فى الوقت الذى انشغلت فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية، فى تطوير طائراتها (Convair B - 36)، حتى يمكنها حمل قنابل نووية أكثر قوة، وقدرة على التدمير، وفى الوقت الذى تصوًَّرت المخابرات الأمريكية فيه، أنها قد صارت قوة استخباراتية لا يشق لها غبار، أعلن الاتحاد السوفيتى فجأة، فى التاسع والعشرين من أغسطس عام 1949، أنه قد أجرى تجربة ناجحة، لتفجير قنبلته الذرية الأولى، فى منطقة (سيمى بالاتينسيك)، فى (كازاخستان).. وكانت صدمة رهيبة، ليس للمخابرات الأمريكية وحدها، ولكن لكل مواطن أمريكى أيضاً، فبعد أن امتلأت نفوس الأمريكيين بشعور القوة والتميًَّز، وصاروا على قمة العالم، وبدأوا بالتعالى على السوفييت بالتحديد، نزل ذلك الخبر على رءوسهم كالصاعقة، ونسف زهوهم وشعورهم بالقوة بضربة واحدة، فلم يكن هناك مخلوق واحد، لا بين العامة، ولا بين السياسيين، ولا حتى بين رجال المخابرات الأمريكية أنفسهم، يتصوًَّر، أو يمكن حتى أن يتصوًَّر، أن يتمكًَّن السوفييت من بناء قنبلتهم الذرية الأولى بهذه السرعة.. كان علماء مشروع (مانهاتن) قد حذروًَّا من أن السوفييت سيتوصلون حتماً إلى سر صنع القنبلة الذرية، لأنه من المستحيل حجب العلم عن الآخرين، الذين يمتلكون عقولاً وعلوماً، تتساوى مع من أبدعوا القنبلة الأولى، ثم أن السوفييت كانوا يمتلكون الإمكانيات اللازمة؛ لإنتاج القنبلة الذرية، وكل ما ينقصهم، هو الخطوط الأساسية لتصميم وصنع القنبلة.. وبسرعة، سرت فى أروقة المخابرات الامريكية معلومة بالغة الخطورة، تقول: إن السوفييت قد حصلوا، من خلال أحد جواسيسهم، والذى يعمل لحساب (KGB)، على التصميمات الأوليًَّة، للقنبلة الأنشطارية، التى القيت على (ناجازاكى) اليابانية!.. وفى الوقت الذى أصيبت فيه المخابرات الامريكية بحمى البحث عن الجاسوس، الذى سرًَّب أسرار القنبلة الذرية، أصيب الشعب الأمريكى بحمى جديدة، أطلقوا عليها اسم (الرعب النووى)، وهى حالة من الهلع الشديد، من أن تدور عليهم الدوائر، ويصبحون ضحية لانفجار ذرى سوفيتى، كما كانوا الجناة ذات يوم، عندما فجًَّروا قنابلهم الذرية فى اليابان.. وعلى نحو محموم، نابع من ذلك الرعب النووى، بدأ الأمريكيون فى بناء مخابئ نووية، فى الحدائق العامة، وتحت منازلهم، وزودوًَّها بكميات هائلة من المياه والاطعمة المحفوظة، حتى يمكنهم العيش فيها لسنوات، إذا ما تعرضت الولاياتالمتحدةالامريكية لقصف نووى، خاصة وأن السوفيت قد استعانوا بأسراهم من العلماء الالمان؛ لتطوير الصواريخ الالمانية (ف - 1)، و (ف - 2) (V1 and V2)، والتى استخدمها (هتلر) فى نهايات الحرب العالمية الثانية، لقصف لندن من أوروبا والتى كان لها الدور الأكبر، فى الدمار الهائل، الذى شهدته لندن، فى سنوات الحرب وأشهرها الأخيرة، وصار لدى الروس ما يعرف باسم (الصواريخ عابرة القارات)، والتى يمكن إطلاقها من أقصى شرق روسيا، نحو القارة الامريكية، وهى تحمل رءوساً نووية بالغة الشدة والقوة التفجيرية.. المشكلة الكبرى آنذاك، كانت أن روسيا، فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تمتلك ترسانة من الصواريخ، التى طوًَّرتها كثيراً، خلال اهتمام الأمريكيين بتطوير أسلحتهم النووية، مما زاد من حدة الهلع النووى، الذى بلغ حد إصابة ما يزيد على الستين فى المائة، من الأمريكيين البالغين، بحالات اكتئاب مرضى، وهلع نفسى متواصل، وإرهاق شديد، بسبب عجزهم عن النوم، من شدة خوفهم على أنفسهم وعلى أسرهم.. ربما لأن الخوف لم يقتصر على الخوف من الضربة النووية فحسب، وإنما امتد إلى الخوف من الشيوعية والشيوعيين، ومن أن يستيقظوا يوماً، فيجدون أنهم صاروا تحت الاحتلال السوفيتى، ولقد دفعهم هذا، ودفع مخابراتهم، التى كان يرأسها - آنذاك - (آلان فوستر دالاس)، ومكتب المباحث الفيدرالية (FBI)، التى كان يرأسه (جون ادنمار هوفر)، المعروف باسم (إدجار هوفر)، إلى الشك فى كل من ينتمى أو يتعاطف مع الفكر الشيوعى، وبلا أدنى رحمة.. فى تلك الفترة تم اعتقال المئات للتحقيق معهم، ومن بينهم (هارى جواد)، الذى ألقى القبض عليه، ثم أفرج عنه، عندما لم يثبت عليه شىء.. العجيب أنه بعد ذلك، وفى الثالث والعشرين من مايو، عام 1950، تم اعتقاله فى (فلاديلفيا)؛ بعد ان تبين من التحريات توًَّرطه فى شبكة تجسًَّس سوفيتية، تعمل فى أمريكا منذ الثلاثينات، ومع اعتقاله، ويقينه من أن كل الأدلة تدينه، كشف (جواد) عن أسماء باقى أفراد الشبكة، فى محاولة للتخفيف من عقوبته، واعترف بأنه، وفى يونيو 1945، التقى بأحد العسكريين الأمريكيين، والذى يعمل فى قاعدة (لوسن الاموس) فى (نيومكسيكو)، حيث سلمه هذا الاخير وثائق بالغة السرية والخطورة، عن صاعق تفجير القنبلة الذرية، وأنه أعطى تلك الوثائق للمدعو (كلاوس فوشنر)، زعيم شبكة التجسًَّس الروسية، مقابل خمسمائة دولار فحسب.. وعندما عرضت المخابرات الامريكية عليه بعض صور العسكريين، الذين يشتبه فى أمرهم، تعرًَّف بينهم (دافيد جرين جلاس)، والذى تم تسريحه من الجيش قبل هذا، بسبب تعاطفه وزوجته مع الشيوعيين، الذين كان الامريكيون يطلقون عليهم لقب (الحُمر)، والذى كان يعمل فى مؤسسة صناعية كبيرة فى (بروكلين)، مع (جوليوس روزنبرج)، زوج شقيقته (إيثيل)، و(جوليوس) هذا ابن مهاجر روسى، وقد تم طرده قديماً من مؤسسة صناعية أخرى، بعد خمس سنوات من عمله فيها، بسبب انتمائه للحزب الشيوعى غير الرسمى.. وتم اعتقال (دافيد جلاس)، فى السادس عشر من يوليو 1950، واعترف ضمن ما اعترف، بأنه لم يسلم الوثائق إلى (جواد) فقط، وإنما سلم نسخة منها إلى زوج شقيقته (جوليوس)، الذى أخبره أيامها أنها ستذهب إلى (الأصدقاء الروس)،على حد قوله، وأضاف أن (جوليوس روزنبرج) قد نصحه وزوجته بالفرار إلى المكسيك، بعد اعتقال (جواد)، ولكنه تأخر فى هذا، على عكس عميل آخر، وهو (مورتون سويل)، الذى هرب بالفعل إلى المكسيك، وهنا تركّزت شبهات وتحريات المخابرات الأمريكية والمباحث الفيدرالية على جوليوس روزنبرج، و..مازال للحديث النووى بقية.