مصر تعود إلى أفريقيا من جديد تبحث عن مكانة ضائعة ودور كان يجب ألا تغيب عنه، ومشاركة الدكتور مرسى فى قمة إثيوبيا بعد قطيعة طويلة لهذه الدولة عقب حادث محاولة اغتيال الرئيس السابق مبارك منذ 16 عاماً ربما تخطو خطوة فى هذا الطريق من أجل مصلحة مصر مع دول أفريقيا خاصة دول الحوض وبالأخص إثيوبيا التى تصر على إقامة سد إثيوبيا العظيم الذى من شأنه أن يؤثر على حصة دولتى المصب (مصر والسودان) من مياه نهر النيل، ورغم أن الرئيس مرسى لم يناقش هذا الملف بالتحديد على هامش القمة فإن مجرد المشاركة والذهاب إلى إثيوبيا من شأنه أن يزيل من جبال الجليد التى تكونت طوال سنوات القطعية هذا بالإضافة إلى الأجواء الإيجابية التى صحبت لقاء وزراء الرى فى دول حوض النيل التى تصب فى اتجاه الاتفاق البناء نحو ألا يتأثر أحد من دول الحوض فى حصة المياه التى يحصل عليها رغم توقيع 6 دول على الاتفاقية الإطارية وامتناع مصر والسودان عن التوقيع تلك الاتفاقية «المأزق» التى تبحث «أكتوبر» مع الخبراء فى السطور التالية عن سبل الخروج منه. حول رأيه فى هذه القضية الشائكة يقول د. حسين العطفى وزير الرى والموارد المائية السابق إن هناك العديد من المسارات من الممكن تنفيذها - بالاتفاقية مع إثيوبيا إذا لم تتحقق المبادرة القائمة على التوافق وبناء الثقة وخاصة أن الاتفاقة الإطارية ليست ملزمة للدول التى لم توقع عليها مثل مصر والسودان ولا تعفى الدول التى وقعت عليها منفردة من التزاماتها نحو الحقوق الحالية لمصر والسودان وبهذا يكون الشكل الإجرائى ليس مكتملاً ويخرج الاتفاقية من تحت مظلة المبادرة ويكون لها تأثير سلبى على المجتمع الدولى. وأضاف لذلك فلابد أن تكون هناك مسارات عديدة وعاجلة إذ أنه يجب السير فى تلك المسارات جنباً إلى جنب من خلال التعاون مع شمال وجنوب السودان ومع دول النيل الشرقى والنيل والجنوبى مع وجود تعاون اجتماعى وسياسى واقتصادى وثقافى ودينى وفى نفس الوقت نتجه إلى طريق مواز إذا أمكن الوصول إلى صيغة توافقية تحقق التوافق مع كل الدول بجانب مسار آخر وهو المشروعات التنموية المشتركة لصالح كل الدول من خلال التبادل التجارى والتعاون الفنى فى كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والزراعية والصناعية والإعلامية واستخدام القوة الناعمة مثل الأزهر والكنيسة والنقابات والملاحق الثقافية فضلاً عن تبنى رؤى ثقافية لتعظيم التعاون وإعطاء أولوية للأبعاد والمصالح السياسية والتحالفات. وأوضح العطفى أن المسار الآخر هو تقييم اللجنة الثلاثية لسد إثيوبيا وباقى السدود المقترحة والتعرف على بدائل للسد ومنها تقليل السعة التخزينية للسد أو نقل السد لأحد الروافد الفرعية ودراسة جميع المشروعات التى تعتزم إثيوبيا إنشاءها مستقبلاً سواء على النيل الأزرق أو غيره. مشيراً إلى أن هناك مساراً آخر هو إقامة مشروعات مع إثيوبيا والسودان لتكون رسالة للمجتمع الدولى بأن مصر لا تمانع فى إقامة مشروعات تنموية مادامت لا تؤثر على مصلحة أية دولة، وأن مصر تساعد فى المشروعات على أساس التوافق وخاصة أن الوضع المائى لمصر أصبح حرباً، لذا فإن للقاهرة مطالب عادلة أبرزها زيادة إيراد النهر، كما أنها رسالة بأن مصر هى شريكة فى التنمية. وطالب العطفى باستثمار الثورة وخاصة بعد انتخاب رئيس للجمهورية، حيث عادت الطموحات المصرية باستعادة الدور الريادى فى دول حوض النيل، ولذلك فإن ملف المياه يجب أن يكون من أولويات الأجندة السياسية للحكومة والرئيس د. محمد مرسى لأنه يمس الأمن والسلام الاجتماعى للشعب المصرى، مشدداً على أهمية التعاون مع دول حوض النيل وخاصة السودان، لأنها العمق الاستراتيجى لمصر. وأضاف لابد أن نهتم بالدول التى لم توقع حتى الآن على الاتفاقية الإطارية مثل الكونغو بتعزيز التعاون فى كل المجالات خاصة الاقتصادى، كما أنه لابد أن نتجه إلى مسار آخر وهو الشق القانونى بإعداد ملف قوى يساعد الموقف المصرى. وطالب العطفى بأن تكون سبل التعاون مع كل دول حوض النيل وأفريقيا مفتوحة فى كل المجالات لأنها أصبحت ضرورة وليست خياراً وهى أولويات مفروضة. كما يجب أن نمد يد العون لكل دول الحوض من أجل التعاون مع دول أفريقيا من خلال نقل الخبرات والمهارات والكوادر المصرية لتستعيد مصر دورها الطبيعى والريادى فى أفريقيا. وأضاف: لابد من معرفة التداعيات القانونية والمؤسسية للاتفاقية الإطارية، لأن بعض الدول لم توافق عليها، كما يجب أن نوضح للعالم أننا نسعى إلى التعاون المستمر مع جميع دول الحوض، فضلاً عن حشد رأى عام لكى نخرج الاتفاقية من تحت مظلة حوض النيل وهذا سوف يكون له تأثيرات كثيرة ومتعددة، ولذلك تحاول مصر الوصول إلى صيغة توافقية على دول الحوض لتفادى التصادم إذ أنه لابد أن يحدث توافق لأن نهر النيل هو الذى يربط شعوب دول الحوض. وشدد العطفى على أنه يجب على الرئيس والحكومة وضع ملف المياه على رأس أولويات الأجندة من خلال ترشيد استخدامات المياه، فضلاً عن البحث عن تحلية المياه الجوفية شبه المالحة والمياه الجوفية لكى تستخدم فى الزراعة والصناعة والشرب وتدوير المياه مرات عديدة لتعظيم العائد وهذا يتطلب تطوير وتعظيم استخدامات المياه المتاحة والبحث عن بدائل عن طريق تحلية مياه البحر بالطاقة المتجددة والطاقة الشمسية والطاقة النووية فى تحلية المياه مستقبلا. وأكد أنه من الضرورى دراسة جميع المشروعات التى تعتزم إثيوبيا إنشاءها لكى تقوم بالتعاون معها ولتجنب التأثير السلبى على حصتى مصر والسودان - كما أنه يجب أن يعلم العالم أن التعاون هو الحل الوحيد وليس التوقيع المنفرد. مشاكل المبادرة من جهته قال د. هشام قنديل وزير الموارد المائية والرى إنه تمت مناقشة المشاكل التى تواجه المبادرة فى الاجتماع السادس والثلاثين للخبراء الفنيين لدول حوض النيل بمدينة كيجالى برواندا فى الفترة من 2-3 يوليو الماضى وبحضور كل دول حوض النيل العشر فيما عدا إرتيريا التى تأخذ دور المراقب، وناقش الاجتماعات التحديات التى تهدد استمرارية العمل الجماعى بالمبادرة وساهم حضور مصر والسودان فى الاجتماعات فى ايجاد جو من التفاهم والإيجابية بين الوفود فى إطار من المصارحة والشفافية. وأكدت الاجتماعات على ضرورة ايجاد حلول، وكذلك عرض تقرير الاستشارى الفنى والخاص بدراسة بدائل التطوير المؤسسى للمبادرة، أيضاً تمت مناقشة المشاكل التى تواجه المبادرة والتى تبحث عن تجميد مصر والسودان أنشطتهما نتيجة توقيع بعض الدول على الاتفاقية الإطارية قبل التوافق على النقاط العالقة. وأضاف الوزير أنه عقد لقاءات ثنائية وثلاثية بعد عودته إلى مصر مع مسئولين بدول حوض النيل بهدف التنسيق مع هذه الدول للتأكيد على خروج الاجتماع بنتائج إيجابية وسوف يعقد اجتماع منتدى البرلمانيين ويمثل فيه مصر وفد من 3 أعضاء من مجلس الشورى. من جانبه يقول د. محمد أسامة محمد خبير الموارد المائية إن إثيوبيا تملك على مجرى النهر خمسة خزانات هى بلبل وامبيلا وأبى شبيلى واديسون جوندس، ذبان أدنا كما توجد أربعة مشروعات أخرى تم تنفيذ المرحلة الأولى منها وهى سد فينشا ومشروع بليس الأعلى ومشروع بليس الأوسط ومشروع جمبيلا وتعلن إثيوبيا عن دراسة حوالى 30 مشروعاً أخرى تستقطع فى حال تنفيذها من 4.5 إلى 8 مليارات متر مكعب من مياه النيل الأزرق سنوياً. ويضيف د. أسامة أنه تم تأسيس المكتب الإقليمى الفنى للنيل الشرقى «الانتروا» فى مارس 2001 بالاتفاق بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا ومقره أديس أبابا بهدف بحث المشروعات المائية المشتركة والتى تم تجميعها فى برنامج العمل لحوض النيل الشرقى، ويتضمن البرنامج عدة مشروعات فى مجال مراقبة الفيضانات وتوليد الكهرباء من مياه النهر ومن بينها إنشاء آليه مشتركة لمراقبة الفيضان والإنذار المبكر من خلال المشاركة فى المعلومات وتحليل البيانات والسعى لتخفيف حدة الفيضان ومشروع استثمار تجارة الطاقة بين الدول الثلاث والدول الأخرى وإنشاء شبكات ربط كهربى ومشروع إدارة أحواض الأنهار ويهدف إلى تقليل كميات الطمى المترسب فى بحيرة ناصر لتحقيق الفائدة والتعاون على المستوى الاقليمى، بالإضافة إلى مشروع للرى والصرف والاستثمار المشترك فى المشروعات الزراعية المشتركة فضلاً عن مشروع إنشاء نموذج رياضى للنيل الشرقى يهدف للتخطيط للمشروعات ودعم متخذى القرار بالحلول والبدائل سعياً لتجنب أى آثار سلبية على أى من دول الحوض، بالإضافة إلى مشروع نهر السوباط «البارواكوبو» ويهدف إلى توفير كميات المياه الكبيرة التى تضيع فى المستنقعات وإحداث تنمية ومتكاملة فى مجالى الزراعة والطاقة. وعلى الرغم من تلك المشروعات والاتفاقات التاريجية التى تحفظ الحق المصرى ونصيبها من ماء النهر وهو ما قد تفجر عند التوقيع على الاتفاقية الإطارية وكانت مصر قد طرحت سابقاً فكرة استفادة دول الحوض بجزء من الفوائد المائية للتساقط المطرى على حوض النيل وإنشاء صندوق لتمويل المشروعات يلحق بالبنك الأفريقى للتنمية بصورة مؤقته وعقد اجتماع للجنة التفاوض المشتركة حول الإطار المؤسسى والقانونى لمبادرة آليه حوض النيل. وشددت رغم ذلك على التمسك بمبدأ الحقوق التاريخية لاستخدامات مصر لمياه النيل. وقد نشطت محاولات التعاون بين دول الحوض تحت تأثير الدفع المصرى عقب إعداد التجمع البرلمانى لجماعة دول شرق أفريقيا (كينيا، وأوغندا وتنزانيا) تقريراً فى أغسطس 2003 حول اتفاقية ماء النيل عام 1929 بين مصر وبريطانيا انتهى للمطالبة بمراجعة نصوص الاتقافية مع اقتراح بيع مياه البحيرات العظمى لمصر والسودان مما نبّه الدولة المصرية إلى الخطر المحيط بنصيبها من المياه وأدى إلى تمسك مصر بتواجد نصر صريح ينص على حصتها وحقوقها، وذلك فى مواجهة باقى دول حوض النيل ورفضت مصر التوقيع على الإطار المؤسسى والقانونى دون تحقيق طلباتها وهذه المبادرة تهدف إلى الاتفاق على عدم الإضرار وتبادل المعلومات وإقامة المشروعات المشتركة وتؤكد على حق كل دولة فى مياه النيل وإنه لا نقل للمياه خارج حوض النيل ولا بيع للمياه ومبدأ الاتفاقية الأساسى يقوم على ألا يضر أى مشروع بأية دولة أخرى ويجب أن يكون هناك نفع على الأقل لدولتين، إضافة إلى إنشاء هيئة مشتركة لمياه نهر النيل وأهدافها متابعة استخدامات الدول لمياه نهر النيل واقتراح المشروعات التى تفيد الأطراف ومع أى نزاع بين دول الحوض يتم اللجوء إليها أولاً قبل اللجوء للتحكيم الدولى. أضاف د.محمد أسامة أن تنمية العلاقات بين دول الحوض وتبادل المصالح التجارية والثقافية والسياسية معها هى ما أدركته مؤخراً الإدارة المصرية.