قبل تسعة أيام فقط على نهاية الشرعية الانتخابية للبرلمان وللحكومة الانتقالية التى تقودها حركة النهضة الإسلامية فى تونس، غلبت القوى والأحزاب السياسية صوت العقل والمصلحة العليا لتونس بإعلان يوم الثالث والعشرين من يونيو القادم موعداً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية. ورغم التوافق الوطنى الذى نزع فتيل الأزمة، وجنب تونس حالة من الفراغ السياسى أو الفوضى، إلا أن حالة التوتر السائدة بين حركة «النهضة» وبين حركة «نداء تونس» بقيادة رئيس الوزراء السابق الباجى السبسى مازالت مستمرة، ومازالت الاتهامات متبادلة بين الغنوشى والسبسى. وصرح الغنوشى لصحيفة جزائرية بأن حركة نداء تونس هى إعادة لتجمع بن على، وليست قوة سياسية جديدة، أما السلفيون فهم من قوى الثورة كانوا فى سجون ومعتقلات بن على. وأضاف أن السلفيين خارج أجهزة الدولة، بينما نداء تونس فى صلب الأجهزة، تجدهم فى الإدارة وفى الإعلام، وهم أخطر على الثورة من السلفيين الذين هم طيف واسع متعدد، فهناك سلفية مسالمة وهناك سلفية عنيفة، ونحن نتعاون مع كل طرف بالحوار وكل من يتجاوز حدوده فهناك قانون يحكم عليه. ودعا الشباب السلفى فى تونس أن يثمن ما حصلوا عليه من حرية ومن إمكانية العمل فى المساجد وإقامة الجمعيات، لافتاً إلى أن أطرافاً فى تونس هدفها الاستراتيجى الأساسى هو دفع هؤلاء الشباب السلفى إلى التصادم مع هؤلاء الشباب. وقال: هناك فى عالم السياسة والصحافة فى تونس تجار حروب يسعون إلى أن يحارب التونسيون بعضهم بعضا، ولا يضرهم إن كان ذلك يهدم البيت على رءوس الجميع مادام هو الطريق لإبعاد النهضة عن الحكم. من جهة أخرى أعلن رئيس المجلس الوطنى التأسيسى «البرلمان» مصطفى بن جعفر أن النواب سيناقشون الصيغة الأولى من الدستور الجديد. ويرى بن جعفر أن أكبر نقطة خلاف تظل مسألة هى طبيعة النظام السياسى المقبل، فالإسلاميون يلحون على ان يكون برلمانيا، بينما تطالب الأحزاب الأخرى بنظام يمنح رئيس الدولة صلاحيات مهمة. وقال بن جعفر: أملى كبير فى أن نتوصل إلى حل وسط، مذكراً بأن النهضة قد تخلت عن المطالبة بمرجعية الشريعة فى القانون الأساسى، وبالتالى فإن مناقشة أول صيغة من الدستور التونسى الجديد ستجرى فى المجلس التأسيسى فى نوفمبر القادم فى جلسة عامة، على أن يناقشها النواب بنداً بند اعتبارا من ديسمبر ويناير القادمين. وتابع بن جعفر أن المجلس سيادى تماما فيما يخص تحديد طريقة عمله وأهدافه، مضيفاً أن القيود الوحيدة هى الالتزام سياسيا وأخلاقيا بإنجاز الوثيقة بسرعة والخروج من الأزمة. بعد سلسلة من الاجتماعات والمشاورات بين مختلف الأحزاب السياسية أعلنت الهيئة العليا لأحزاب الائتلاف الحاكم فى تونس «الترويكا» التى تضم حزب التكتل الديمقراطى من أجل العمل والحريات بقيادة مصطفى بن جعفر، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية برئاسة محمد عبو، وحركة النهضة بقيادة راشد الغنوشى فى بيان أنها اتفقت على يوم 23 يونيو المقبل موعدا لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية فى تونس على أن تجرى الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية يوم 7 يوليو المقبل. ويأتى هذا الإعلان إنقاذا للحياة السياسية التونسية من الدخول فى نفق مظلم عند انتهاء شرعية البرلمان والحكومة فى الثالث والعشرين من أكتوبر، وتلويح عدد من القوى والأحزاب بالتظاهر بدءا من ذلك اليوم لحمل المجلس والحكومة على الاستقالة لانتهاء شرعيتهما الانتخابية. وقال الائتلاف الحاكم إنه يرحب بكل مبادرة تدعم الشرعية، وتبحث عن توافق حول القضايا الأساسية على أن يتم البت فيها داخل المجلس الوطنى التأسيسى «البرلمان» باعتباره السلطة الأصلية فى البلاد. كما قدم الائتلاف مقترحا يتم بموجبه اعتماد نظام سياسى مزدوج ينتخب فيه رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب بما يضمن التوزان بين السلطات، وهو ما يعنى التخلى عن النظام البرلمانى المفضل لدى حزب حركة النهضة. وكانت أحزاب من المعارضة قد أعربت عن مخاوفها من اعتماد النظام البرلمانى الذى يكرس هيمنة البرلمان والحزب الفائز بالأغلبية على صلاحيات رئاسة الجمهورية، وهو ما يفتح الباب للعودة إلى هيمنة الحزب الواحد على الحياة السياسية. وتفضل أغلب المعارضة التمديد لمهام الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات والتى رأسها كمال الجندوبى والتى أشرفت على انتخابات البرلمان فى أكتوبر الماضى، لكن هذا المقترح اصطدم برفض الائتلاف، وكان الائتلاف الثلاثى الحاكم قد اتفق مع المعارضة على التوافق خلال المرحلة المقبلة، وسيعرض مجموعة من المقترحات على المجلس التأسيسى التى ستغير من ظروف الواقع السياسى، وتجعل مختلف الأطراف تتجاوز أزمة الشرعية المطروحة بقوة بحلول يوم 23 أكتوبر تاريخ مرور سنة على إجراء أول انتخابات للمجلس التأسيسى «البرلمان». ولاشك أن تحديد جدول زمنى واضح لمختلف المحطات السياسية المقبلة قد يغير من واقع العلاقة بين الأغلبية والأقلية بشرط الالتزام بتفاصيل الاتفاق الجديد. وفى سياق متصل حذر شيوخ يمثلون التيار السلفى فى تونس من تنفيذ أعمال إرهابية فى البلاد ونسبتها إلى التيار السلفى، ونبهوا إلى انفجار السلفيين إذا تواصل ما أسموه «الظلم والعنف» المسلط عليهم من الحكومة. وقال الشيخ خميس الماجرى فى مؤتمر صحفى بمسجد المركب الجامعى: لدينا معلومات مؤكدة أنه يخطط الآن لإيجاد أحداث عنف فى البلد لا نعرف نوعيتها، وسيحملون التيار السلفى المسئولية، ونحن نحذر من ذلك ونحن أبرياء من كل حدث سيقع.