السلبية لعملية غسيل الأموال من الناحية الاقتصادية والتى تتضمن: خفض قيمة العملة فى الدولة التى تمارس فيها تلك العملية مما يؤدى إلى زيادة حجم التضخم وعجز ميزان المدفوعات وتعرض أسواق المال والبورصات لأزمات قد تؤدى لانهيارها، وفساد المناخ الاستثمارى ونشر الاحتكار، والإضرار بسمعة الدولة، وانتشار البطالة نتيجة تهريب جزء كبير من الدخل القومى للبلاد إلى الخارج وانتشار عصابات الإجرام المنظمة والسيطرة على مواقع اتخاذ القرار، إضافة إلى الآثار السلبية من الناحية السياسية والتى تتمثل فى تسلل أصحاب رؤوس الأموال القذرة إلى المجالس النيابية والمحلية للحصول على الحصانة؛ لسن القوانين التى تناسب مصالحهم غير المشروعة. ومن الناحية الدولية فإن غسيل الأموال يحدث اضطراباً فى الأسواق العالمية نتيجة المضاربات مما يؤثر على الكيان الاقتصادى العالمى ويضر بالدولة النامية والصغيرة. كما أن الأموال التى تستخدم فى مساندة الإرهاب تنشأ من مصادر غير مشروعة وأنشطة اجرامية ومنها – الجمعيات الخيرية وجمع التبرعات. ويرى طارق محمود المحامى بالنقض الدستورية أن أحدث أنواع التجارة غير المشروعة مؤخرا هى تجارة تهريب الذهب المشغول من جانب الدخلاء على مهنة تجارة الذهب والذين عادة ما لا يلتزمون بالقانون. ومن الدول التى يتم تهريب الذهب منها دولة الإمارات. ويتم ذلك بأن يتفق التاجر المورد على كمية من الذهب المشغول يتم تهريبها لحسابه ويقوم بسداد كامل المبلغ بالإمارات ثم يقوم باستلام المشغولات الذهبية التى اتفق عليها. وتتم هذه الأمور عن طريق تشكيلات عصابية منظمة للغاية ، إلى جانب أنه وبعد سقوط النظام فى ليبيا، فقد ازدادت عمليات تهريب السبائك الذهبية المسروقة من الاحتياطى الليبى المودع فى البنك المركزى لتصل إلى مصر عبر طرق تهريب المخدرات والسلاح بخلاف تهريب كميات كبيرة من الماس من الهند وجنوب أفريقيا سنويا تفوق الخمسة مليارات دولار، ويقوم بهذه العمليات أفراد مدربون جيدا وتديرها عصابات منظمة. الاقتصاد الخفى وقال د.حسن محمد حسن أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإسكندرية إن الاقتصاد الخفى هو مجموعة الأنشطة التى تقوم على إنتاج وتبادل السلع والخدمات بعيدا عن التعاملات الرسمية ومنها؛ أنشطة تجارة المخدرات وألعاب القمار والدعارة ومن أخطرها وأشدها وطأة على المجتمع؛ تجارة البشر وتجارة السلاح، موضحا أن دائرة الاقتصاد الخفى تتسع وتضيق بحسب درجة اهتمام كل دولة بإضفاء الصبغة القانونية على بعض الأنشطة الاقتصادية أو نزع هذه الصفة عنها. لذلك فإننا نجد أن بعض الأعمال مثل، تجارة البشر لا تعد مشروعة فى دولة كالولايات المتحدةالأمريكية فى حين أنها تعد مشروعة فى دولة أخرى مثل موريتانيا. أضاف حسن: يقترن عديد من الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة ببناء الاقتصاد الخفى لتيسير عمل هذا الاقتصاد ولضمان فاعليته مثل، الرشوة والابتزاز وأعمال العنف، فكل هذه الأنشطة ضرورية لنجاح الأنشطة الاقتصادية الخفية. ويؤدى ازدهار الاقتصاد الخفى إلى انتشار الفساد السياسى، حيث تتضافر مصالح السياسيين مع منافع المهيمنين على الاقتصاد الخفى، وهم فى أغلب الأحيان من نخب المجتمع ممن يتمتعون بالحماية الأمنية والسياسية، وتتم الصفقات المشتركة بين الطرفين ليكون تيسيير صفقات الاقتصاد الخفى فى مقابل التأييد السياسى للنظام والقائمين عليه. وتتضافر جهود الأجهزة التنفيذية والهيئات التشريعية فى عديد من الدول للعمل على الحد من اتساع مجالات الاقتصاد الخفى وذلك بنزع الصفة القانونية عن بعض تلك الأنشطة مثل، تجارة الأدوية والحبوب ذات التأثير المخدر والتى تروج بين الشباب وتباع لهم بأضعاف ثمنها الحقيقى. فتقوم الجهات التشريعية بإضافة تلك الأدوية الى الجداول القانونية للمواد المخدرة ومن ثم يصبح الاتجار بها على نطاق واسع جريمة يعاقب عليها القانون. ويرمى مثل هذا الإجراء إلى حرمان الأطباء والصيادلة ممن يتجارون فى هذه الأصناف من الأرباح الهائلة التى يحققونها من ترويج هذه الحبوب بين الشباب. وأضاف: يتبين لنا من المقارنة بين الاقتصاد غير الرسمى والاقتصاد الخفى وجود خصائص متشابهة بين هذين النوعين من قطاعات الاقتصاد. من ذلك على سبيل المثال أن كلا منهما لا يخضع للقواعد الرسمية المنظمة للنشاط الاقتصادى وخاصة تلك التى تستوجب ضرورة الحصول على تراخيص معينة لمباشرة النشاط وتفرض الالتزام بإمساك الدفاتر ودفع الضرائب وتسجيل العاملين وتوفير التأمين الاجتماعى والصحى لهم وتحديد مستوى عادل من الأجور مقابل جهودهم والالتزام بغير ذلك من القوانين المطبقة والمعمول بها فى المنشآت الاقتصادية الرسمية الأخرى فى الدولة. بعبارة أخرى أن ما تتميز به المنشآت الاقتصادية غير الرسمية والخفية هو عملها بعيدا عن رقابة الدولة. فضلا عن ذلك، يستوعب كل من هذين القطاعين أعدادا ضخمة من أفراد القوى العاملة، ممن لا تتوافر عنهم إحصاءات رسمية، ويحول ذلك الوضع دون نجاح الدولة فى تقدير عدد أفراد القوى العاملة بها وتقديره تقديرا سليما ويقف عقبة أمام وضع سياسات اجتماعية فعالة لرعاية أولئك الأفراد. وتتسبب الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية فى حرمان المالية العامة من الحصول على مبالغ طائلة من الضرائب التى تستخدم فى تمويل المشروعات العامة وفى تنمية اقتصاديات المجتمع، ولذلك يعد ازدهار هذا القطاع مؤشرا على سوء العلاقة بين المواطن والحكومة. أضاف أنه فى فى كل الأحوال يجب أن نعترف أن هناك تكاملاً بين الاقتصاد الخفى وقطاعات الاقتصاد الأخرى فى المجتمع، وخاصة بينه وبين القطاع العام والقطاع الخاص الرسميين. ولذلك على الحكومة تتبع المستفيدين بأنشطة هذا الاقتصاد وتأكيد الالتزام بتطبيق القوانين واللوائح التى تنظم الحياة الاقتصادية والاجتماعية وخاصة تلك التى تتعلق بعمالة الأطفال والنساء وبضرورة توفير الحماية الاجتماعية والصحية لهم. فضلا عن ضرورة فرض الحكومة سيطرتها على المنافذ الجمركية للدولة ومراقبة آليات إبرام وتنفيذ العقود الاقتصادية وخاصة تلك التى بين الجهات الحكومية والمؤسسات الخارجية. أوضح أن أهم الإجراءات التى تساعد على مواجهة الاقتصاد الخفى هى زيادة وعى المواطنين بالمخاطر والتكلفة التى يواجهها ويتحملها المجتمع والناتجة عن وجود ذلك الاقتصاد. وتتضمن هذه الإجراءات أيضا، توعية المواطنين بضرورة رفض العمل فى المؤسسات التى تمارس أنشطة اقتصادية غير قانونية وعدم التعاون مع تلك التى لا توفر لهم أوجه الحماية والرعاية الاجتماعية. لا يمكن للحكومات التصدى للاقتصاد السرى منفردة.. بل يتطلب تعاون كافة أجهزة الدول من مخابرات وجيش وشرطة ونظام قضائى لتحقيق النجاح لمثل هذه الظاهرة. مع حل المشاكل ذات الجذور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية العميقة بالاعتماد على التقنيات الجديدة، وتدريب الأفراد على كيفية استخدامها. تجارة الآثار من جانبها، تشير د.نجلاء حرب مدرس اقتصاديات السياحة بكلية السياحة والفنادق بالإسكندرية إلى أن حصر الحجم الفعلى للاقتصاد الموازى والخفى فى قطاع السياحة والفنادق يبدو أمرا شديد التعقيد نظرا لتعدد الأنشطة والخدمات السياحية، وكذلك الأنشطة المغذية لها ويمكن أن يشمل الاقتصاد الموازى كل الدخول التى يتم تقديرها بأقل من قيمتها الحقيقية سواء فى الفنادق أو المطاعم أووكالات السياحة أو قطاع النقل والمواصلات والتى لا يمكن إخضاعها للرقابة المستمرة كما يشمل الدخول التى لا يتم تسجيلها مثل بعض الخدمات الإضافية التى تقدم للسائحين فى الفنادق أو المطاعم أو وكالات السياحة أو قطاع النقل (خاصة دخول أصحاب التاكسى، والحنطور، والخيول... إلخ). وكذلك أنشطة بيع السلع والعاديات السياحية غير المرخصة، وشركات تنظيم الرحلات السياحية ووسطاء السفر غير المرخصة والتى يعمل الكثير منها من خلال شبكة الإنترنت أو داخل الفنادق. وكذلك سماسرة تأشيرات الحج السياحى والعمرة الذين يعملون دون تراخيص ويدعون أنهم يعملون كوسطاء لشركات سياحية بعضها حقيقى وأغلبها وهمى ويحققون أرباحا خيالية خاصة فى ريف مصر وصعيدها وتحاول وزارة السياحة بشتى الطرق التصدى لهم. ومن أهم بنود الاقتصاد الموازى فى السياحة على الإطلاق والتى تسعى العديد من الدول لتقنينها هى إقامة السائحين فى الشقق المفروشة، حيث يفضل نحو 70% من السائحين العرب الإقامة فى الشقق المفروشة وهى غير مسجلة بالطبع فى مصر. ويمكن أن يشمل أيضا الأنشطة غير المشروعة وأهمها على الإطلاق تجارة العملات فى المناطق السياحية وتجارة الآثار الأصلية، بالإضافة إلى الملف الشائك الذى أصبح يهدد سمعة مصر كمقصد سياحى له قيمته وهى أنشطة الدعارة، تحت لافتة السياحة الجنسية بهدف المتعة. وفى تقرير من الخارجية الأمريكية نشر فى عام 2011 صنٌف مصر كواحدة من الدول المصدرة للبشر من المستوى المتوسط بهدف الاستغلال الجنسى للأطفال، ويصف التقرير مصر بأنها مصدر ومحطة انتقال ومقصد للسياحة الجنسية للنساء والأطفال، ووفقا للتقرير تتركز السياحة الجنسية فى بعض المحافظات السياحية الكبرى وأهمها القاهرةوالإسكندريةوالأقصر، حيث يأتى السائح بهدف المتعة الجنسية، ففى الأقصر على سبيل المثال تنتشر حالات زواج الشباب المصرى من السائحات الأجنبيات فوق الخمسين عاما وتوجد العديد من المراكز لتوطن السائحين حوض الرمال، والمستثمر وعزبة باسيلي فى البر الغربى بالأقصر وأصبح هذا نمطا سياحيا للسياحة فى الأقصر، كما تنتشر ظاهرة الزواج المؤقت للفتيات المصريات الصغيرات من الأثرياء العرب وأهم مراكزها الحوامدية التابع لمحافظة الجيزة حيث تعقد صفقات الزواج حتى زواج اليوم الواحد السياحى بشكل علنى ويوجد سماسرة للزواج هناك. المشروعات غير الرسمية قال د.على جلبى أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإسكندرية إن فكرة القطاع غير الرسمى تتناقض فى جوهرها مع توجهات الدولة المركزية التى تريد أن تبسط قبضتها على كل تك الأنشطة الاقتصادية وإن كانت تدعى إيمانها بحرية التملك وحرية العمل وإذا كانت الدولة قد أرخت قبضتها على التنمية الرأسمالية فإنها تتردد كثيرا فى القيام بذلك بالنسبة لصغار المستثمرين من الفقراء وعلى ذلك فإن القطاع غير الرسمى وازدهاره يتطلب من الدولة أن تمنحه الفرصة للعمل تحت نفس الشروط السياسية والاقتصادية التى يعمل فى ظلها القطاع الرسمى، كما أنه لا توجد سياسة رسمية محددة تبين أسلوب تعامل الدولة مع القطاع غير الرسمى إذ لا تقوم الدولة بأى دور نحو تشجيع العاملين فى هذا القطاع ولا توفر لهم التأمينات الضرورية اللازمة لحمايتهم وبذلك فإنها تتخلى عن الالتزام نحو أولئك العاملين، حيث إن القطاع الرسمى ليس مجرد ملاذ للمتعطلين الذين لا يجدون فرصة عمل خارجة فحسب وإنما هو مصدر دخل أعلى من المرتب الذى يتسم بالضآلة والجمود وفى هذه الحالات يعد العمل فى القطاع غير الرسمى هدفا فى حد ذاته فإن كثيراً من أصحاب المشروعات فى القطاع غير الرسمى يفضلون البقاء داخل نطاق هذا القطاع فإن فكرة تحويل بعض المشروعات من إطار غير رسمى إلى الرسمى تصادف مقاومة شديدة من أصحاب تلك المشروعات، مشيرا إلى أن الدولة التى تلقى باللوم على القطاع غير الرسمى وتتهمه بالمتاجرة فى السلع الفاسدة وغير المطابقة للموصفات القياسية المحلية والعالمية يغيب عنها أنها مجرد أداة لتنفيذ مخططات كبرى للفساد تتورط فيها بعض شركات الاقتصاد الرسمى ومؤسساته والدليل على ذلك أن خصائص من تلك التى تتميز بها القطاع غير الرسمى بدأت تظهر على مشروعات الاقتصاد الرسمى الخاص والعام والحكومى ومن أهمها الاعتماد على العمالة المؤقتة والعرضية التى تحرم العامل من حقوقه الكثيرة كحقه فى التأمينات الاجتماعية والمعاش واللجوء إلى القطاع غير الرسمى للتعاقد معه على تنفيذ عقود من الباطن بشروط أقل تكلفة من الشروط التى تعاقد بها الشركة التى تنتمى للاقتصاد الرسمى، كما أن المسئولين فى الدولة ينظرون إلى الاقتصاد المصرى وهو اقتصاد فى طور النمو نظرتهم إلى الاقتصاد الغربى الحديث الذى يقوم على الشركات الكبرى والمؤسسات الضخمة وفى غمرة تأثرهم بالشركات الكبرى بشركات دولية النشاط ومراكز التسوق والبيع العصرية يغيب عنهم الدور المهم الذى يلعبه الاقتصاد التقليدى فى أن العاملين فى هذا القطاع غير الرسمى يفتقرون إلى التنظيم الذى يجمعهم ويوحد صفوفهم ويدافع عن مصالحهم. الاقتصاد الأسود وتعد صناعات النسيج من أهم الصناعات التى طالتها أضرار جمة بسبب احد انشطة الاقتصاد الاسود وهو التهريب، فقال أحمد عبد الحفيظ أحد العاملين بصناعات النسيج أن 50% من منتجات النسيج المتداولة مهربة وبيزنس تهريب المنسوجات يتراوح بين 10 و15 مليار جنيه سنويًا، وهناك احتمال أن تكون 90 % الى 95 % من الأقمشة المهربة مسرطنة، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فكل كونتينر مهرب يدخل مصر يحيل 10 عمال الى التقاعد ويقضى على فرصة توظيف 7 عمال شهريا. فالتشريعات ضعيفة، والرقابة غائبة. وأضاف أن مصر كانت تنتج 300 ألف طن من القطن سنوياً فى عام 1990 الآن لا تزيد على 1200 طن، رغم الزيادة السكانية وزيادة الاستهلاك، وتحول السوق من صناعى إلى تجارى، و90% من الأقمشة المتداولة فى الأسواق خاصة فى سوق الأزهر مهربة تباع بأقل من نصف سعر بيعها فى بلد إنتاجها. والبعض يستورد كميات كبيرة من الأقمشة ليخبئ فيها أقراص الترامادول، لذا لا يقل ربح الكونتينر عن 5 ملايين جنيه. وهناك تجار صغار فى قطاع الملابس بدأوا منذ سنوات قليلة تحولوا الآن الى مليارديرات بسبب تهريب الاقمشة واستغلالها فى إدخال منتجات محظورة ودخلت صناعة الغزل والنسيج المصرية الانعاش بسبب التهريب ومازال الصناع متمسكين بالأمل لأن هذه الصناعة تعلم الصبر والجلد وأصبحت الصناعة بلا تصدير أو عائد أمام تهريب كاسح. وأضاف قائلا إن هناك ما لا يقل عن ضبط 3 آلاف قضية تهريب سلع سنويا ولكن العبرة ليست بالرقم وانما بتحقيق الردع، والجهات الأمنية لديها خريطة كاملة بمواقع التهريب والأشخاص معروفون من كثرة تعاملاتهم والمشكلة فى قصور التشريعات والغرامات الضئيلة هنا يجب أن تكون العقوبة رادعة. وقال لدينا 50 مليار جنيه استثمارات مهددة فى صناعة الغزل والنسيج وإذا كان حجم سوق المنسوجات يقدر سنويا فى مصر بنحو 30 مليار جنيه، فإن نسبة 50% من حجم المنتجات المتداولة تدخل مصر عن طريق التهريب.