فى لغة باهتة تتهافت مفرداتها نحو تقديم معنى جديداً أو موقفاً بناء أو استراتيجية تطمس مرجعيات التاريخ الأمريكى مع العالم الإسلامى، حاول أوباما بث الحيوية وتجديد الكينونة وإحياء تلك الآمال العراض التى تراود العقل الإسلامى منذ أمد قد يرجع إلى قرون بل وتنطلق به فى دروب المستقبل انتظاراً لذلك الاحتواء الإنسانى والألفة الكونية والأبوة الحضارية. ففى كلمات طالتها السذاجة واكتنفها الخواء وخرجت عن سياق قاموس الحنكة السياسية ردد أوباما من قبل على أسماع العالم ومن جامعة أندونيسيا أن الإسلام دين عظيم يحفل بالقيم الرفيعة والمثل العليا، وأن أمريكا لم تكن ولن تكون فى حرب مع الإسلام كعقيدة بل إنها فى حرب ضروس مع حفنة المتطرفين والارهابيين المخترقين لسياج الأمن الدولى، ذلك فى استمالة هادئة نحو إبراز دوره فى تصويب مسار العلاقات المشحونة مع العالم الإسلامى وإيهاماً بتغيير ديناميتها فضلاً عن ضرورة الحاجة نحو استمراريتها، وأنه ليس بخطاب واحد يمكن محو عواصف الكراهية أو إزالة رواسب التاريخ وبث روح الثقة والتواصل الحميم، وهو ما يمثل نمطاً فكرياً خاصاً هو فى أبسط دلالاته وأعمقها لايعدو أن يكون تأكيداً وتثبيتاً فى الذاكرة الإسلامية كونه الرئيس الأمريكى الذى انبرى للدفاع والإشادة بالإسلام بعد ما أطاحت به متغيرات السياسة الأمريكية وتبوأ الجمهوريون مقاعد السلطة وسوف يصبح للكونجرس عاجلاً أجندة أخرى تتبنى نهجاً صدامياً مع العالم الإسلامى، ذلك بفعل ضغوط وممارسات ذلك اللوبى الجبار الذى أحكم قبضته على مقدرات السياسة الأمريكية إنجاحاً واخفاقاً وكان دوره الفاعل أيضاً على صعيد البروبوجاندا الدولية فى تراجع أوباما للمركز الثانى فى قائمة أقوى زعماء العالم نفوذاً، بينما تصدر الرئيس الصينى «هوجينتاو» المركز الأول نكاية وتعريضاً بأوباما الذى أنصف الدولة العبرية على المدى لكن بشكل غير كاف وغير مرض أيضا، وتلك هى الثغرة القاتلة التى حذر منها قديماً الرئيس جورج واشنطن فى خطبة الوداع وأسماها الارتباط العاطفى المولد لعلاقات تقوم على أساس عاطفى مع أى دولة أجنبية موصياً كل الأمريكيين بتجنب تغلغل النفوذ الأجنبى فى مسار حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومندداً بالتحيز والأنسياق لدولة دون أخرى. وعلى ذلك أو بعضه يجدر بنا الاستفهام حول: لماذا كانت أندونيسيا هى موقع اختيار أوباما لمخاطبة العالم الإسلامى بينما هى لاتمثل طرفاً صراعياً فى إشكالية الغرب والعالم الإسلامى؟ وماهو الفارق النوعى بين معطيات خطاب جامعة القاهرة وخطاب جامعة أندونيسيا؟ وهل يمثل الأخير نوعاً من التتابع الأداتى للخطاب الأول؟ ومن أين يكتسب مصداقيته؟ وماهى الدلالات الكامنة وراء زيارة المساجد وتأمل الرموز الدينية فى القاهرة وأندونيسيا؟ وإذا كانت أندونيسيا هى بؤرة استلهام ذكريات الطفولة المكسبة لعمق احترامه للدين الإسلامى واكباره لذلك التنوع الدينى والعرقى داخلها؟ فلماذا لم تكن الانطلاقة الأولى منها باعتبارها البديل الأمثل عن عراقة القاهرة وتاريخها؟ وإذا كانت إشادة أوباما بطبيعة العملية الديمقراطية وبالوحدة كشعار للمجتمع فى أندونيسيا، فهل كان لأمريكا من قبل دور بارز فى سيادة المناخ الديمقراطى وإقرار الحريات باعتبارها ذرائع للتدخل فى شئون دولة أخرى؟ وماهى أوجه تشابه المسار الديمقراطى بين أمريكا وأندونيسيا؟ وهل يدخل ذلك فى إطار الملاطفة السياسية؟ ولماذا تأخرت تلك الملاطفة مع أكبر تكتل إسلامى فى العالم؟ وكيف لأوباما أن يتعرض فى خطابه لمفهوم التواصل والتفاهم مع العالم الإسلامى دون أن يقدم مشروعاً مؤسسياً فعلياً يحمل مقومات وأسس هذا التفاهم؟ إذا كان أوباما ينشد بحق وجد إقامة جسور التواصل مع العالم الإسلامى حفاظاً على ثوابت الأمن القومى الأمريكى فإن قضية الطرود المفخخة إنما تفضح هذه الجدية وتنسفها من أصلها.. أليس كذلك؟ إن أوباما الذى يؤكد دوما أنه رغم كل الانتكاسات والتراجعات فإن أمريكا لاتزال تلتزم بإتمام مسيرة التقدم الإنسانى، وبالضرورة فعلا هى تقود المسيرة فى إطار وجود الأزمة المالية العالمية التى أفقرت مجتمعات ودولا، بل إنها أحدثت تأزمات كبرى داخل الولاياتالمتحدة ذاتها بما خلخل هيكلها الاقتصادى واضطرها للاستدانة، وأيضاً فى وجود مشروعية بوابة الجحيم فى العراق وأفغانستان واستمرار معتقل جوانتانامو ودوام مشروع المد الاستيطانى وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ونجاح الاستراتيجية الأمريكية فى تبديد كوامن الكراهية المتأصلة فى النفس العربية والإسلامية جراء شيوع العدل الدولى!! إن كلمات أوباما وعلى إجمالها قد جاءت مسخاً شائهاً لحزمة الوعود القديمة التى اشاعها على العالم من مصر الفرعونية والتى أكدت السنون أنها لم تكن إلا سراباً خادعاً، ذلك أنها قد خانت تلك البراغمانية الأمريكية التى تستدل على الأشياء من معناها فى الواقع، لكن لايزال أوباما يصر إصرارامقيتاً على أن أمريكا لا تألو جهدا فى تحريك الأحجار دون أن تقلبها لكن أيضاً فى أى اتجاه؟.... معذرة أوباما لم يقل!