لا يمكن أن تزرع الشوك وتجني العنب. وحين تنفرد الرأسمالية بآليات السوق والتجارة العالمية وتفرض قوانينها الجائرة والمتجاوزة ولا تجد من يردعها فمن الطبيعي أن تدفع الشعوب ثمناً غالياً لذلك. هكذا يكشف التقرير الذي أصدرته منظمة الشفافية العالمية في لندن والذي أطلق صيحة تحذير واسعة بعد أن أكد التقرير استشراء الفساد في النظام الاقتصادي العالمي. والمنظمة التي تقوم بدراسات واسعة عن رجال الأعمال ومجالات العمل والشركات المتعددة الجنسيات، حصرت نسبة الفساد في حوالي 130 دولة، اكتشفت الكثير من الحقائق الصادمة، سواء في البلدان النامية أم البلدان المتقدمة. ويقول التقرير إن هناك خمس دول نامية تعاني من نسبة فساد عالية (أكثر من 25%) من بين كل عشر دول نامية. وقد وصف التقرير بنجالاديش ونيجيريا وهايتي كأكثر الدول التي يستشري فيها الفساد ولكنه حصر أيضاً عشرين دولة من بين الدول العالية في نسبة الفساد ومن بينها الارجنتين وزيمبابوي وكينيا وأذرابيجان وفنزويلا وكازاخستان ومصر وليبيا وإسرائيل وتشاد. كما ذكر التقرير أن الفساد ازدادت نسبته أيضاً في الدول الصناعية نتيجة ازدياد الرشاوي التي تقدمها الشركات العاملة في مجالات الطاقة وزيادة نسبة الاقتصاد الرمادي في إيطاليا واليونان وايرلندا والولايات المتحدة وكندا. وقد كان علماء الاقتصاد وخبراؤه يتغاضون عما يسمي بالاقتصاد الرمادي والخفي وإغماض العين عنه باعتبار أن دراسته وملاحقته من اختصاص رجال الأمن والأجهزة البوليسية ولا يليق بمكاتب العلماء والخبراء واهتماماتهم. ولكن هذا الموقف تغير تماماً بعد أن تطورت اقتصاديات الظل وأصبحت تمثل حقيقة دولية تعاني منها الأنظمة الاقتصادية العالمية في الشمال والجنوب وفي الشرق وفي الغرب. وقد لوحظ ازدياد نسب اقتصاديات الظل وبشكل كبير بعد انهيار الثنائية القطبية وسقوط المعسكر الآخر وانفراد الرأسمالية المتوحشة بالسوق العالمي وشعاراتها المرفوعة في فخ كل الحدود والقيود أمام الاستثمار بجميع أشكاله وألوانه وفي المنافسة الشرسة وقواعدها القاتلة أحياناً. واقتصاديات الظل أو ما يطلق عليه أحياناً بالاقتصاد الرمادي أو الخفي تشمل الأنشطة غير المشروعة كالتهريب وتجارة المخدرات والجنس والرشوة والسلاح والسوق السوداء وغسيل الأموال والتهرب من الضرائب. ولما كانت اقتصاديات الظل هي اقتصاديات غير منظورة، لذلك تتضارب حولها الاحصائيات وتتفاوت، خاصة أن العاملين في هذا القطاع لم يعودوا هم فقط تجار المخدرات واللصوص والمهربون وعصابات المافيا فقط، بل أصبح مجالاً لنشاط وجهاء القوم وأصحاب المليارات ورجال المال والصناعة والبنوك.. وأيضاً السياسيون. واقتصاديات الظل تطرق في البنوك الأخيرة مجالات جديدة مثل صفقات الإنترنت المريبة وتجارة الأطفال وتجارة قطع الغيار البشرية وغسيل الأموال، وهي أشكال جديدة وخطرة في الاقتصاد الأسود، وأصبح اقتصاد الظل يشكل جزءاً مهماً من مجموع الناتج المحلي الاجمالي (وإن كان لا يدخل في مكوناته) حتي أن هناك بعض دول العالم الثالث التي يتساوي فيها حجم النشاط الاقتصادي الخفي مع مجموع الناتج المحلي الإجمالي حتي أن البعض أطلق عليه بالاقتصاد الموازي. ويقدر حجم اقتصاديات الظل في نيجيريا ب 60% وكينيا 50% وبيرو 50%، بينما يقدر في البرازيل والارجنتين ب 30%، وايطاليا ومصر والهند 25%، وكندا 20%، وأمريكا 15%، والصين 10%. ويعتبر التهرب الضريبي أكثر الأساليب شيوعاً في اقتصاديات الظل خاصة في دول العالم الثالث حيث تزداد الفجوة بشكل كبير بين الأقليات الغنية المسيطرة وبين القواعد الواسعة من الشرائح الاجتماعية الصغيرة والفقيرة والوسطي، ويتحمل هؤلاء في الأساس العبء الرئيسي في الضرائب، بينما يتهرب رجال الأعمال وكبار الملاك والمستثمرون. كما أن قوانين السوق المفتوحة بلا حدود والمنافسة الشرسة بلا قيود وما فرضته من ظروف وقواعد قد سمحت لشركات كثيرة بأن تعيد إنشاء نفسها والحصول علي إعفاءات ضريبية لفترات تمتد من خمس إلي عشر سنوات تحقق فيها أرباحاً هائلة ثم تقوم بإشهار إفلاسها بعد هذه الفترة، لتعيد تأسيس نفسها من جديد وتحصل علي الإعفاءات مرة أخري. وفي إحصائيات شبه رسمية عن الضرائب في عدد من الدول.. الإفريقية والعربية تقول إن الذين سيدفعون 70% من الضرائب هم الموظفون والعاملون والفلاحون من أصحاب الملكيات الصغيرة حيث تزداد قيمة الضرائب غير المباشرة بينما تقل الضرائب الخاصة بشرائح الدخول.