اعتاد المصريون –منذ سنوات عديدة مضت- أن يحصلوا علي «هدية» من رئيسهم أول كل سنة مالية تعرف ب»العلاوة»، تكون عبارة عن زيادة في الأجور التي يحصلون عليها لتكون عونا لهم علي مواجهة غلاء الأسعار فى الأسواق، ورغم أن هذه الزيادة كانت في العهد السابق «عادة»، فإن تقرير الرئيس الجديد محمد مرسي لهذه العلاوة أوقف الدنيا ولم يقعدها، كأن الرجل فعل «معصية»، لأنه منذ صدر القرار الجمهوري الخاص بهذه، امتلأت الأرض ضجيجا، بمن ينكرون على الرئيس هذا التصرف.جاءت علاوة الرئيس مرسى بنكهة مختلفة عن علاوة المخلوع، فالأولى قوبلت بهجمة شرسة ممن يطلقون على أنفسهم خبراء الاقتصاد، الذين طالما تغنوا سابقا بعبقرية السياسات الاقتصادية ل»مبارك» وصبيانه فى عصابة لجنة السياسات «غالي» و«محيى الدين» و»عز»، فالعلاوة أو «منحة الرئيس» تحولت إلى «حلاوة» نجاح الرئيس الجديد، وكأن الرئيس مرسى هو من حدد ميعاد الانتخابات لكى تعلن النتيجة بالتزامن مع بداية العام المالي. وبقدرة قادر، تحولت هذه الجنيهات المعدودة المضافة إلى أجور الموظفين والعمال الغلابة إلى تهديد عظيم على الاقتصاد المصرى الذى يعانى عجزا فى الموازنة وتضخماً فى معدلات الدين العام، فالحلال على المخلوع أصبح حراماً على الرئيس المنتخب شعبيا، وسابقا كانت الأمور وردية وتحولت إلى نكبة، لا ديون فى السابق ولا عجز موازنة ولا نهب عبر المرتبات الميلونية، فقط تثاقلت الهموم وتزايدت عندما قرر الرئيس ألا يحرم الغلابة من علاوتهم، التى لا تساوى شيئا مقابل نار الغلاء، الذى يكتوى بها الغلابة ويحصد ثمارها الأغنياء من أصحاب الأعمال. فالقرار باختصار هو منح العاملين بالجهاز الإدارى للدولة علاوة قدرها 51%، وزيادة المعاشات بنسبة 51%، وبحد أدنى 05 جنيها، ودون حد أقصى مراعاة للظروف الاجتماعية لهم، أخيرا، زيادة معاش الضمان الاجتماعي، ليصل إلى 003 جنيه شهريا طبقا لعدد أفراد الأسرة، بما يكلف الدولة نحو 13.5 مليار جنيه، منها نحو 4 مليارات تكلفة العلاوة، والباقى لتمويل زيادات المعاشات. بدأ الهجوم على قرار العلاوة، الذى يعوض جزءاً من تآكل قيمة النقود بسبب التضخم، بالقول بأن الرئيس اتخذ القرار بدون التشاور مع الحكومة، وأن الرئيس يكرس فكرة ديكتاتورية اتخاذ القرار، وقد يكون ذلك قد حدث بالفعل وهو «منكر»، لكن الانفرد بالرأى لا يعنى أبدا خطأ القرار، وإنما تكون الرسالة للرئيس أن يعكف على دراسة قراره قبل الإعلان عنه لعلاج آفة طالما نهشت فى جسد الاقتصاد قبل الثورة، لا أن يكون كلام الخبراء أن القرار خاطئ لأنه لم يتشاور مع الحكومة فيه، لأن ذلك ينطوى على مبالغة غير مقنعة، والدليل على ذلك أن الحكومة سارعت إلى الترحيب بالقرار لأنه مطلب شعبى مؤكدة قدرتها على توفير التمويل. وانطلقت الموجة الثانية من الهجوم على القرار من شائعة أطلقتها وسيلة إعلامية، مفادها أن «المالية» تعتزم تمويل العلاوة من أموال الخمور والسجائر، وذلك بفرض رسوم قدرها 001% على الخمور المستوردة، لتحصيل 058 مليون جنيه، فضلا عن فرض رسوم اضافية قدرها 51% على السجائر الفاخرة، لتحصيل نحو 1.5 مليار جنيه، إضافة إلى فرض رسوم وضرائب أخرى على هذه المنتحات لتكتمل الحصيلة 13.5 مليار جنيه هى المبالغ المطلوبة للتمويل. يأتى ذلك فى الوقت الذى أكد فيه ممتاز السعيد وزير المالية أنه لا توجد نية حاليا لفرض أى ضرائب جديدة لتمويل العلاوة، نافيا كل ما يتردد بشأن لجوء الحكومة إلى فرض ضرائب على الخمور والسجائر المستوردة حتى تستطيع توفير ال 51% نسبة العلاوة الاجتماعية الجديدة، التى أعلن عنها الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية. وأوضح أنه سيتم تمويل العلاوة من احتياطيات بند الأجور الموجودة فى الموازنة العامة، لافتا إلى أن مشروع الموازنة العامة الجديدة للعام المالى 2102/3102، لا يتضمن أية ضرائب جديدة أو زيادة فى الأعباء الضريبية أو الرسوم. وعاد السعيد ليؤكد -فى كلمته بمجلس الشورى فى جلسة لمناقشة الدين العام- أنه لا يؤيد إعطاء العلاوة الاجتماعية للموظفين، لأنهم يحصلون على رواتب بالفعل، إنما مع اعطاء هذه المبالغ للعاطلين كإعانة لهم إلى أن يجدوا عملا، خاصة أن نسبة البطالة 12%. وطالب وزير المالية بضرورة أن تتبنى الحكومة مشروعا لإقامة المشروعات القومية، لأن وضع العاطلين غير آدمى من حيث عدم الاستفادة من طاقاتهم المهدرة على المقاهي، وعليهم أن ينصاعوا برغبتهم أو غير رغبتهم لهذه المشروعات القومية بدلا من أن يتبنوا المطالب الفئوية دون إنتاج حقيقى. من جانبه أشار هانى قدرى رئيس وحدة التحليل والتوقعات الاقتصادية بوزارة المالية إلى أن الإعلان عن العلاوة السنوية أمر دورى وليس بالشئ الطارئ، وأنه بمراجعة الأمر خلال السنوات الأخيرة، يتأكد أن العلاوة لم يصاحبها أبدا فرض أية ضرائب أو زيادة فى التزامات المواطنين أو الشركات، سواء فى عهد الرئيس المخلوع مبارك أو بعده؛ نظرا لعدم دستوريته. وقال قدرى إن الاستثناء الوحيد فى هذا الأمر وقع فى علاوة عام 8002، لأنها كانت خارج التوقعات، عندما قرر الرئيس المخلوع بدون أدنى دراسة أن تكون العلاوة 30% إضافة إلى العلاوة الدورية السنوية وقدرها 7%، علاوة على زيادة القيمة المقررة لدعم السلع الأساسية، وهو ما لم تكن تتحمله ميزانية الدولة، مما اضطر «المالية» للإعلان عن إلغاء إعفاءات المناطق الحرة من الرسوم ورفع رسوم تراخيص السيارات الفارهة. وبعقلانية شديدة، يأتى الدور على ما يثار من مخاوف حقيقية مما قد يترتب على اصدار هذا القرار الجمهورى، الذى يضيف 13.5 مليار جنيه على أكثر من 041 مليار عجز مبدئياً فى الموازنة العامة، مما يستوجب من الحكومة أن تسارع إلى تنفيذ استراتيجية متكاملة للحد من عجز الموازنة، وليكن قرار «العلاوة» الاجتماعية دافعا جديدا للحكومة للمضى قدما فى هذا الأمر، الذى يعد أخطر تهديد للاقتصاد المصرى خلال السنوات القادمة. فتمويل العلاوة ليس هو لب القصية بل التداعيات المتوقعة هى القضية، فالدكتور فرج عبدالفتاح أستاذ الاقتصاد بمعهد الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة يرى أن الحكومة أمامها خيارات عديدة يمكن اللجوء إليها لتدبير التمويل، أولها، فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية على البورصة، خاصة أن الظروف مواتية لفرض هذه الضريبة، ثانيها، الاستعانة بما يتوافر لدى الخزانة العامة من احتياطيات نقدية موجودة فى البنك المركزي. فيما تصف د. ماجدة قنديل المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية زيادة أجور العاملين فى الجهاز الإدارى بواقع 51% بالأمر المقيت، نظرا للظروف الصعبة التى تمر بها البلاد، كانت تستوجب من الحكومة أن توقف آلة الانفاق الاستهلاكى التى تمول بالعجز، وذلك فى الوقت الذى تحتاج فيه الأسواق إلى المزيد من الاتفاق الاستثمارى الحكومى لدفع عجلة الاقتصاد للأمام. وقالت قنديل إن قرار العلاوة سيكون مكلفا جدا لمحدودى الدخل فى مصر، لأن زيادة أجور أكثر من 6.5 عامل وموظف ب51% فى هذه الظووف يترتب عليه بلا محالة دخول الأسواق حالة من التضخم الجهنمى التى يترتب عليها تآكل قيمة النقود، وبالتالى يجد الموظف نفسه فى مأزق كبير فما كان يشتريه بجنيه واحد يشتريه بجنيه ونصف الجنيه، ومن ثم يزيد الانفاق بنحو 50% مقابل زيادة فى الأجور 15%. ونصحت المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية بأن تسارع الحكومة فى البدء بتنفيذ حزمة من الاستثمارات فى الأسواق لزيادة الانتاج بما يقلل من صدمة هذه الزيادة فى الأجور التى ستترجم إلى زيادة فى الطلب على السلع فى الأسواق، إضافة إلى تحفيز أداء القطاع الخاص باقرار المزيد من الحوافز للاستثمارات الجادة والتوسع فى اقراض المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، وأخيرا، الرقابة الرشيدة على الأسواق لحماية المستهلكين من غلاء الأسعار غير المبرر. «العلاوة لها تأثيرات إيجابية» وفقا للدكتور مصطفى السعيد وزير الاقتصاد الأسبق، أولها، تحريك الركود، الذى يعانى منه السوق، بما يدفع إلى تحريك عجلة الإنتاج التى توقفت منذ عام ونصف العام، وثانيها، تحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية، خاصة أنها تستهدف محدودى الدخل، وبالتالى رفع المعاناة عن كاهل ملايين المصريين، الذين يعانون من ارتفاع الأسعار. ورفض المخاوف التى يرددها البعض بشأن عجز الحكومة عن إيجاد تمويل آمن لها بدون اللجوء إلى فرض المزيد من الضرائب، مؤكدا أن توفير التمويل أمر يسير للغاية، خاصة أن المطلوب هو 13.5 مليار جنيه تتحقق من رفع كفاءة جهاز تحصيل الضرائب، وترشيد الانفاق الحكومى الاستهلاكي، فضلا عن الاحتياطى فى بند الأجور فى الموازنة. فيما أوضح د. محمد جودة عضو اللجنة الاقتصادية لحزب الحرية والعدالة أن ارتفاعات الأسعار تزيد لأسباب عديدة، منها نقص العرض من السلع نتيجة قلة الانتاج، وزيادة الطلب على السلع لزيادة النقود المعروضة فى الأسواق، أو لوجود تشوهات فى الأسواق تغرى التجار بزيادة أسعار السلع لتعظيم الأرباح. ولحماية العلاوة الإجتماعية من تآكل الأسعار، نصح عضو اللجنة الاقتصادية ل «الحرية والعدالة بضرورة العمل على ضبط آليات الرقابة الحازمة على الأسواق عن طريق إدارات ومباحث التموين، وتفعيل عوامل الشفافية والإفصاح وتداول المعلومات داخل الأسواق، وتعظيم دور المنافسة الكاملة ومحاربة الاحتكارات، بالإضافة إلى علاج الاختناقات بين عمليات الإنتاج والتوزيع والنقل والبيع النهائى للمستهلك. وشدد على أهمية وجود خطط عاجلة لإنتاج السلع الأساسية وتوافرها بالأسواق بما يضمن توازن العرض مع الطلب، فضلا عن تفعيل دور الرقابة الشعبية على الأسواق، ودور المقاطعة للتجار الجشعين، ولا مانع من اللجوء إلى لوائح الأسعار الاسترشادية فى حالات الأزمات، موضحا أنه من الممكن أن تساهم الدولة فى إحداث التوازن السعرى فى الأسواق عن طريق تفعيل دور المجمعات الاستهلاكية المملوكة لها والمجمعات التعاونية المملوكة للمجتمع المدني. أما البدرى فرغلى رئيس النقابة العامة لأصحاب المعاشات، فكان له رأى مختلف عندما أكد أن العلاوة التى قررها الرئيس محمد مرسى بنسبة 51% لا تكفى أبدا لتكريم أصحاب المعاشات، لأن العلاوة بهذه النسبة المتواضعة تعد تقليصا لحقوق أصحاب المعاشات، ممن أهدرت أموالهم على مدار السنوات السابقة من قبل النظام البائد. ويرى د. حاتم القرنشاوى عميد تجارة الأزهر السابق أن هناك عجزاً فى الموازنة العامة بعد ثورة 52 يناير بسبب بعض المطالب الفئوية المستمرة من حين لآخر وزيادة الإنفاق على بعض الموارد فلكى نتغلب وندبر هذه العلاوة بالقدر الكافى هناك مجموعة أساليب يمكن الاستناد إليها لكى نحقق بعض الشئ الأكثر أهمية لمطالب الناس وتحقيق العدالة الاجتماعية وذلك من خلال أساليب وموارد جديدة وفرض ضرائب على بعض السلع المنتجة وأيضا التمويل من خلال الإصرار الجاد على زيادة ودفع عجلة الإنتاج إلى الأمام فى جميع المجالات التى تدر عائداًمادياً نستطيع من خلاله سد عجز الموازنة وأضاف أيضا يمكن تنشيط السياحة وخصوصاً أننا مقبلون على موسم سياحى شتوى كبير يعود بالعملة الصعبة للبلاد وذلك خلال فترة قصيرة لدفع الاقتصاد القومىللأمام وفرض ضرائب على التأشيرات أو ماشابه ذلك. محمد نور الدين خبير مصرفى - يقول إننا نستطيع أن ندبر التمويل الكافى للعلاوة من خلال مصادر عادية معناها إعادة النظر بسرعة فى الضرائب المفروضة حاليا بنسبة 51% كحد أقصى بالإضافة إلى فرض ضرائب على ارباح الشركات وتوزيعات الأسهم والسنادات بحيث يمكن فرض ضريبة على حكم التداول فى البورصة بحيث نتفادى قدوم الأموال الساخنة التى تسبب أزمات فى البورصة من وقت لآخر.