فى غمرة انشغالنا بقضية جنسية والدة المرشح السابق للرئاسة حازم صلاح أبو إسماعيل وما تلاها من أحداث مؤلمة ومخزية وقعت فى منطقة العباسية ومحيط مبنى وزارة الدفاع خلال الأيام القليلة الماضية تمت فى فرنسا الانتخابات الرئاسية، تلك التى أطاحت بالصهيونى المسيحى ساركوزى (ينتمى لأم ذات أصول يهودية شرقية) وأتت باليسارى هولاند وكان لمسلمى فرنسا وقضية التعامل مع المهاجرين مساهمة ولو ضئيلة فى هذه النتيجة، وهو ما لم نتوقف عنده كثيرا ولم يوله إعلامنا الاهتمام فى غمرة الانشغال بالداخل الملتهب، وهو ذات الانشغال الذى يستهلكنا ويصرفنا عن قضايا مهمة جدا تتعلق بمستقبل الوطن مثل علاقة مصر بالغرب وما يكتنف هذه العلاقة من لبس وغموض خاصة بعد ثورة يناير، وهو الأمر الذى غاب عن برامج المرشحين للرئاسة، وطروحاتهم إلا فى إطار رسائل التطمين للخارج والتى تحمل ضمنيا وعود الحفاظ على أمن وسلامة إسرائيل.(1) حتى اللحظة الراهنة لم يقنعنا أحد من المرشحين للرئاسة إنه يمتلك رؤية واضحة أو استراتيجية للتعامل مع الغرب (الأمريكى والأوروبى) ناهيكم عن رؤية مماثلة للصين القطب الثانى القادم بقوة، يعلن كل يوم عن حضور جديد فى سباق محموم لتقاسم السيطرة على العالم مع الإمبراطورية الأمريكية فى ذات الوقت الذى تبدو فيه الأخيرة أنها تتآكل داخليا وأن المرض اليهودى الذى يسكن جسدها سوف يدفعها فى النهاية للانتحار أو الإنهيار. واستطيع أن أجزم أن بعض القوى الإسلامية فقط وتحديدا الإخوان المسلمين هم الذين حددوا فى وقت مبكر من تاريخ جماعتهم موقفهم من الغرب، لكننى أتصور – وقد يكون تصورى الآتى خطأ بسبب نقص المعلومات – أنه لا الإخوان ولا باقى القوى الإسلامية لديها أيضاً هذا التصور الواضح والمنهج طويل الأمد للتعامل مع الغرب ومخططاته الموجهة للإسلام والعرب ومصر تحديداً، ولا تمتلك هذه القوى الإسلامية منهجا علميا أو عمليا لهذه المواجهة، بينما يملك الغرب مثل هذه الرؤية والمخططات بوضوح ويطبقها على المستوى التكتيكى (خطط قصيرة الأجل وفورية) وكذا على المستوى الاستراتيجى (خطط طويلة الأجل) وهو ماضٍ فى تنفيذها من قبل – وبعد – أن طُرح الإسلام بشكل معلن كعدو بديل للشيوعية التى تم التخلص منها بتفكيك المعسكر الشيوعى ورمزه البارز الاتحاد السوفيتى. (2) منذ عدة سنوات أخبرنى أحد الوزراء الذين عملوا بجانب الرئيس السادات ونالوا ثقته أن الأخير أكد له ولغيره مثل الوزير حسب الله الكفراوى أن الاتحاد السوفيتى سوف ينهار ويتفكك فى غضون عدد قليل من السنوات لا تزيد على أصابع اليدين، وكان هذا فى نهاية السبعينيات وتحقق ما قاله السادات بالضبط عام 1991 والفارق بين الزمنين – كما ترى – لا يزيد على السنوات العشر إلا قليلاً فمن أين أتى السادات بهذه النبوءة؟!.. بالتأكيد لم يعلم الغيب، ولم يقل ما قاله فقط من منطلق مشاعره الكارهة، وهو بالفعل كان يكره السوفيت والشيوعيين، وورث مزيداً من هذه الكراهية عن سلفه الرئيس عبد الناصر، ومن حضن السوفيت إلى حضن الأمريكان انتقل السادات لأنه آمن أنهم يملكون 99% من أوراق اللعبة فى الشرق الأوسط، وعلى الفور تحركت الميديا الأمريكية التى يتحكم فيها اليهود نحو الصيد القادم من مصر ولعبت لعبتها معه فصعدت به إلى السماء.. نعم اختاروا نجما من نجوم السماء وأطلقوا عليه اسم السادات.. وفى فيوضات النشوة التى أغرق فيها السادات ذاته أغمض الأمريكان أعينهم عنه وتركوه يلقى مصيره برصاصات الداخل الغاضب عليه ومنه بسبب علاقته بالأمريكان وإسرائيل.. لقد انتهى دوره عند رجال المخابرات المركزية وكان لا بد من التفكير فى استبداله بحاكم آخر وسلطة أخرى هذه هو قواعد اللعبة التى تجيدها أمريكا ويتغافل عنها حكام العرب عندما تسكرهم نشوة الغرور. (3) خبران طيرتهما لنا الميديا الغربية وتلقيناهما دون كثير جهد أو متابعة – كالعادة – والخبران على الرغم من تناقض المشاعر نحوهما ما بين السخط والسرور إلا أن كلا الخبرين ينبئان بشكل أو بآخر بأن الإسلام يكسب أرضاً جديدة فى الغرب، والخبر الأول يشير إلى تأثير مسلمى فرنسا فى حسم معركة الرئاسة الأخيرة لغير صالح الرئيس السابق ساركوزى الذى تعامل بقسوة وعنصرية خلال توليه وزارة الداخلية ومن بعدها رئيسا لفرنسا مع المسلمين الذين يمثلون – حسب رؤيته – خطراً على بلاده، وعلى نفس النهج سارت مارى لوبان اليمينية المتطرفة التى حلت فى المركز الثالث من حيث عدد الأصوات التى حصلت عليها فى الانتخابات، وكانت طول الوقت تجاهر بعدائها وعداء حزبها المرشحة عنه للإسلام الذى تراه يزحف ويمتد ليصل إلى كل بيت فى فرنسا، لينجلى أخيراً غبار المعركة عن فوز فرانسوا هولاند اليسارى كإعلان عن سقوط اليمين المتطرف، هذا السقوط الذى ساهم فيه ولو بجزء ضئيل المهاجرون والأقليات ومن بينهم المسلمون. أما الخبر الثانى الذى أعنيه فيتمثل فى الكشف عن تلك الدورة التى أقامتها وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) لتدريب جنود الجيش الأمريكى على الاستهداف النووى لمدن الإسلام التى تحوى الأماكن الأكثر تقديسا مثل مكةالمكرمة والمدينة المنورة وهو ما يعنى تأهيل أفراد المؤسسة العسكرية الأمريكية على ذهنية العداء للإسلام بصورة وصفة عامة وليس للإرهاب فقط.. ونكتشف أن عقيدة الكراهية العمياء تلك لم يتبنها البعض فى البنتاجون فقط، لكن هناك أيضاً مكتب التحقيقات الفيدرالى (FBI) وهو مؤسسة أمنية داخلية كانت تقوم بتنظيم مثل هذه الدورات لأفرادها العاملين فيها. والشىء الإيجابى فى هذه القضية تحديدا ليس فى اضطرار وزارة الدفاع لوقف مثل هذه الدورات بعد افتضاح أمرها، ولكن فى ملاحقة مؤسسة «كير» الإسلامية ومطالبتها للمسئولين فى البنتاجون بطرد الضابط المسئول عن مثل هذا الهراء وإخضاع المتدربين الذين خضعوا لمثل هذه الدورات لأخرى يتم من خلالها تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام التى تم حشو رءوسهم بها. (4) أحسب أن جماعات ضغط «لوبى» إسلامى تتكون ويقوى أثرها فى الغرب وتكسب أرضا جديدة مع الأيام فى ذات الوقت الذى ينقل فيه الغرب بقوة حربه ضد الإسلام إلى بلادناويحارب مرة.. معركة عنيفة يستخدم فيها الطائرات والدبابات وأخرى ناعمة يستخدم فيها أدوات أخرى أكثر تدميرا مثل الإعلام والدراما والتعليم وأفراد ومنظمات المجتمع المدنى وكل المغريات الممكنة لغسل الأدمغة وإنتاج نماذج ثقافية مشوهة من الأفكار والبشر.. والإعلاء من شأن هذه النماذج البشرية التى تتبنى نشر مشاريعه بتحويلها إلى نجوم يحتضنها الغرب ويغدق عليها جوائزه وأمواله ويدخلها جنته المستحيلة على من يقاوم إفساده ومشروعاته الاستعمارية.. فهل يقبل عقل صحيح أو مريض أن يتم مثلا اختيار علياء المهدى أشهر عارية على الإنترنت لتمثل المرأة المصرية فى الاحتفالية الغربية بيوم المرأة العالمى؟! هذه هى النماذج التى يريدونها والقيم التى يروجون لها ولأفعالها باسم الحرية والإنسانية والديمقراطية و... باقى قائمة المصطلحات التى يرددها البعض كالببغاوات. (5) وأخطر مما سبق أن أبناء الإسلام يبتلعون الآن مثل هذه الطعوم ويتغذون على السم المخلوط فى عسل الحضارة الغربية ولو بجرعات ضئيلة تتسرب إلى العقول حتى بات شبابنا وكبارنا فى خلط وعميت أعينهم عن الرؤية الصحيحة للإسلام وحقائقه وما نريده نحن وما يريده الغرب منا، والأدهى أنه عندما أحاول أن أوضح مثل هذه الأمور للبعض من الأصدقاء أو الزملاء والمتابعين لما أكتب يجروننى إلى مناقشة الأشخاص وليس الأفكار.. وإلى مهاجمة الإخوان والسلفيين وهم يحسبوننى أدافع عنهم تحديدا، ويستمرون يناقشون باستماتة أداءهم فى البرلمان وطمعهم فى الوزارة ومرشحهم فى الرئاسة، وعلى الفور يستدعون عبارات مسطحة وحديث مكرر عن خلط الدين بالسياسة والتنظيمات السرية والعلنية، وتضيع عبثا محاولاتى اليائسة فى تذكيرهم بأننى أتحدث عن الإسلام وليس المسلمين.. أتحدث عن دين الحرية والعدل والمساواة والإخاء والسعادة فى الدارين والحقيقة الأخيرة الباقية لمراد رب العباد.. وعن الحرب الشرسة التى يقودها أعداء هذا الدين له ولأبنائه، وأن هذا ليس له علاقة بأشخاص وتيارات وجماعات وطوائف ليست حجة على الإسلام بل العكس هو الصحيح.. وفى النهاية تضيع محاولاتى اليائسة ما بين عدو كاره وصديق جاهل يحمل صفة المسلم، ولا يعرف عن إسلامه ما يكفى ليتوضأ وضوءاً صحيحاً.