يهود العالم رأوا الراحل البابا شنودة الثالث واحدا من أكبر أعداء السامية، والمواقع الإلكترونية اليهودية الأصولية مثل موقع «حكيم صهيون THE ELDER OF ZIYON» وتعليقات جمهور القراء من اليهود على خبر سفر المسيحيين المصريين إلى القدس بالعشرات بعد رحيل البابا شنودة تكشف شعور الشماتة وإظهار الكراهية معا، الشماتة على ما يعتقدون أنه انقسام فى صفوف المصريين بين المسلمين والأقباط الذين خالفوا ما أجمع عليه الشعب المصرى وهو مناهضة التطبيع، وعلى ما يعتقدون أنه خروج على الكنيسة وتعاليمها وقيادتها الروحية لأتباعها.. أما أكثر التعليقات التى استوقفتنى على خبر سفر بعض الأقباط (بالمناسبة أكثرهم كاثوليك) إلى القدس فهو هذا التعليق الذى يقول صاحبه اليهودى: (من المتفق عليه أن الأقباط يكرهون اليهود وإسرائيل ربما أكثر من إخوانهم المسلمين فإذا ما تم اضطهادهم فلا تذرف عليهم دمعة لأنه ينطبق عليهم المثل القديم : «على الباغى تدور الدوائر»).(1) لم يكن البابا شنودة الثالث وحده يقف فى معسكر النخبة التى عارضت معاهدة السلام التى وقعها الرئيس السادات مع الكيان الصهيونى قبل 33 عاما، وكانت الأكثرية الغالبة من المصريين - ومازالت - ترفض وجود هذا الكيان الطارئ الناتئ فى منطقة الشرق الأوسط على الرغم من توقيع مصر رسميا على معاهدة السلام وسط ممانعة عربية حادة مالبثت أن تلاشت وذابت خلال سنوات قليلة لتتحول إلى اندفاع وهرولة نحو الحضن الإسرائيلى الدافئ بدعم الغرب، وتجلت هذه الهرولة فى مداها بعد مؤتمر مدريد للسلام الذى باعت فيه أمريكا والغرب «التروماى» للعربى المغفل، واخترقت من خلال معاهداته الرسمية البلدان العربية وأمنها القومى لتوظيف ما جمعته من معلومات عن الشعوب والبلدان فى هذا الظرف الذى نراه الآن بأمهات أعيننا فى صورة حرائق وقودها الانقسامات والتشرذمات والاستقطابات داخل الشعوب العربية فى ليبيا وتونس، وعلى حدود مصر الغربية فى السلوم، والشرقية فى سيناء، والجنوبية فى النوبة، أو فى الداخل بين الإسلاميين والليبراليين والمسلمين والأقباط، ولقد أتاحت معاهدتا مدريد وأسلو لبعض من الجمعيات والمعاهد الأمريكية العمل بشكل رسمى داخل البلدان العربية وجمع أدق المعلومات، وعاونها فى هذا أشخاص وكيانات فى الداخل، فى مصر على سبيل المثال جمعية ابن خلدون وأشباهها التى راحت تعمل لسنوات عديدة خلت لقلقلة المِلل والنِّحَل والأعراق فى الدول العربية، ليس هذا فقط ولكن قامت بتحريض هؤلاء الوطنيين بدعوى أنهم مفروزون أو منبوذون أو منتقصو الحقوق ومضطهدون، وكانت ترسل بتقريرها إلى منظمات مشبوهة فى الخارج مثل بيت الحرية «فريدوم هاوس» وهى نفس التقارير التى كانت تعتمد عليها الخارجية الأمريكية للضغط على الشعوب والأنظمة وتمرير ما تريد تمريره، وكان تقرير الحريات السنوى الصادر عن الخارجية الأمريكية يأتى مثل السكين التى تنكأ عروقًا تجرى فيها الدماء الوطنية تحت الجلد لتحولها إلى جروح نازفة ملتهبة تمهيدا لاستخدامها فى ظرف مثل الربيع العربى. (2) 208 مسيحيين - حتى كتابة هذه السطور مساء الأربعاء 11/4 - أغلبهم من الكاثوليك سافروا إلى إسرائيل فى مناسبة عيد الفصح لا يعنى أنه انقلاب من شعب الكنيسة الأرثوذكسية على تعليمات كنيستهم وآبائها، تلك التعليمات التى لم تحظر فقط السفر إلى الأماكن المسيحية المقدسة فى فلسطينالمحتلة ولكنها فرضت الحظر على السفر إلى دولة إسرائيل الحالية، والكنيسة الأرثوذكسية حين شرعت هذا المنع أرادت من خلاله ألا تنفصل عن محيطها الاجتماعى والثقافى المصري، واتخذت هذا الموقف اتساقا مع موقف الجماعة الوطنية الرافض للتطبيع بكل أشكاله وأنواعه، وفى هذا قال البابا شنودة الثالث قولته الشهيرة «لن يدخل المسيحيون القدس إلا وأيديهم فى أيدى إخوانهم المسلمين»، والتزم شعب الكنيسة بهذا الموقف منذ توقيع معاهدة السلام قبل 33 عاماً وحتى رحيل البابا شنودة منذ أسابيع قليلة على الرغم من ضيق البعض بسبب الحرمان من طقس دينى يمنحه البركة، ويساوى حج أخيه المسلم إلى مكة والمدينة الذى يعوضه عن حرمانه من زيارة القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين. وفى مقاومة هذا الحرمان مع الالتزام الكامل به كان الأخوة المسيحيون يتنادون فيما بينهم بلقب المِقدِّس والمِقدِّسة «أى الذى حج إلى القدس» دون أن يغادروا مصر، وكأن الواحد منهم يواسى الآخر. (3) ولم يستجب البابا شنودة رأس الكنيسة المصرية ورمزها للضغوط التى بذلها بعض الرسميين والإعلاميين فى السنوات الأخيرة سواء من المنتمين لجماعة الفكر الجديد فى الحزب الوطنى الذين كانوا يخدّمون على مخطط التوريث أو الذين تبنوا كسر طوق الممانعة الشعبية للتطبيع وأغلبهم من المتحولين إلى الليبرالية ومن الأولين على سبيل المثال وزير الأوقاف الأسبق د.محمود حمدى زقزوق الذى تبنى دعوة زيارة القدس وكان يجددها بين الحين والآخر متذرعا بأن الصراع مع الغرب وإسرائيل صراع سياسى وليس دينيا، بينما أصر البابا على رفضه أن يسافر الأقباط إلى القدس بتأشيرة إسرائيلية. (4) هل حقا الصراع العربى مع إسرائيل صراع سياسى فقط وليس للدين تأثير عليه؟! يخطئ خطأ شنيعا من يتجاهل الخلفية الدينية لهذا الصراع، مثلما يخطئ من يتجاهل احتضان الدول العربية الإسلامية لليهود منذ عهد الشتات الكبير لهم سنة 70 ميلادية وحتى قيام دولة إسرائيل منتصف القرن العشرين، هذا الكيان وممارسات القائمين عليه التى فضحت وجه الصهيونية العنصرية القبيح وفرضت صراعا على المنطقة العربية لا أعتقد أن العرب كانوا يريدونه، ليس هذا فقط ولكنها - هذه الممارسات - فجرت خصومة عقائدية تاريخية متأصلة عند الطرف اليهودى لم نكن نعرف عنها الكثير نحن العرب مسلمين ومسيحيين قبل أن تصدر من داخلهم، ويأتى شخص مثل إسرائيل شاحاك المفكر اليهودى ذى الأصل البولندى يفضح هذه الكراهية التى تحملها اليهودية التلمودية للإنسانية بشكل عام، وللمسيحية بشكل خاص وربما أكثر من الإسلام، هذه الكراهية والخصومة التى تجسدها أقوال الحاخامات فى التلمود وكهنة القبالا فى كتابهم المقدس «الزوهار» وقد جاء فيه مثلا أنه يجب على اليهودى السعى الدائم لغش المسيحيين. وفيه أيضا أن من يفعل خيرا للمسيحيين فلن يقوم من قبره قط. وقبل نصف قرن تقريبا كانت الكنيسة الغربية «الكاثوليكية» تدرك هذه الكراهية وتعمل على فضحها إعلاميا، على سبيل المثال فقد ورد فى مجلة «كاثوليك جازيت» فى عددها الصادر بتاريخ فبراير 1936 ما يشير إلى أن اليهود يعملون على تخريب الكنيسة الكاثوليكية من داخلها من خلال الدفع بأبنائهم ليعتنقوا هذه الديانة ومن خلال اختلاق ونشر الفضائح الجنسية والشذوذ عن رجال الدين الكاثوليكى.. والكنيسة الكاثوليكية بدورها تفضح تآمرهم على المسيحية، كان هذا قبل أن يتم اختراق الفاتيكان وإخضاعه لابتزاز سياسى ومالى أدى إلى إصدار الفاتيكان بتوقيع بابا روما عام 1966 وثيقة برأ فيها اليهود من دم المسيح، وهو مالم يقبله البابا شنودة الثالث وعارضه بشدة لأنه يؤمن حسب العقيدة الأرثوذكسية أن قتلة المسيح حملوا دمه فى أعناقهم إلى الأبد.