لم يكن الرئيس محمد نجيب من الذين سارعوا إلى رواية مواقفهم أو ذكرياتهم عن ليلة الثورة أو ما سبقها على نحو ما فعل الرئيس السادات على سبيل المثال ذلك أن الرئيس محمد نجيب كان مشغولا تماما بقيادته للثورة ولمصر وباستقبال الزعماء والضيوف وحل الأزمات ولم يكن ينقصه شىء يمكن للمذكرات أو الأحاديث أن تعوضه عنه فقد حظى من الشعب وبسرعة بالغة بالقبول والزعامة والحب والاحترام والشعبية والسلطة.فلما كتب الرئيس نجيب مذكراته حرص على أن يبدو فى منتهى الصدق والواقعية فيما يتعلق بحقيقة الدور الذى قدر له أن يلعبه فى حركة 32 يوليو 2591وهو لا يعطى نفسه ولا ينسب لها أدواراً لم تلعبها. كما أنه فى ذات الوقت لا يتنصل من أى عمل قام به، كذلك فإنه لا يبالغ فى تصويرأحاسيسه ومشاعره واتصالاته، إنما هو يصور الأمور تصويرا جيدا بكل ما فى ذلك من مشاعر الخوف والوجل والاضطراب والقلق والتوجس والترقب، ونحن نرى هذه المعانى واضحة حين نقرأ ما نراه يرويه.. بكل براءة.. حتى عن بعض حواراته التلقائية والروتينية ليلة الثورة... صليت العشاء ورحت أتلو هذه الآية عشرات المرات.. وعينى على التليفون.. الجهاز الوحيد الذى يربطنى بالعالم الآن.. عند منتصف الليل اتصلت زوجة شقيقى «على» لتسأله عنه قالت: «أنا مشغوله عليه فليس من عادته أن يتأخر دون أن يقول لى. طمأنتها.. وقلت لها: اطمئنى.. سأبحث عنه». لم يكن على ( أى اللواء على نجيب شقيق محمد نجيب وسفير مصر فى سوريا بعد الثورة) يعرف شيئاً عن الحركة ورغم ثقتى المطلقة به فإننى لم أحدثه عنها مطلقاً.. خشيت أن يتعارض ذلك مع واجبه العسكرى فقد كان قائد حامية القاهرة والمسئول عن أمنها وحمايتها.. وان كنت نصحته بصورة غير واضحة وغير مباشرة، أن يجرى بعض التدريبات لجنوده فى أماكن بعيدة عن مسرح الأحداث. «بعد دقائق طلبنى على التليفون.. ربما ليتأكد من وجودى فى البيت.. ثم أخبرنى أن بعض قوات الجيش تتجه نحو قصر عابدين.. فطمأنته هو الآخر وطلبت منه أن يتجه بنفسه إلى قصر عابدين ليرى ينفسه ما يجرى هناك لعلمى أن قصر عابدين كان خارج خطة التحركات فى هذه الليلة. وأعدت السماعة إلى مكانها.. دون أن أرفع عينى من على التليفون.. ودون أن أعرف كيف ستمر هذه اللحظات دون أن أنفجر من القلق.. فكرت فى أن أرتدى ملابسى وأنزل إلى القيادة.. لكنى رجعت فيما فكرت فيه لأن الالتزام بأية خطة هو السر الوحيد وراء نجاحها.. وخشيت أن يقبض علىّ قبل أن أصل إلى القيادة فينتهى كل شىء. بعد قليل، اتصل بى من الإسكندرية أحمد مرتضى المراغى وزير الداخلية، وقال لى: يانجيب بك، أتوسل إليك كضابط وطنى أن توقف هذا العمل!». قلت له: ماذا تقصد بالضبط؟. «أنك تعرف ما أعنى .. فأولادك بدأوا شيئاً فى كوبرى القبة وإن لم تمنعهم فسيتدخل الإنجليز». قلت: «أنا لا أعرف ما تتحدث عنه!. قال: «يانجيب أنت تعرف جيداً ما أقوله.. فتحرك قبل فوات الأوان». على هذا النحو كان الحوار يدور بين مرتضى المراغى وزير الداخلية (الذى عمل قبل ذلك كوزير للحربية والداخلية معا) والرئيس نجيب ونحن نرى ملامح التحرش من نجيب بالوزير واضحة فيما يلى من فقرات كما نرى الرئيس نجيب وهو يتمتع بصدق تلقائى فيما يرويه إلى أن يصل إلى التصريح. دون تغطرس - بأن وزير الداخلية أغلق خط التليفون فى وجهه حين يئس من أن يحصل منه على وعد ذى قيمة!:. قلت: هل تشك فى أننى أدبر انقلابا؟.. هل تريد أن تلصق بى هذه التهمة الخطيرة؟ ألا يكفى أننى مراقب وأنا فى بيتى!!. قال: أقصد أن لك سيطرة على ضباطك وجنودك .. اذهب إلى كوبرى القبة واصرفهم». قلت: «يانجيب.. رئيس الوزراء سيستدعيك قريباً!». «وأقفل الخط». بعد أقل من ربع ساعة اتصل بى فريد زعلوك وزير التجارة والصناعة وقال: «ولادك يانجيب عاملين دوشة فى كوبرى القبة قوم شوف الحكاية!». قلت له: «أنا ماعنديش ولاد». قال: إذا لم توقف الانقلاب فسوف يعود الإنجليز لاحتلال مصر». قلت: هذا اتهام أرفضه!». فأغلق الخط». ??? ثم يروى الرئيس نجيب جزءاً قليلاً من الحوار الذى دار بينه وبين رئيس الوزراء الأخير فى عهد الملك فاروق،وقد كانا يعرفان بعضهما بالقدر الكافى لأن يحدث الحوار بينهما على هذا النحو الذى لا يخلو من الود ولكنه لم يكن فى ذات الوقت حوار الأصدقاء أو المتحالفين: «ثم تلقيت مكالمة من رئيس الوزراء نجيب الهلالى شخصاً قالى لى: «يانجيب.. أنا أستاذك فى مدرسة الحقوق.. ما يحد الآن مسألة عواقبها وخيمة.. وتفتح الباب لتدخل الانجليز.. لكنى عدت للمرة الثالثة أنفى معرفتى بما يجرى». «وانتهت المكالمة». وتضاعف ارتباكى وقلقى ووصلت حيرتى إلى القمة.. وظلت فى هذه الحالة إلى أن جاء الفرج». «رن التليفون.. وعندمات رفعت السماعة جاء صوت الصاغ جمال حماد يهنئنى بنجاح المرحلة الأولى.ز قال: «مبروك يافندم كله تمام». استولى أولادى على القيادة العامة.. مركز الاتصالات الحيوية وتحركت المدرعات ودخلت القاهرة .. وتجمع الجنود بعرباتهم المدرعة فى شارع الخليفة المأمون». أى أن الخطة نفذت تقريباً كما رسمناها». «لكن بسبب خيانة أحد الضباط عرف المسئولون عن أمن القيادة خبراً بالحركة فاستعدوا للمقاومة.. ولم يكن هناك مفر من الاستيلاء على المقر بالقوة فمات اثنان من الجنود.. وجرح اثنان آخران فى القاعدة الجوية بألماظة