لقد أبهر أبطال القوات المسلحة العالم خلال حرب أكتوبر بعد أن توحدت الجهود من أجل هدف واحد هو استعادة الأرض وكانت القوات الجوية كأحد أفرع القوات المسلحة لها دور واضح فى المعركة، ففى الوقت الذى كانت أفراد قوات الاستطلاع خلف خطوط العدو تعمل جاهدة لإبلاغ القيادة العامة بما تقوم به قوات العدو فى عمق سيناء من تحركات ، وما تمتلكه من قوات كانت طائرات الاستطلاع الجوى تعمل لكى تثأر لما حدث لها فى يونيو67، أكتوبر التقت اللواء طيار ممدوح حشمت للحديث حول تطوير طائرات الاستطلاع وكيف استطاع المصريون أن يبهروا الخبراء السوفيت بما أحدثوه من تطوير للطائرة الميج 21 والتى تعد بمثابة العمود الفقرى للاستطلاع الجوى . يقول اللواء حشمت : كانت الكاميرات السوفيتية مخيبة للآمال ، فكنا نعتمد عليها لكن بأساليب غير معهودة فعليا، فبعد مبادرة روجرز مثلا، ووقف إطلاق النار عمليا، كنا نصور من فوق القناة نفسها مستخدمين الكاميرات الجانبية والتى كانت تصور مدى 500 متر من جانب الطائرة، وهو مدى قصير لكنه كاف جدا لتصوير استحكامات خط بارليف بالتفصيل، ونظرا لأن هذا الأسلوب لم يكن مرضيا لطموحاتنا، فجربنا كاميرات التصوير المركبة على طائرات اليوشن 28. وكان البعد البؤرى لها 120 سم وهو بعد جيد جدا، ووضعناها داخل خزان وقود احتياطى وغيرنا من تصميم الخزان بالكامل، وصنعنا فتحتين فى الخزان لكى يتم التصوير منهما، وكانتا تسمحان لنا بالتصوير من ارتفاع عشرة كيلو مترات وكانت الصور مقبولة، لكن الصعوبة الحقيقية كانت فى الطيار نفسه، فعلى ارتفاع عشرة كيلو مترات كان على الطيار إتقان المسار والمسافة الجانبية لكى تحافظ على إتجاه التصوير وكانت هذه عملية شاقة احتاجت لتدريب رهيب، وأيضا قمنا بشراء كاميرات إنجليزية ساعدتنا فى حل مشكلة التصوير المنخفض فى العمق، وكانت معظم هذه الكاميرات تغطى على مسافة 3 كيلو مترات من خط الطيران لأن لها بعدا بؤريا صغيراً جدا. كان شراء الكاميرات الإنجليزية واسمها فنتن فى حد ذاته تجربة مخابراتية مثيرة وكانت ذات بعد بؤرى 10سم وهو شىء لا يذكر، وكنا لا نريد لها أن تكون واضحة تحت جسم الطائرة، فبدأ المهندسون فى وضعها داخل الطائرة لكى لا تكون ظاهرة، وكان داخل الطائرة رادار بدائى غير مستخدم ولأننا كنا نعتمد على النظر فى كل عمليات القتال وعلى التوجيه الأرضى فقمنا بالاستغناء عن هذا الرادار وتركيب تلك الكاميرات، وكان مجهوداً جباراً ما قام به المهندسون، فقد تم إلغاء أسلاك ولمبات ومحولات ووضع أجزاء أخرى مكانها لهدف آخر، وعدادات جديدة داخل الكابينة محل عدادات أخرى، وهو مجهود جبار قام به رجال المهندسين والذين برعوا فى هذا العمل، فقد تم لأول مرة إدماج تكنولوجيا غربية داخل طائرة سوفيتية فى وقت الحرب البارده بعقول مصرية صرفة. والكاميرا «الفنتن» الجديدة كانت عبارة عن تحفة فنية، فقد كانت الكاميرات الأربع تغطى 25 مرة مقدار ارتفاعك فلو كنت تطير على ارتفاع مائة متر فإن الكاميرات تغطى مساحة 2500 متر بالكاميرات الأربع. وعلى هذا أصبحت الميج 21 تطير بصاروخين و3 خزانات وقود والكاميرا موجودة وهو ما لم يكن موجودا من قبل، ففى البداية لم يكن لدينا الصواريخ للدفاع عن أنفسنا حيث تحتل الكاميرات السوفيتية نقاط تحميل الصواريخ، فكان لدينا فقط المدفع، أما بعد الكاميرا الانجليزيه الجديدة والتعديلات المصرية الصرفة، اصبح لدينا 5 حوامل على الطائرة لكى نضع عليها ما نشاء من حمولة، حيث إن الكاميرا لم تعد تشكل مشكلة لنقاط التحميل الخارجى. ويقول اللواء حشمت: كان رف الميج 21 الاستطلاعى هو الأفضل ضمن تشكيلات الاستطلاع الاخرى، فالميج 21 لا مجال لمقارنتها مع القاذقة البطيئة من نوع اليوشن 28 والتى خصص رف منها لأعمال الاستطلاع البحرى، أو السوخوى 7 فسرعة الميج 21 وقدرة مناورتها كانت أعلى من قدرة السوخوى 7 والتى قام طياروها رغم ذلك بمجهود كبير جدا وقدموا صورا جيدة جدا، لكن ظل الفارق فى إمكانيات الطائرات هى المعيار فى كفاءة الاستطلاع ونوع العمليات الموكلة إليها. ومع توالى عمليات الاستطلاع خلال حرب الاستنزاف وصلنا إلى درجة عالية من الثقة، فقد أصبحنا نستطيع فعليا أن ندخل سيناء ونخرج مرة أخرى بكل كفاءة وثقة، فلم يكن المطلوب منا أن نقوم بعمليات إنتحارية لكن دورنا أن نعود ونسلم أفلام الاستطلاع للقيادة، فدرسنا جغرافيا المنطقة ودرسنا من أين ندخل ومن أين نخرج وما هو الارتفاع الأفضل لنا فى كل حالة، وما المطار الأفضل لنا للإقلاع لتنفيذ المهمة بناء على خطوط السير واستهلاك الوقود، ونتيجة ذلك فلا أعتقد انه كانت لنا مهمات استطلاع فاشلة، لكننا فى بعض الأوقات كنا نقطع خط السير ونعود نتيجة رصد مظلات جوية معادية. وكنا نتابع بصورة شبه يومية أعمال البناء التى يقوم بها العدو ثم تطوير النقاط الحصينة، وكنا نصور تحركات العدو البرية بالقرب من القناة ونصور تطور وتحركات وحدات الدفاع الجوى وخاصة بطاريات الهوك. ولا أظن اننى واجهت موقفا صعبا خلال عمليات الاستطلاع، فكان من المعتاد أن يضرب علينا صواريخ هوك أو نيران مدفعية مضادة للطائرات، وأذكر ان بعض الطلقات أصابت جناحى فى مناسبات عديدة، لكننا تعودنا على ذلك. ولتبسيط مهمة الاستطلاع على القارئ – والكلام للواء حشمت - فلنفرض أننا ننوى استطلاع المحور الأوسط وهو المحور المقابل لمدينة الإسماعيلية، فكان الأسهل لنا مثلا أن نطير من فوق كبريت حيث إن اتجاه القناة يميل تجاه سيناء مما يجعلنى أكسب مسافة من الأرض وفى نفس الوقت أكون داخل الأراضى الصديقة وأقلل من وقت طيرانى فوق الأراضى المعادية، وأيضا كان يجب دراسة دفاعات العدو فوق الهدف المراد تصويره. وكان المحور الشمالى والذى يضم رمانة وبالوظة أمنع المحاور من حيث الجغرافيا، حيث وجود البحر المتوسط على يسارنا ونحن نتجه للهدف يكون عاملا مساعدا لنا فى الخروج من فوقه والعودة بعد الانتهاء من المهمة، ويماثله فى ذلك المحور الجنوبى حيث تشكل الجبال واتجاه القناة عوامل مساعدة للطيار فى تجنب الرصد الفورى له. والخبراء السوفيت كانوا عوامل استنزاف لنا وليست عوامل مساعده أو دعم للأسف، فالمفروض ان الخبراء المرابطين معنا يقومون بتعليمنا، لكنهم كانوا أبعد ما يكون من مستوانا، للحقيقه فإن أول طيار سوفيتى حضر إلينا وأتذكر اسمه (على جاليف) وهو قوقازى ، كان جيدًا جدًا جدًا لكن من لحقوا به كانوا غير مفيدين بالمرة، فمنهم الخائف من أساليبنا الجريئة، ومنهم من يريد الالتزام بما يقوله الكتاب ولا يرغب فى التطوير والابتكار، وآخر لا يتحرك إلا بتعليمات سياسية، فكان وجود هؤلاء الخبراء عبئا على السرب وليس عاملا مساعدا، حتى عمليات تطوير الطائرة كانت سرية عنهم، ولم يعلموا بها إلا بعد إنتهائنا منها، فقد كنا نخاف أن يقوموا ببث روح الإحباط فينا، وكانت الحماسة وروح الابتكار والابداع تملأ كل واحد فينا للوصول إلى ما نريده من صور واضحة. والظريف أن السوفيت بعدما علموا بأعمال تطويرنا للميج قاموا بعمل طائرة فى مصانعهم مزودة بكاميرات فنتن الإنجليزيه وإرسالها لنا كهدية. ويواصل اللواء حشمت حديثه قائلا: نظرًا لأننا كنا نستخدم الطيران المنخفض فى الإستطلاع فكنا بذلك عرضة لأنواع متعددة من الأسلحة الصغيرة، فكان عاديا أن تنطلق الطلقات حولنا فى كل اتجاه خاصة فى الأهداف ذات الأهمية الكبيرة وكل طيار وقدره، فمن المحتمل أن يضرب على الطائرة ألف طلقة ولا تصيبها أو تصيب أماكن غير مهمة أو حساسة، ومن الممكن أن يضرب عليها عشر طلقات فى مقتل فتنفجر الطائرة أو تهوى محترقة بطيارها. وكنا نستخدم تكتيكاً معيناً فى الاستطلاع يقضى بأن أى عملية استطلاع تقوم بها طائرتان (ليدر وفورميتور) وحدث فى حرب اكتوبر أن إستشهد أحد الطيارين وهو ملازم أول طيار طارق محمود حمدى، ووجدنا ان الطيار رقم 2 يكون فى خطر دائم، لأنه يكون بجوارك ليساندك ويحميك، فلما عرفنا واقعة إستشهاد هذا الطيار، تم تغيير إسلوب الاستطلاع ليكون بطائرة واحدة فقط . وكانت عمليات الاستطلاع العميق هى العمليات التى يكون لها صدى داخل القوات الجوية أو عمليات الاستطلاع التى تحدث فيها اشتباكات جوية، وكانت عمليات الاستطلاع العميق ذات أثر جيد على معنويات لواء الاستطلاع بأكمله مثل عمليات إستطلاع شرم الشيخ ومطار رأس نصرانى وكذلك إستطلاع بحيرة البردويل على عمق ستين كيلو من قناة السويس، وفى حرب أكتوبر إستطلعت بمفردى مركز قيادة الطاسة، يوم 16 أكتوبر تقريبا، كان لابد كل أسبوع أو شهر من تصوير المحاور كلها والنقط القوية وأى عملية تبديل للقوات أوتجهيز هندسى أو تغيير موقع هوك أو تحركات وبعد مبادرة روجرز ووقف إطلاق النار، هدأت الأمور بالنسبة لنا قليلا لكن عمليات الاستطلاع كانت مستمرة من فوق القناة فقط لكننا كنا نخترق فوق سيناء لو دعت الضرورة فقط مثلا مطار جديد وتم رصده ويجب أن نصوره ونحدد، هل مطار حقيقى أم هيكلى، وكنا نعرف من الصور إذا كانت المواقع هيكلية أو حقيقية. استعدادنا لحرب اكتوبر بدأ مع حرب الاستنزاف، فتعديل الطائرات وفرق التدريب على تمييز أهداف العدو وزيادة جرعة التدريب على الطيران بسرعات عالية على ارتفاع منخفض لأن هذه الارتفاعات لا يمكن للطيار ان يكون فى قمه تركيزة الفعلى لفترة طويله وكانت منطقه الدلتا كلها مفتوحة لأغراض تدريبنا ونقلع ونصور رادارات مثل بلطيم، أو مواقع صواريخ خاصه بنا. ويوم 6 أكتوبر كنا فى رمضان و صايمين وكنا فى انشاص، وحالات الاستعدات رفعت من مده واستدعاء احتياط وتسريحه..الخ والقاده يقولون ان درجات الاستعداد هتنخفض غدا أو.... أما زملاءنا القداما فيقولون إن هذا الذى يحدث ليس لأغراض المشروعات التدريبية، الأوضاع غريبة مع إلغاء الإجازات والالتزام الفائق من الجميع وقائد اللواء الجوى فى غرفة العمليات طوال الوقت وهى موضوعات عندما يتم جمعها مع بعضها البعض تعنى الحرب الفعلية. قبل الحرب بيوم جاءنا قائد اللواء- سيد كامل وكنت وقتها رائد طيار وقال لنا (افطرو).. قلت له (لو فيه عمليات حقيقى سأفطر ولو لم يكن هناك عمليات لن أفطر). يوم 6 اقلعت بطلعة الساعة 10 أو 11 الصبح، كانت طلعة روتينية لكى يظهر للعدو ان كل شىء عادى، فقمت بالطيران على بخط سير معتاد وكأنها طلعة متعودين عليها، كان دورنا فى الحرب كالمعتاد متابعة الأهداف وتصويرها وكنا هنستطلع نتيجة الضربة مثل المليز ومراكز القيادة. وكان مخطط أننا نقلع بعد الضربة الأولى ومع الثانية والجميع عاد وقالوا إنهم نفذو ضرب الممرات وكان استطلاعنا بالنظر ولم يكن هناك تصوير لأن نتيجة الضربة الجوية الأولى لم تكن مطلوبه، فالضربة الجوية لها أهداف محدده وتخطيط محدد ونفذت بنجاح. ومر يوم 7 ويوم 8 بدون طلعات لى، لكن عمليات الاستطلاع لم تتوقف لحظة، وأقلعت يوم 9 أكتوبر واستطلعت منطقة بلاعيم فى خليج السويس لأنه المفروض أنها تضرب وتم تصويرها فأقلعت من أنشاص واستطلعت مناطق آبار البترول وفور هبوطى تم أخذ الافلام من داخل الطائرة سريعا، وكان واضحا أن تلك الطلعة وتلك الصور كانت مهمه جدا. وأقلعت فى طلعه استطلاع أخرى فى يوم 16 أكتوبر، فأستطلعت من الإسماعيلية وحتى الطاسة على المحور الأوسط. وعندما حدثت الثغرة كنا نستطلع قوات العدو بالميل لأنهم كانوا قد اصطحبوا معهم وحدات دفاع جوى كثيرة داخل الثغرة وكانت تسبب لنا مشاكل كثيرة وعندما بدأ الاستعداد لتصفيه الثغرة انتقلنا لمطار شبراخيت ومكثنا هنالك شهرين ثم عدنا مرة أخرى إلى أنشاص. وبعد الحرب كنا نقوم بالاستطلاع المائل أو استطلاع الكترونى جديد، فقد زودنا السوفيت بمستودع جديد للاستطلاع الالكترونى وكان يلتقط ترددات الرادارت الإسرائيلية. ثم سافرت بعثه فرنسا فى كلية حرب عليا لمدة سنة ونصف سنه 82 و 83 وكان لدينا طائرات ميراج-5 استطلاع ، وده التغيير الجوهرى الذى حدث بعد الحرب ودخلت الميراج وكانت أفضل من الميج 21 بمراحل. وقد طرت على عده أنواع من الطائرات من وقت تخرجى من الكلية الجوية وحتى تقاعدى سنه 1986. فقد طرت على السوخوى -7 والميج-17 والميج-15 ، والميراج-5 آخر شىء.