النجاح لايأتى صدفة ولا بالنوايا الطيبة، بل بالتخطيط والإعداد الجيد فقد استطاع فلاديمير بوتين الرئيس الرابع لدولة روسيا الموحدة أن يحسم نتائج الانتخابات الرئاسية لصالحه فى جولتها الأولى ويفوز بفترة رئاسية ثالثة وربما يستمر لفترة رابعة وفقا للدستور الروسى مستغلاً شعبيته التى روج لها منذ صعود نجمه على الصعيد السياسى وظهوره كمنقذ للبلاد من الوقوع فى خلافات وانقسامات باتت تهدد الاستقرار و الأمن عقب تزايد حدة الاتهامات التى لاحقت الرئيس الأسبق «بوريس يلتسين» ودفعته للتنازل عن منصبه لصالح نائبه فلاديمير بوتين الشاب الذى نجح فى رسم مشوار حياته منذ طفولته وحتى فوزه بمنصب الرئاسة والذى قد يمتد حتى عام 2024. بوتين برع منذ طفولته فى ممارسة لعبة الجودو والفروسية وأجاد رقص السامبا لدرجة جعلته يتغلب على منافسيه الأكبرسناً وفى سن 18 عاماً قرع باب ال (كى جى بى) جهاز الاستخبارات الروسية مبدياً رغبته فى العمل معهم فأجابه المسئول بأن عليه الانتهاء من أداء الخدمة العسكرية، ودراسة الحقوق فسارع بوتين وانتسب لكلية الحقوق وترك دراسة الهندسة رغم معارضة والديه وتحقق حلمه بالانضمام لجهاز الاستخبارات الروسية وهو فى السنة الرابعة بالجامعة بعد لقائه بأناتولى سابتشاك الذى اختاره للعمل ضمن فريقه فى جهاز الاستخبارات الروسية والذى استمر يعمل به لمدة 15 عاماً. أما مشواره السياسى فقد بدأ بعد أن أصبح صديقه ومعلمه القديم سابتشاك رئيساً لمدينة لينيجراد عام 1990 واختار بوتين ليكون نائباً له وظل بوتين مخلصاً لمعلمه حتى وفاته. وبزغ نجم بوتين بعد نجاحه فى مواجهة عصابات المافيا الروسية وملاحقته لها لدرجة جعلت كبار مسئولى الدولة ورجال الأعمال يستعينون به حتى يوفر لهم الحماية والأمن ونظراً لطبيعته المخابراتية بأنه قليل الكلام وصارم فقد اختاره الرئيس الروسى بوريس يلتسين نائباً له ليوفر له الخروج الآمن من منصبه نتيجة لارتكابه لأخطاء جعلته موضع اتهام ومعرض للملاحقة القضائية وفعلاً نجح بوتين فى القيام بدوره كرئيس بالإنابة حتى تم انتخابه رسمياً ليصبح رئيساً للبلاد فى عام 2000 واستمر فى شغل منصبه لفترتين متتاليتين. وقد حرص بوتين منذ وصوله للكرملين على أن يحيط نفسه بزملائه القدامى الذين عمل معهم فى جهاز ال (كى جى بى) ليكونوا سنده فى مشواره الرئاسى لاسيما بعد انهيارالاتحاد السوفيتى لتصبح روسيا الموحدة هى الوريث الشرعى للاتحاد السوفيتى القديم وقد شرع بوتين منذ توليه لمنصب الرئاسة أن يحد من خطورة الرأسمالية المتوحشة التى سيطرت على المجتمع الروسى وأدت لاحتكار مجموعة من المستثمرين لموارد البلاد ونتيجة لغياب سلطة القانون تصدى وبحزم للجريمة المنظمة التى أجهضت أحلام البسطاء فى حياة كريمة. كما استفاد من عوائد بيع النفط باعتباره أكبر مصدر للنفط لدول الاتحاد الأوروبى فى تحسين الوضع الاقتصادى للبلاد وأحكم سيطرته على أجهزة الدولة وقام باختيار تلميذه ديمترى ميدفيديف ليكون رئيساً للوزراء ثم دعمه ليصبح خليفته على كرسى الرئاسة حتى يضمن عودته لمنصبه كرئيس للبلاد مرة ثالثة وربما رابعة وفقاً للدستور الروسى الذى يمنع الترشح لمنصب الرئاسة لأكثر من دورتين متتاليتين بالإضافة لتأسيسه ورئاسته لحزب روسيا الموحدة الحاكم وشغله لمنصب رئاسة الوزراء ليجرى تعديلاً على المدة الرئاسية لتصبح 6 أعوام بدلاً من أربعة. ولتكتمل الخطة بفوزه المبكر فى الانتخابات الرئاسية بنسبة تجاوزت 64% بفارق كبير عن منافسيه الخمسة على مقعد الرئاسة ولايحتاج بعدها للإعادة. ولعل مشهد بوتين كرجل روسيا القوى وبدموعه التى سالت على خديه وهو يعلن نبأ فوزه بانتخابات نظيفة بمنصبه الرئاسى يبرهن على أن الوصول والبقاء فى الكرملين يحتاج لشخصية تمتزج مكوناتها بإرادة إيفان الرهيب وعزيمة لينين وعبقرية تولستوى ودهاء راسبوتين فهو بحق يمتلك أحلام القياصرة وعزيمة المقاتلين.