يتجاوز فيلم «بعد الموقعة» الذى كتبه «عمر شامة» و«يسرى نصر الله»، وأخرجه «يسرى نصر الله» الأفلام التى أنتجت عن الثورة المصرية فى رؤيته العميقة لفكرة التغيير، لكنه الفيلم، الذى نافس على جائزة السعفة الذهبية فى الدورة الأخيرة لمهرجان كان، لم يستطع أن يتجاوز مشكلاته الفنية الواضحة التى تتركز فى السيناريو، الذى اعتمد على الارتجال فى أجزاء كثيرة منه، مما أكسب الفيلم درجة واضحة من الترهل، يضاف إلى ذلك الطريقة الجافة التى رسمت بها إحدى شخصيات الفيلم المحورية والتى بدا وكأنها تقوم بتعليم معنى الثورة للمبتدئين، كما أن الطريقة التى تم لها التغيير لم تكن مقنعة، أثقلتها مناقشات طويلة تقترب من المناظرات ولا تخلو مع الأسف من مزيج من السذاجة والمباشرة. النظرة الأعمق التى قدمها يسرى نصر الله فى أنه قرر أن يقوم بدراسة ثلاث شخصيات ارتبطت بأحداث ثورة يناير: ريم «منة شلبى» الناشطة والمدافعة عن حقوق المرأة، وهى من طبقة أفضل اقتصادياً، ومع ذلك فهى تنتظر الطلاق، و«محمود البيطار» باسم سمرة ابن نزلة السّمان الذى شارك بسبب جهله فى موقعة الجمل فأخذوا فرسه وضربوه، وتركوا له العار حيث يعايرون أولاده فى المدرسة بأن والدهم ليس رجلاً، و«فاطمة» ناهد السباعى زوجة «محمود» وأم ولديه، ورغم أنها أفضل تعليماً، حيث حصلت على الدبلوم، إلا أنها لم تستطع أن تتجاوز عالمها الضيق حيث تعرض على ريم أن تتزوج زوجها مادامت انها معجبة به!! كل طموح فاطمة أن تعّلم أولادها، وكل طموح محمود أن يجد عملاً بعد أن توقفت حركة السياحة، وأن يحافظ على حصانه من الجوع لانه لا يجد له علفاً، أما «ريم» فتبدأ أولاً بالإعجاب بمحمود ثم تحاول أن تقوم بتوعية أهل نزلة السمان بمعنى الثورة وبحقوقهم فى عمل نقابة للخيالة، وتكتشف انها تسمع عن الآخر دون أن تعرفه، وأن هناك من أهل النزلة من اشترك فى الثورة من أيامها الأولى، وأن السور الذى يحيط بالمكان يحاصر السكان، كما أنهم يخضعون لتحكم رجل الأعمال الثرى الحاج عبد الله «صلاح عبد الله». أراد نصر الله من خلال هذه النماذج أن ينظر بصورة أكثر عمقا لمجتمع يريد أن يتشكل بعد تنحى مبارك، لم يعد الكل يداً واحدة، عاد كل واحد إلى عالمه الضيق، الناس اللى فوق الذين شاركوا فى الثورة مازالو أسرى عبارات إنشائية، الفيلم يطرح سؤالاً: هل الثورة بداية أم نهاية؟ هل هى تنحى الرئيس أم أن نتغير نحن بعد أن نعرف الآخر عن قرب؟ كل ذلك واضح أحياناً إلى درجة المباشرة، كما أن شخصية «ريم» شديدة التشويش، واشبه براديو متنقل يردد جملاً إنشائية فى حين بدت شخصية مثل «فاطمة» و«محمود» أكثر إنسانية وحيوية. ترهل الإيقاع تماماً مع طول بعض المشاهد الحوارية، ولم ينقذنا سوى مشهد النهاية الرائع عندما يُصاب محمود فى أحداث ماسبيرو، ولكننا نراه يصعد الهرم الأكبر، تتركه الكاميرا فى منتصف الرحلة دون أن تعرف هل أكمل الطريق أم لا، المعنى أن الثورة طريق طويل يحتاج إلى الجهد لكى نكمله، الثورة مجرد بداية، هناك عناصر فنية متميزة جداً مثل صوت «سمير بهزان» وموسيقى «تامر كروان» والأداء المتفوق من «باسم سمرة» و«ناهد السباعى» مع الأداء الباهت للغاية من «منة شلبى»!