فيما عدا استثناءات قليلة لمخرجين وأفلام انحازت للشعب وحرضت على الثورة منذ فيلم «لاشين» عام 1938، ومرورا بأفلام صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وكمال الشيخ وحسين كمال وتوفيق صالح وعلى بدرخان، ثم جيل الواقعية الجديدة محمد خان وداود عبدالسيد وخيرى بشارة والمخرج الثائر عاطف الطيب، وحتى أفلام خالد يوسف، فقد كانت السينما المصرية دائما فى خدمة السلطة، وظل صناع السينما قبل ثورة يوليو 52 يرسخون للوضع القائم، ويعالجون قضية استئثار فئة قليلة من الناس بمعظم ثروات البلاد بقدر كبير من السطحية وبقصص حب ساذجة تنتهى بزواج ابن الأكابر من الفتاة الفقيرة التى يقع فى حبها ويتحدى أهله الباشوات من أجلها.. ويا دار ما دخلك شر، فيما عدا استثناءات قليلة كما قلت ومن بينها طبعا الفيلم الثورى الرائد «السوق السوداء» للمخرج كامل التلمسانى. أما بعد ثورة يوليو فقد قدم الكثير من المخرجين- وبعضهم كانوا ضباطا سابقين- عددا كبيرا من الأفلام يبشرون فيها بجيل الثوار الجدد ويشوهون صورة باشوات ما قبل الثورة من خلال أعمال سينمائية من أشهرها فيلم «رد قلبى» قصة الضابط يوسف السباعى وإخراج الضابط عز الدين ذوالفقار، ومجموعة الأفلام التى تفضح دور عملاء السراى و«البوليس السياسى» الاسم القديم لجهاز «أمن الدولة» مثل «غروب وشروق» قصة اللواء جمال حماد، و«فى بيتنا رجل» لإحسان عبدالقدوس، «لا وقت للحب» بطولة رشدى أباظة وفاتن حمامة وقصة الدكتور يوسف إدريس، و«الأرض» ليوسف شاهين، وغيرها من الأعمال السينمائية التى تجاهلت كل الإنجازات التى حققتها مصر ما قبل الثورة ومن بينها الحياة النيابية الحرة والتعددية الحزبية الحقيقية والليبرالية الواعدة والاقتصاد المصرى القوى، والأهم وحدة التراب الوطنى الذى احتل جزءًا عزيزاً منه فى حرب 67. ولم يختلف الحال كثيرا بعد وفاة الزعيم جمال عبدالناصر وتولى الرئيس الراحل أنور السادات للحكم، فقد فاجأتنا السينما بسيل من الأفلام التى تدين عهد عبدالناصر وتصفه بأنه عهد ظلامى بوليسى امتلأت فيه السجون بالأبرياء والأحرار، ومن أشهر هذه الأفلام «الكرنك» للمخرج على بدرخان، و«احنا بتوع الأتوبيس» المأخوذ عن قصة للكاتب الصحفى الراحل جلال الدين الحمامصى. ورغم أن الرئيس السابق حسنى مبارك لم يختلف كثيرا فى سياساته عن السادات، وخاصة فيما يتعلق بانتهاج سياسة الانفتاح الاقتصادى وتسليم البلاد والعباد لرجال الأعمال والدوران فى فلك السياسة الأمريكية، فإنه قرر هو الآخر منذ البداية أن يمشى على خطى سلفه «بالأستيكة»، وهو ما استشفه بعض صناع السينما من تصريحاته وتصرفاته فقدموا سلسلة أخرى من الأفلام التى تسىء للسادات ونظامه مثل «الغول» لسمير سيف ووحيد حامد، وكل ما فعله المخرجون ومنتجو السينما الرخيصة بعد الثورة أنهم ابتذلوا الحدث الكبير فى أفكار تافهة، كان أبشعها فيلمان من تأليف وبطولة ممثلان كوميديان، حاول الأول المصالحة مع الثوار، وهو طلعت زكريا فى فيلم «الفيل فى المنديل»، فقاطع الناس الفيلم وتذيل الايرادات، وحاول الثانى الخروج من أسر شخصية «اللمبي» وهو محمد سعد، فقدم أسوأ أفلامه على الاطلاق مستغلا الثورة فى «إفيهات» بايخة الصيف الماضى، وبعد أن ضاعت البوصلة من الجميع، ودخلنا فى مرحلة الانفلات ومؤامرات الطرف الثالث، وقفت السينما تتفرج كعادتها على الثورة وهى تضيع دون أن تقدم رؤية فنية للواقع أو المستقبل، باستثناء فيلم وحيد وهو الفيلم التسجيلى «الطيب والشرس والقبيح..تحرير 2011»، ولولاه لخرجت السينما المصرية من الثورة ..يا مولاى كما خلقتنى.!