ترددت الأيام الماضية أقاويل حول انتهاء شهر العسل بين الإخوان والمجلس العسكرى وتبادل كلاهما بيانات تهديد واستفزاز للآخر، حتى كشف الإخوان النقاب عن قرار ترشيح الشاطر للرئاسة فى تحد واضح للقوى السياسية، الأمر الذى أدى إلى وضع هذا القرار فى مرمى العديد من السيناريوهات. اعتبر السيناريو الأول أن الجماعة وجدت مصلحتها فى طرح أحد أبنائها للرئاسة فى ظل تمسك العسكرى بالجنزورى، بينما اعتبر سيناريو آخر أن الجماعة علمت أن حازم أبوإسماعيل لم تتوافر فيه شروط الترشيح، فرغبت فى سحب البساط من عبدالمنعم أبوالفتوح بعد علمها بدعم القوى الإسلامية له مما يهدد مستقبل الجماعة ويدخلها فى نفق تجربة تركيا التى انهارت فيها الجماعة على أيدى أحد أبنائها السابقين، فاتجهت للحفاظ على قاعدتها العامة وتنظيمها، ومن ثم طرحت رجل التنظيم الاقتصادى القوى داخل الجماعة والمسيطر الفعلى على مقاليد السلطة والحكم داخلها. فقد استطاع الشاطر على مدار أكثر من 15 عاما داخل مكتب الإرشاد أن يصعد أتباعه ومريدوه لأهم المناصب ومراكز القوى داخل الجماعة ويصنع جيلا متآلفا ومتجانسا يحمل نفس أدبياته وأفكاره وطموحاته فى الحفاظ على كيان الجماعة وتراثها التقليدى الثابت مهما آلت الأوضاع إلى الانفتاح والحرية. فقد استطاع أن يضع العديد من رجاله فى رئاسة المكاتب الإدارية وتصعيدهم فيما بعد إلى مكتب شورى الجماعة ثم إلى مكتب الإرشاد ليصبح المتحكم الرئيسى فى التنظيم وقاعدته العامة، وهو ما حدث بالفعل أثناء عملية التصويت على ترشيحه للرئاسة، حيث اجتمع مكتب شورى الجماعة ثلاث مرات لإجراء التصويت بعد أن لقى رفضا فى المرتين السابقتين، إلى أن استطاع الشاطر ورجاله تمرير قرار ترشحه نتيجة عملية الضغط التى مورست على باقى الأعضاء، حيث تشير التوقعات إلى أن للشاطر أكثر من 40 رجلا يدينون له بالولاء والطاعة داخل مكتب شورى الجماعة؛ أمثال محمد مرسى الذى تم تصعيده لرئاسة حزب الحرية والعدالة وكذلك د. سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب الحالى ود.محمود غزلان المتحدث الرسمى للجماعة ورشاد البيومى عضو مكتب الإرشاد.. وحسام أبوبكر الذى تم تصعيده مؤخرا لمكتب الإرشاد.. ود.محمود حسين الأمين العام للجماعة.. وغيرهم من القيادات المؤثرة داخل التنظيم. ورغم ما تعلنه الجماعة دوما من عدم طموحها فى الوصول للسلطة، فإن الواقع عكس ذلك، فالكثير من الوثائق التى تسربت من داخلها فى السنوات الماضية تؤكد أهداف وطموحاتها فى الوصول إلى السلطة والسيطرة على كافة الأجهزة التنفيذية للدولة. ولعل وثيقة «التمكين» التى ضبطها رجال الأمن المصرى فى مكتب خيرت الشاطر بشركته «سلسبيل» التى عُرفت القضية باسمها «قضية سلسبيل» واتهم فيها الإخوان بغسيل الأموال وتلقى أموال من الخارج تؤكد رغبة الجماعة الملحة فى الوصول إلى قصر العروبة. فى أثناء القبض على الشاطر ورفاقه وجد ضباط المباحث ملفاً به 13 ورقة معنون باسم «خطة التمكين» ويضم خطة شاملة لعملية التمكين التى تبدأ بالحث على التغلغل فى قطاعات الطلاب والعمال والمهنيين ورجال الاعمال ومؤسسات الدولة مثل الجيش والشرطة، وتركز على ضرورة التغلغل فى المناطق والفئات الشعبية. فالإخوان يعتبرون أن هذا الانتشار يزيد فرص الجماعة فى عملية التمكين ويجعل مواجهة الدولة مع الجماعة أكثر تعقيداً وأكبر فى الحسابات. وتطرح الوثيقة رؤية الإخوان فى التعامل مع الواقع المصرى والأوضاع التى يجب أن يكون عليه الحال بعد طول هذه الفترة من عمل الجماعة فى الشارع والنتائج المرجوة على المدى القصير من حيث تحقيق رسالة الإخوان. وتشير الوثيقة إلى أن «التمكين» هو الاستعداد لتحمل مهام المستقبل وامتلاك القدرة على إدارة أمور الدولة. وتوضح الوثيقة آليات الجماعة فى مواجهة أى محاولة لإجهاض خطة التمكين بأن تتغلغل فى طبقات المجتمع المختلفة خصوصاً الطبقات العشوائية وامتلاك القدرة على تحرك هذه الطبقات. وتحدد الوثيقة على وجه الدقة الطبقات المستهدفة من الجماعة وفق أسس أربعة ألا وهى سهولة الانتشار داخل هذه الطبقات وفاعلية التأثير على تحريكها ومدى إمكان تحريك هذه الطبقة والقدرة على استمرار التأثير الذى أحدثه تحرك هذه الطبقة وهو ما يجعل أكثر القطاعات المرشحة لانتشار وتغلغل الإخوان هم الطلاب والعمال والطبقات الشعبية وقطاع من رجال الأعمال. والآلية الثانية التى يطرحها الإخوان هى الانتشار والتغلغل واختراق المؤسسات الفاعلة وهى الجيش والشرطة والإعلام لأن هذه المؤسسات هى الأكثر قدرة على تحجيم الجماعة، إضافة إلى اختراق الأزهر وكافة المؤسسات الدينية لما لهذه المؤسسات من قدرات واسعة وتأثير طويل المدى وكذلك المؤسسة القضائية والتشريعية التى تصفهم الخطة بأنهم لديهم فاعلية القدرة على التغيير فى الموقف لصالح الجماعة. أما الآلية الثالثة التى تنص عليها الوثيقة لتجنب ضرب خطة التمكين فهى ضرورة التعامل مع القوى الأخرى الموجودة فى الشارع المصرى، والقوى الأخرى بالنسبة للإخوان هم كما حددتهم الوثيقة الذين يؤثرون سلبا أو إيجابا على رسالة الإخوان مثل السلطة، ويتم التعامل معها (بالاحتواء بتوظيف أجهزتها فى تحقيق رسالتها من خلال اتخاذ القرار أو تغيير نظمها) أى عملية أسلمة الدولة، والأسلوب الثانى هو التعايش بمعنى العمل على إيجاد صورة من صور التعايش مع النظام بالتأثير على الأوضاع بما يجعله حريصا على استمرار وجود الجماعة، وثالث أسلوب تطرحه الوثيقة هو التحييد أى عن طريق إشعار السلطة أن الإخوان ليسوا خطر عليها وإنهم لا يسعون للحكم، وآخر أسلوب من أساليب الإخوان فى مواجهة الدولة طبقا لوثيقتهم هو تقليل فاعلية الدولة فى التأثير على خطة التمكين. ثم تأتى بعد ذلك الأحزاب السياسية وجماعات الضغط التى تعرفها الوثيقة بأنها النقابات المهنية والتجمعات العائلية والقبلية والمنظمات الدولية «لحقوق الإنسان»، وتحدد الوثيقة أساليب التعامل مع هذه القوى بالدخول والسيطرة على مراكز القرار فيها وتوجيهها من الداخل والأسلوب الثانى أنه إذا تعثر الاختراق والتوجيه من الداخل فليكن تنسيق وتوجيه من الخارج ولابد من أن يكون التنسيق فى المساحات المشتركة، وإن لم توجد المساحات المشتركة فلابد من ايجاد «المصالح المشتركة». والمفاجأة فى وثيقة التمكين أنها ولأول مرة فى تاريخ الإخوان المسلمين يتم اعتبار أن هناك جماعات إسلامية ومفكرين مسلمين ليسوا من أبنائها ويجب التعامل معهم بطرق مختلفةفتقول الوثيقة إن هذا القطاع يشمل جماعات ومفكرين يتفقون معنا فى الرسالة ولو جزئيا وهؤلاء يتم التعامل معهم بالاحتواء والتنسيق والتعاون الكامل والتحالف وفى أضعف الظروف التحييد والتعايش، أما الجماعات الإسلامية والمفكرون المسلمون غير المتفقين مع رسالة الإخوان فهؤلاء يجب أن يتم التعامل معهم بالتوجيه والتحييد والاحتواء قدر الإمكان وتقليل فاعليتهم ضد الجماعة. أما من حيث تكوين الأفراد والبناء الهيكلى فإن الوثيقة تؤكد على ضرورة رفع قدرات الأفراد «العناصر الإخوانية» على التأثير فى المجتمع بحسب ظروف تنفيذ الخطة وتؤكد على أن الانتشار فى المجتمع هو صلب خطة التمكين وضرورة الحوار والإقناع لجميع فئات المجتمع وذلك عن طريق: 1- تنمية حلقات القيادة والقدرة على تحريك المجموعات. 2- إحداث التوازن بين الدعوة الفردية المتمركزة فى «عملية الاستقطاب» والدعوة العامة. 3- رفع قدرة الأفراد على اختراق المؤسسات الفاعلة «الجيش والشرطة والإعلام» دون فقدان الهوية «الإخوانية». 4- رفع قدرة الأفراد على التعامل مع المعلومات. ويأتى الطرح الأهم لوثيقة التمكين فى تنفيذ الخطة، ثم تأمينها أثناء التنفيذ وحمايتها من الاختراق على مستوى القطاعات بداية من قطاع الطلاب ثم العمال ثم المهنيين ثم رجال الأعمال ثم الطبقات الشعبية. وبالنسبة لاختراق المؤسسات الفاعلة فيأتى الإعلام ثم المؤسسات الدينية ثم القضاء ثم البرلمان أما من حيث التعامل مع القوى السياسية أو الدينية الأخرى فتضع الخطة السلطة على رأس الأولويات ويأتى بعدها الأقباط ثم العرب والنوادى وجماعات الضغط والأحزاب كخطوة واحدة ثم الجماعات الإسلامية، أما مسألة إدارة الدولة فتأتى الجامعة على رأس القائمة وبعدها المهنيون ثم المؤسسات العامة ثم المؤسسات ذات الرسالة المحددة وأخيرا المؤسسات الاقتصادية «التمويل». أما من حيث الأولويات داخل الخطة نفسها فتعطى الخطة نسبة 40? لاستمرار الخطة تحت أى ظرف و30? لإعداد البناء الداخلى والهياكل والأفراد و20? للنهوض بالمجتمع. وتأتى ثانى أهم الوثائق التى كشفت مخطط الجماعة وأحدثت قلقا لها هى وثيقة «فتح مصر» التى حكم القضاء المصرى بصحتها ونسبها إلى المهندس خيرت الشاطر نائب مرشد الجماعة لتوزيعها على المكاتب الادارية للإخوان فى كل محافظات مصر، إضافة إلى اعترافات مرشد الجماعة السابق محمد مهدى عاكف بصحة هذه الوثيقة فيما بعد. وتقوم على شقين أساسيين، الأول: نظرى، والثانى: حركى، ويقوم «الشق النظري» على التحول من سرية الجماعة فى عملها إلى العلنية، وإثارة حالة من الجدل والحضور الإعلامى حول الإخوان المسلمين كجماعة وككيان سياسى، وحول شعار «الإسلام هو الحل» كطرح أيديولوجى، ليصبح الإخوان وحدهم ممثلين للتيار الإسلامى السياسى. أما «الشق الحركى» الميدانى فيركز على تصفية كل الجماعات والتكتلات الإسلامية فى الساحة بالضم والتفريغ والاحتواء لينفرد الإخوان بساحة الإسلام السياسى وحدهم، وقد تحدث المهندس الشاطر فى الوثيقة عن حتمية المحنة، ووجوب الصبر عند المحن والابتلاءات، وعن ضرورة الخروج من دائرة الصبر السلبى إلى الصبر الإيجابى، وحتمية الالتزام بالدعاء لله فى كل الأوقات، وضمت الوثيقة عدة نقاط أهمها: 1- وجوب استخدام التخفى والتمويه لتحقيق خطة التمكين والتخفى والتمويه يكون فى الأهداف والغايات لا فى الوسائل. 2- استخدام المرحلية أى التدرج فى الخطوات، والمرحلية تعنى إقامة محطات الدعوى. وتشير الوثيقة كذلك إلى هدف أساسى لجماعة الإخوان المسلمين وهو تصفية كل التيارات الإسلامية الأخرى والعمل على أن يظهر الإخوان أمام الناس فى صورة من يمثل الإسلام وحدهم دون غيرهم. وتحدثت الوثيقة عن وحدة العمل الإسلامى ومخاطر التعددية وفق ما طرحه المفكر الإخوانى فتحى يكن فى الآتى: أ - أعطت التعددية كثيراً من المسلمين مبررات للهروب من الانتماء الحركى. ب - فتتت القوى الإسلامية وأضعفتها. ج - سهلت على أعداء الإسلام عملية تصفية الاتجاه الإسلامى باستفراد كل كيان على حدة. د - أفرزت حساسيات ومنافسات لدى أتباع كل تنظيم من الآخر. ه - أدت إلى تأخر العمل الإسلامى. وتقول الوثيقة: من هنا ينبغى علينا أن ندرك وجوب تصفية أى تيار إسلامى آخر إما بضمه أو تفريغه أو احتواؤه مع عدم استعجال النتائج. كما يجب أن ندرك أهمية أن نظهر أمام الناس فى صورة من يمثل الإسلام وحدنا دون غيرنا حتى تستقر هذه الصورة فى أذهان الجماهير وبالتالى تنتفى تدريجياً عن الآخرين. المرحلة الأولى لفتح مصر: الحركة. 1- إقامة قنوات اتصال بالحزب الحاكم وبشخصيات نافذة فى العمل السياسى وقد تم هذا الأمر وتم وضعه فى الاعتبار وهو فى إطار التكثيف والاستفادة من هذه القنوات فى إتاحة أكبر هامش من الحرية لحركة الإخوان فى الشارع. 2- استخدام طريقة المسكنات والمهدئات مع النظام الحاكم وباقى المؤسسات والأحزاب المدنية. 3- شغل الرأى العام بالإخوان واستخدام النقد الإعلامى الذى يتم توجيهه للجماعة فى خلق حالة من التعاطف حولها. 4- استثمار التعديل الدستورى وانتخابات الرئاسة فى إثارة حالة من الجدل حول الإخوان. 5- الاستفادة من حالة «الامتداد الإعلامى» والميديا العالمية فى خلق مساحة من الحرية لحركة الإخوان فى المجتمع. 6- الدفع بعدد كبير من الإخوان لخوض الانتخابات البرلمانية والاستفادة من هذا لطرح اسم الإخوان والشعار على أوسع نطاق والإعلان عن إنشاء مكاتب إدارية للإخوان فى المحافظات. 7- اختراق المؤسسات الصحفية خاصة الحكومية منها والتوافق مع المؤسسات المستقلة. 8- استثمار الانتخابات فى الدعوة والترويج لحتمية الحل الإسلامى وعالمية الدعوة واستخدام المساجد على أوسع نطاق. 9- استخدام النقابات المهنية والمنظمات المدنية فى خلق هامش كبير للحركة. 10- ديمومة الاتصال بمنظمات حقوق الإنسان الدولية.