يجب أن نعترف بأن الوضع فى سيناء شديد الخطورة.. والأدلة والشواهد كثيرة على ذلك.. وآخرها إعلان حالة التأهب فى المقار الأمنية عقب إصابة العقيد الجمّال.. إضافة إلى استمرار الاعتداءات على أقسام الشرطة والأكمنة المسلحة. هذا هو الواقع للأسف الشديد.. مع تقديرنا الكامل لدور وجهود القوات المسلحة والشرطة فى مواجهة الإرهاب والجماعات المتطرفة والجهات التى تحركها. نحن نعلم أن مصر مستهدفة من أطراف عديدة.. بما فيهم من يعتبرون أنفسهم أصدقاء..أو حتى أشقاء!. ونلاحظ أيضاً أن الضغوط السياسيه والأمنية والاقتصادية تتصاعد على مصر الدولة.. ومصر النظام.. كلما اقتربت من حافة الاستقرار. فهؤلاء الأعداء والأصدقاء الألدّاء يراقبون ويتابعون الوضع الداخلى بدقة ويلعبون ويتواطأون ويتآمرون ضد مصر. وشواهد الوضع الخطير فى سيناء تنوعت لتشمل اختطاف أبنائها وحتى بعض مشايخ القبائل.. وقبل ذلك اختطاف بعض السائحين للضغط على السلطات لتحقيق مطالب معينه ثم اطلاق سراحهم.. دون إيذائهم. ولعل ذروة الوضع الخطير كانت فى قتل الجنود المصريين لحظة الإفطار فى رمضان الماضى.. وأخيراً قتل جنود الشرطة الثلاثة بواسطة الجماعات الإرهابية أو تلك التى تطلق على نفسها جهادية. وحتى نكون منصفين فإن النظام أو الحكومة الحالية لا يتحملان أوزار هذا الوضع الخطير فهناك عوامل تاريخية.. وأخرى جغرافية وديموجرافية وراء وصول الأمور إلى هذه الحاله.. ولعل أول العوامل الطبيعية تتمثل فى اتساع مساحة سيناء وتنوع تضاريسها ومسالكها ودروبها الجبلية الوعرة بصورة تجعل من الصعب إحكام السيطرة المطلقة عليها. كما أن المشهد الخطير الحالى نتاج لتراكمات عشرات السنين من الاحتلال الإسرائيلى الذى ظل يعبث بأمن سيناء وحاول إقامة علاقات خفية وشريرة مع بعض الأطراف لخدمة مصالحه وتحقيق أهدافه الخبيثة المعادية لمصر. كما أن أحد أسباب هذا الوضع يعود إلى التجاهل الرسمى من قبل الأنظمة السابقة للمشاكل القائمة حتى تراكمت وبلغت ذروتها الخطيرة التى نشهدها حالياً. ويجب أن نعترف أيضاً بأن أسلوب التعامل مع هذه الأزمة - بجوانبها المتشعبة والمعقدة - زاد من حدّتها وصعَّب مهمة حلها. وقبل أن نبحث فى الدور الإسرائيلى.. فإن هناك أطرافاًً إقليمية تعبث بأمن سيناء للأسف الشديد.. فهى تريد أن تجعلها ساحه لصراع بعيد عنها جغرافياً واستراتيجياًً.. كما أن هناك من الجماعات المسلحة والإرهابية التى تعمل على جعلها موطىء قدم نحو مناطق أخرى. وللأسف الشديد فإن ما يحدث فى غزة وإنشاء سلاسل الأنفاق ساهم فى تفاقم هذه الأزمة. وإذا كانت حماس الرسمية تعلن حرصها على الأمن القومى المصرى.. فإننا نعتقد أنها لا تسيطر على كافة الفصائل المسلحة هناك. أو هكذا يبدو المشهد للمتابع والمراقب السياسى. لذا فإن حماس مطالبة بأن تعمل بجد أولاً على إغلاق الأنفاق بصورة كاملة والسيطرة على الحدود المصرية مع غزة.. وأن تجرى الحركه بين الجانبين فى إطار المعابر الشرعية حتى تغلق الأبواب الخلفية (والتحتية) التى يتسلل منها الإرهابيون وتجار الموت والمخدرات. هذا هو المطلوب من حماس فعلهُ. وليس الكلام الجميل المعسول. فالسياسات لا تقاس بالنوايا.. ولكن بالأفعال والنتائج على أرض الواقع. أما إسرائيل فهى اللاعب الأكبر والأخطر فى سيناء رغم ادعائها أنها ضد الإرهاب والكلام الأجوف أنها مع أمن مصر ومصلحة مصر.. ولكن الواقع يشير إلى عكس ذلك تماماً. فهى العدو الأكبر وهى التى تخطط لضرب مصر أمنياً واقتصادياً.. بل إنها لا تريد استقرار الوضع لدينا حتى لا تنشأ دولة قوية تهددها مستقبلاً. حدث هذا و يحدث منذ نشأة الكيان الصهيونى.. وسيظل هذا الدور مستمراً.. مادام قائماً. أيضاً فإن إسرائيل توفر الدعم اللوجيستى لهذه الجماعات المتطرفة ليس بشكل مباشر ولكن بغض الطرف عن عمليات تهريب السلاح أو تسريب المعلومات أو حتى الإيقاع فيما بينها بواسطة عملائها الذين يخترقون بعض هذه الجماعات. وإسرائيل تمارس الضغط السياسى والاقتصادى على مصر من خلال أطراف ومؤسسات دولية فى إطار استراتيجيتها المعادية لأرض الكنانة.. بل إنها مارست جريمة سرقة الغاز المصرى فى البحر المتوسط واخترقت الحدود الاقتصادية المائية لاقتناص الثروات المصرية.. دون رقيب أو حسيب.. ونحن نريد أن يصدر مسئولو وزارة البترول بياناً جريئا يوضح حقيقة هذه القضية وأن تنشر خرائط هذه الحدود الاقتصادية البحرية وأين تقع الآبار التى حفرتها إسرائيل وقبرص؟.. وماذا فعلت مصر لضمان حقوقها وحدودها وثرواتها التى تعتبر وديعة وأمانه فى أعناقنا للأجيال القادمة؟ ولكن السؤال الذى يفرض نفسه هو: كيف نستعيد الأمن فى سيناء؟ وكيف نعيد سيناء ذاتها إلى أحضان الوطن؟.. وكيف تعود الأوضاع هناك إلى طبيعتها الهادئه المستقرة؟.. بل وكيف نحول سيناء إلى إضافة كبرى للاقتصاد المصرى؟. بداية هناك أسس قوية وتاريخية راسخة بين أبناء الوطن الواحد.. لا يمكن لعدو أو حتى من يدّعى أنه صديق أن يخترقها أو يتلاعب بها. أولها أننا أبناء وطن واحد ونسيج واحد.. حتى لو تنوعت درجاته ومستوياته. فأبناء سيناء بقبائلهم يتشابكون ويتعانقون مع أبناء الوادى.. مصاهرة ومصلحةً ولغة وديناً واحداً. ومثلما سافر مئات الآلاف من أبناء الوادى إلى سيناء وعاشوا واستقروا فيها انتشر أبناء قبائل سيناء فى أنحاء الوطن وتلاحموا معه.. كنموذج حى يؤكد وحدة الوطن. وتماسكه. لذا نريد من الإعلام - بكل أطيافه وتنويعاته - أن يركز على وحدة المصريين واللُّحمة القوية بين أبناء الوطن الواحد.. فلا فرق بين من يعيش فى الوادى.. ومن يسكن أرض الفيروز. أيضاً يجب أن نعترف بأن المواجهة الأمنية وحدها لا تكفى لمعالجة الوضع الخطير هناك.. بل إن الحل الأمنى يجب أن يكون الخيار الأخير لعلاج أية أزمة.. وليست سيناء وحدها. يجب أن تكون هناك حزمة من الإجراءات لمواجهة هذه المشاكل المتراكمة على مدار السنين.. أولها احتواء أبناء القبائل وضمهم إلى حضن الوطن والاستماع إلى شكاواهم والإسراع فى حلها.. فهؤلاء هم اخواننا وأبناؤنا ولهم حقوق علينا.. ربما أكثر من آخرين داخل الوطن.. لماذا؟.. لأنهم يقفون على خط الدفاع الأول ضد أى عدوان إسرائيلى أو غير إسرائيلى، حدث هذا على مدار التاريخ.. وسيظل هذا دور وقدر أبناء سيناء الشرفاء. نعم إن المواجهة الأمنية والعسكرية الحاسمة والرادعة مطلوبة فى بعض الأحيان.. ولكنها تدخل ضمن استراتيجية شاملة لمعالجة الأزمة.. وليست اسلوباً وحيداً لعلاجها. من الأفضل أن يشارك ابناء سيناء والقبائل ذاتها فى وضع هذه الاستراتيجية وتنفيذها حتى تصل إلى النتائج المرجوة.. بمشيئة الله. والمحور الأساسى للوصول إلى هذا الهدف هو التنمية.. ثم التنمية..ثم التنمية نعم هذا هو الطريق الأول لاحتواء سيناء وعودتها إلى حضن مصر. يجب أن نسارع بوضع خطط التنمية على طريق التنفيذ السريع وأن نوفر لها الموارد اللازمة والكافية لإنجاحها.. بمشاركة أبنائها.. ومن خلال نقل ملايين المصريين من الوادى الضيق إلى سيناء فسيحة الأرض والقلب! أما الفكر المتطرف فلا يمكن أن ندحضه أو نفّنده إلا بالفكر الإسلامى الواعى المستنير. فالفكر عموماً - رغم بعض أخطائه وانحرافاته - لا يواجه إلا بالفكر، والحُجة لا تقابل إلا بالحُجة.. والمنطق السليم. ومن هنا فإن علماء الوطن - بكل انتماءاتهم وتياراتهم - خاصة السلفيين والجهاديين منهم - مطالبون بدور حاسم وتنظيم حوار موسع وسريع مع قادة هذه الجماعات المتطرفة. فليذهبوا إليهم أو ليدعوهم إلى لقاءات مباشرة وحوارات مفتوحة وصريحة تتناول كل المسائل الخلافية. ولنتفق جميعاً على كلمة سواء.. فى سبيل الله.. والوطن. ونحن نتصور أن سيناء - بموقعها وتاريخها وثرواتها - قادرة على أن تتحول إلى منطقة عالمية للتجارة الحرة وأن تكون أهم محاور التنمية للاقتصاد المصرى. بل لا نبالغ إذا قلنا إنها تستطيع أن تقود حركته وانطلاقته وتحقيق نهضته.وأخيراً.. فإن الوقت ينفد.. والمتآمرون يخططون وينفذون مؤامراتهم بكل خبث ودهاء.. ولنعلم جميعاً أن التاريخ لن يرحمنا إذا لم نَسْتَعِدْ سيناء ونعيدها فعلاً إلى قلب مصر.