ننام ونصحو على اسمه.. الذى تصدر نشرات الأخبار وحاورته الصحف القومية التى هى عند البعض إخوانية لها لحية.. وظهر فى التليفزيون الحكومى الذى يديره وزير إعلام إخوانى أكثر مما ظهر فى القنوات الخاصة الليبرالية «الفرى». رأيت فيلم السهرة بعنوان «أبو حامد يتحدى الإخوان».. ورأيت برنامجا عن الطبيخ يقدم لنا الشيف من وحى أحداث 24 أغسطس «طاجن أبو حامد» باللحم المفروم.. وجلست مذيعة الأطفال تحكى الحدوتة كما هو معتاد.. وسط نظرات الملائكة الصغار البريئة إليها:«كان ياما كان فى هذا العصر والأوان يوجد رجل يساوى «أمة».. يقول لها تحركى فتتحرك.. تعالى شمال تذهب.. روحى يمين سمعا وطاعة.. والرجل على قوته هذه التى ظهرت فجأة لا هو من أبطال المصارعة.. أو الكونغ فو والكاراتيه أو رفع الأثقال.. رجل هو خلطة عجيبة ومدهشة. يكفى أنه صنع لنا عفريتا لا أول ولا آخر لحجمه أطلق عليه اسم «24 أغسطس».. يوم نرى الإخوان يفرون فرا.. منهم من استطاع أن يحلق لحيته ويتوارى من أمام الوحش «الجامد».. «أبو حامد».. ومنهم من لم يستطع.. هو جمع رجاله من روكسى ومن عند المنصة ومن العباسية.. واعتذر لهم فى أول الأمر بنفسه قائلاً: اليوم وقد عاد إلىّ رشدى أعطى ظهرى للتحرير وأقف بينكم يا أبناء الأغلبية الصامتة.. أنتم يا «شفاشقة» (نسبة إلى مذهب مولاهم وأميرهم أحمد بن شفيق الأول). اليوم تجتمع فلولكم العكاشية ومن كانوا أحياناً مع العسكرية فى الصباح.. وبعد الظهر مع المدنية.. ووقت القيلولة حازمية وسلفية وكروية ألتراسية ما بين أهلاوية وزملكاوية.. اليوم نهد الدولة ونبنيها على مزاجنا.. لا تأسيسية ولا دستور ولا رئيس منتخب.. البركة فى «أبو حامد». بعض الناس من المصريين أو العرب من خارج البلاد.. كانوا ينتظرون فى يوم 24 أغسطس أن يخرج المارد الجبار «أبو حامد كنج كونج» يطيح فى طريقه بالأخضر واليابس وقد زحفت الملايين خلفه زحفاً.. فلا تجد الملايين لها من رئيس إلا «أبو حامد».. ولا تجد لها دولة إلا بمعرفة «أبو حامد».. وقد لا نجد شعباً إلا عند شلة «أبو حامد»، وقد وقف بينهم فى تسجيل فيديو يبشرهم بأن رجالة الجيزة على وصول.. وكان رجالة القاهرة قد سدوا عين الشمس وفعلوا ما لم يفعله الأولون. بداية أنت لا تعرف على وجه التحديد إن كانت مشكلة «أبو حامد أفندى» مع الإخوان، حيث طالب بحل الجماعة.. أم أن مشكلته مع الرئيس مرسى ويريد الإطاحة به هيلا بيلا، وقد سمعنا كثيرا من «سى الدكتور أبو حامد» عن الديمقراطية وصناديق الانتخاب والبتاعة الثانية التى يتكلمون عنها كثيرا وهى «الشرعية»، ثم إذ فجأة ينقلب على كل هذا وقد طغت الفكرة فى دماغه واستقر فى يقينه أن البلد رهن إشارة منه أو صفارة من فمه كى يهدها ويبنيها سيادته من أول وجديد طوبة دهب وطوبة فضة. ولا تدرى أيضاً هل مشكلته مع نفسه؟ وهو الذى لم يستقر على حال وتبدل وتغير وتشكل وتلون.. فقد درس الأديان واهتم بالدراسات الإسلامية وحصل على إجازات متنوعة فى الشريعة الإسلامية وعلوم القرآن والتفسير، ثم انعطفت إلى الفلسفة الإسلامية.. ويبدو أنه وجد أن الاهتمام بعلوم الدين وحده لن يوصله إلى ما يصبو إليه.. وهو على ما يبدو من أصحاب الطموحات الكبرى برغم صغر سنه فهو مواليد مارس 1973، وقد تخرج فى كلية التجارة شعبة محاسبة (لاحظ أن الداعية عمرو خالد كان أيضاً محاسباً واتجه إلى الدعوة الدينية.. قارن وابحث على مهلك).. وبعد أحداث 11 سبتمبر عرف قواعد اللعبة وسجل رسالته للدكتوراة فى فلسفة العلوم السياسية والعلاقة بين الدين والسياسة.. لاحظ شطارته وتحوله.. والمسألة لم تكن ببعيدة فهو صاحب مؤسسة اسمها «تنمية حياة المصريين» تعمل بالمجتمع الذى هو مدنى وقد تأسست 1997.. ولا تسأل عن مصادر تمويلها وإن كنت ستعرف بدون أدنى جهد إذا فهمت أن ملهمها تطور بما سمى بالخطاب الدينى من خلال الاهتمام بفلسفة ابن رشد.. الذى مزج بين الفلسفة والدين متأثرا بالحضارة اليونانية.. ولهذا اهتم به الغرب (بابن رشد) دون غيره من فلاسفة الإسلام.. لأنه يطرح نظريات ترضيهم وتعجبهم وتقدم نموذجا للإسلام يرحبون به.. ولهذا مجده المخرج يوسف شاهين فى فيلم سينمائى (المصير) وكل مؤسسة تتخذ لنفسها بعض الشعارات البراقة مثل تنمية الأسرة ومحو الأمية، ثم بالتأكيد تلعب على أوتار أخرى وفقا لأجندة من يقوم بالتمويل وهذا أمر طبيعى جداً.. وفى المجتمع المصرى عشرات المؤسسات من هذا النوع لا العشوائيات تطورت.. ولا الأمية محيت.. ولا الجهل اختفى، لكن ما علينا أرزاق وأسماء ومسميات ودكاكين لأكل العيش على قفا الغلابة وتقرأ برامج مؤسسة «أبوحامد» وتشعر بالعناوين التى يطرحها أنه نجح فى حل مشاكل البلد كلها.. وعموما يشكر إذا قدم مساعدة ولو لفرد واحد.. والأرقام تقول إن الآلاف استفادوا من خدمات مؤسساته بما يجعلنا نسأل: من أين كان ينفق؟! ثم فجأة يطل بعد ثورة 25 يناير مثل وجوه عديدة أصبحت علامة من علامات «التوك شوز» هم الضيوف وهم أيضاً من يقدمون البرامج ولا أحد على حجر الثورة غيرهم حتى كرها البعض بسببهم. ودخل إلى حزب المصريين الأحرار وقد أصبح من نجومه بالورنيش والتلميع الفضائى والنت.. ودخل البرلمان فى طريق دائرة ثقيلة وصعبة هى «قصر النيل» وللأمانة فرحنا به كوجه شاب ومتحمس ومتحرك.. لكن يبدو أن حركته زائدة أكثر من اللازم لأنه سرعان ما انقلب على حزب المصريين وطلب الخلع.. وبدأ يؤسس لنفسه حزبا مستقلا باسم «حياة المصريين» وهو طبعا غير «حياة عبدون».. و«حياة الدرديرى» و«حياة قلبى وأفراحه» وبلغ الذروة فى دعوته التى يسميها أحياناً ثورة 24 أغسطس حتى يقال إنه قائدها.. ثم مظاهرة.. ويصر على أنها سلمية، ثم تجد فى تصريحات هنا وهناك يعلن أنه سيشعلها حريقاً.. مرة يسميها «ثورة إسقاط الإخوان».. ومرة هى ثورة ضد الرئيس والتأسيسية وضد النظام القائم كله.. يلا بقى وستجده يتحدث باسم الشعب كله.. ناسيا أن الرئيس الحالى قد بلغ السلطة بالانتخاب الشرعى النزيه الذى لم نكن نعرفه من قبل وهو رئيس مدنى.. وقد كان الجامد «أبو حامد» يهتف فى وقت ما ضد العسكر ويحرض عليهم.. ولما مارس الرئيس سلطاته وأصدر قراره بتغيير قادة الجيش وهذا حقه اعتبرها انقلابا وخيانة للجيش وللمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. مع أن أصحاب الشأن أخذوا المسألة بروح وطنية خالصة واعتبروا التغيير سُنة الحياة والمرحلة تتطلب ذلك. أبو حامد فى تصريحاته شرح خطته الكاملة فى تجمع المسيرات من أماكن ارتبطت بتأييد المجلس العسكرى من جانب جماعة ما يسمى بالأغلبية الصامتة والتى كانت مرتبطة بالمشير طنطاوى فلما ذهب.. ذهبت.. وسترى فى تجمعات مولانا المدنى الليبرالى «أبو حامد» أعوان شفيق.. وشلة عكاشة وحفنة فلول وكوكبة من الصيّع الذين يتحركون بالفلوس فقط، فهل البلد ليس فيه فى هذا التوقيت من يخاف عليها.. ويخاف من جبروت الإخوان ويريد أن يعدل المايلة.. إلا عمنا هذا الذى لا يستقر له المقام على حال. هو لا يريد إسقاط الرئيس.. لكنه يحشد أعوانه إلى القصر الرئاسى دون غيره من سائر الأماكن.. فهل مقر الإخوان فى قصر الاتحادية يا عم الشيخ.. يا ملك المناورات والحركات أكثر من بركات.؟ هو فى تصريح يهدد.. وفى آخر يهادن.. وكان يتصور أن هذا المهرجان الذى اشتغل عليه إعلاميا والكترونيا سوف يشعل ثورة جديدة من أول السطر.. وكأن البلاد ناقصة رجوعا للخلف.. مع أنها لن تتقدم إلا إذا استقرت وكلما قطعت خطوة فى سبيل هذا الاستقرار بدستور محترم ومؤسسات تضم أطياف المجتمع.. طلع لنا فيها من يفسد فيها ويجرها من شعرها إلى نقطة الصفر فى ألعاب سياسية تتسم بالمراهنة والمعيلة والبحث عن شو، خاصة أن «الجامد» قائد ثورة 24 أغسطس الفريدة أعلن عن ترشحه لرئاسة مصر فى أقرب فرصة.. وليس هناك ديمقراطية فى العالم تنتخب رئيسها اليوم، ثم تخلعه قبل الأربعين ليه بقى.. لأن فيها «أبو حامد» وهو إذا وضع مناخيره فى شىء أنهاه كما لا ينبغى لهذا أحذر الأطفال ومرضى القلب والسكر والضغط من رؤية «الجامد» فى التليفزيون وأخشى أن يطلع لهم فى الضلمة عند «قصر الاتحادية». على فكرة.. أنا ضد إحالته إلى النيابة واتهامه بقلب نظام الحكم.. وأرى أن عقابه الأعظم أن يكشفه المواطن العادى ويضعه فى حجمه الطبيعى بدون إضافات برلمانية أو فضائية أو صحفية!