لن تبدأ معركة الرئاسة اليوم.. العاشر من مارس.. بل إنها قد تنطلق مع قرب صفارة الانتخابات.. بأيام.. أو بساعات! والمرشح الأرجح لهذا المنصب العتيد الذى لم يعد مغنماً ربما لم يظهر بعد! ولكننا نتساءل: هل سيكون ذا خلفية عسكرية أم إسلامية أم مدنية.. أم يجمع بين هذه السمات معاً.. فى معادلة صعبة.. وربما مستحيلة!! ونتساءل عن القوى المؤثرة فى صناعة الرئيس القادم.. وما هى معايير الاختيار وأين دور شباب الثورة الذى فجّرها ثم انفجر حزناً وكمداً على دماء الشهداء التى تكاد تضيع هباءً منثوراً.. حيث يخطف ثمار يناير من ليسوا على علاقة بالثورة أو حتى الفلول والأحزاب القديمة العتيقة الفاشلة بكل المقاييس.بداية نتحدث عن مرشح التيار الإسلامى، أى هل يجب أن يكون المرشح القادم إسلامياً أو ذا خلفية إسلامية. حسابات الواقع «الحالى» تقول ذلك، فالأغلبية البرلمانية (فى مجلسى الشعب والشورى) إسلامية ساحقة.. تجاوزت الثمانين فى المائة فى مجلس الشورى.. قبل تعيين الثلث بقرار من رئيس الجمهورية. أى أن المرشح القادم لهذا المنصب العتيد يجب أن يحظى بخلفية إسلامية أو على أقل تقدير بتأييد واضح من التيار الإسلامى. و«الحرية والعدالة».. الحزب الرئيسى على الساحة السياسية لم يعلن موقفه بعد.. ولن يقدم مرشحاً باسمه.. ولكنه بكل تأكيد سيكون صاحب الكلمة الفصل فى نجاح أى مرشح.. حتى لو لم يكن محسوباً على التيار الإسلامى، لذا نلاحظ اللقاءات والاتصالات المكثفة التى يجريها كافة المرشحين بحزب الحرية والعدالة تحديداً.. وبقية أحزاب التيار الإسلامى عموماً، بل إن كل العالم يخطب ود الإسلاميين.. وليس لديهم مانع من ارتداء الإيشارب والالتزام بالزى المحتشم مؤقتاً وتكتيكياً عند لقاء الرموز والتيارات الإسلامية! وعندما نقول: إن التيار الإسلامى عموماً - والحرية والعدالة تحديداً - سيكون له كلمة الفصل فى ترجيح كفة مرشح على آخر.. فإن ذلك يدخل فى إطار البراجماتية السياسية والحسابات الدقيقة التى يقوم بها كل المرشحين وتقوم بها القوى السياسية الحريصة على الوصول بمرشحها إلى سُدَّه الحكم. والإسلاميون يريدون تأكيد سيطرتهم على أغلب السلطات: البرلمان.. ثم الحكومة.. ثم مؤسسة الرئاسة. هكذا يخططون.. وينفذون.. والأرجح أنهم سينجحون.. إذا سارت الأمور بشكل طبيعى.. وفى ضوء الانتخابات السابقة.. ومالم تحدث مفاجآت اللحظات الأخيرة!! ولكن حتى ينجح المرشح الإسلامى يجب أن يكون هناك اتفاق بين المرشحين الثلاثة: أبوالفتوح وأبوإسماعيل والعوا.. وثلاثتهم أشخاص محترمون ومعتبرون ولهم جهد مشكور وواضح فى الحياة العامة.. فى الدعوة والفقه والقانون والطب أيضاً، ولكن دخولهم المعركة منفردين.. حتى النهاية.. سوف يضر بأحدهم أو بهم جميعاً وعليهم الاتفاق على مرشح سواء.. منهم. وهذا ليس انتقاصاً من قدر أحدهم أو ممن ينسحب.. ولكنها البراجماتية السياسية مرة أخرى، فاللعبة السياسية شديدة التعقيد والوعورة والخطورة، وحسابات الرئاسة تختلف تماماً عن البرلمان. فقد لا يكون للتيار الإسلامى الغلبة فى تحديد هذا المنصب الحيوى.. ربما لأن البعض يريد تحقيق نوع من التوازن بين السلطات.. خاصة بعد سيطرة الإسلاميين على البرلمان.. وتوقع تشكيلهم الحكومة.. قريباً؟! ونسأل: من هو المرشح الإسلامى الأرجح فى الفوز حتى يتنازل له زميلاه؟! وهل يقبل الزميلان هذا التنازل من أجل المصلحة العامة وتحقيقاً لرغبة الغالبية الإسلامية التى تريد رؤية رئيس إسلامى يحكم مصر.. لأول مرة منذ عقود طويلة؟! ولا نستطيع الجزم بأن استطلاعات الرأى - خاصة على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى - ستكون عنصراً حاسماً فى ترجيح كفة أحد المرشحين.. ولكنها يمكن أن تصبح مؤشراً.. مثلما كانت قبل انتخابات البرلمان.. حين رجحت كافة الاستطلاعات فوز الإسلاميين بالأغلبية البرلمانية، ولكن هناك اختلاف بين استطلاعات النت والعمل على أرض الواقع.. فالأخير هو الفيصل.. وأيضاً فإن التحالفات والتربيطات والدعم المادى ومفاجآت اللحظات الأخيرة قد تلعب دوراً حاسماً. فى هذا المجال.. حتى للمرشح الإسلامى المحتمل.. أياً كان. ثم نتحدث عن مرشح الأغلبية الصامتة.. أو حزب الكنبة كما يقولون ويتندرون! ربما تكون هذه الأغلبية هى الناطقة والحاسمة للانتخابات القادمة، هذه الأغلبية رأيناها فى استفتاء مارس 2011.. فهل نشاهدها تتحرك وتنتفض مرة أخرى فى يوليو القادم؟! ربما!.. ولكن من يحركها؟! وماذا يحركها؟! هل يحركها الإعلام؟! هل يحركها المال؟! هل تتحرك ذاتياً بدوافع وطنية ومخلصة؟! كل الاحتمالات واردة ولكن من المؤكد أن إعلامنا مصاب بالشيزوفرينيا ومنفصل عن الواقع تماماً.. وجاءت كل حملاته وأمنياته وتوقعاته عكس ما يشتهيه.. وما يخطط له أصحابه وممولوه!! أما المال فقد أثبت شعبنا أنه رغم فقره وأزماته يحتفظ بجوهره الأصيل والنبيل رغم محاولة البعض تشويه صورته والإساءة إليه بقضية التمويل الأجنبى للجمعيات الأهلية. ولعلى أتوقع أن تكون هذه الأغلبية الصامتة هى العامل الحاكم الذى يرجّح كفة أحد المرشحين فى الانتخابات القادمة، آنئذ ستضرب هذه الأغلبية أروع الأمثلة وستؤكد أنها انتقلت من «الكنبة» إلى كل الميادين.. مع المطحونين! ولا أرى تناقضاً أيضاً بين الأغلبية الصامتة.. والأغلبية الإسلامية.. فالشعب المصرى مسلم فى غالبيته.. ووسطى فى تدينه (مسلم أو مسيحى).. ومعتدل فى طباعه وسلوكياته. نأتى إلى دور المرشح ذى الخلفية العسكرية.. وهل يمكن أن يحكم مصر عسكرى أو مخابراتى؟! ورغم إعلان المجلس العسكرى أنه يقف على مسافة واحدة من كل المرشحين لمنصب الرئاسة إلا أن الواقعية السياسية والحسابات البراجماتية أيضاً تقتضى منا القول بأن المجلس العسكرى والجيش عامة ربما يفضل مرشحاً من بين أبنائه.. ليس للحفاظ على مكاسب أو خوفاً ممن يحاسب.. ولكن لأن هذا المرشح سيحفظ استقرار مصر أمنياً وعسكرياً وسياسياً فى ظل الظروف الداخلية والإقليمية والدولية المضطربة والخطيرة التى نشهدها، ولكن فرصة هذا المرشح - حتى لو لم يظهر حتى الآن - ستكون ضئيلة قياساً بتجربة السنوات السابقة التى عشناها فى ظل نظام عسكرى ترك آثاراً سلبية على واقعنا.. نتساءل أيضاً: من هو مرشح شباب الثورة للرئاسة؟! أين هو؟!! لماذا لا يتفق هؤلاء الشباب على مرشح واحد.. وقد نصحتهم بذلك مراراً.. بعد الثورة بشهرين حين أجريت حواراً طويلاً معهم ذكرت فيه: «إن اندماج أحزاب الشباب يؤهلهم للفوز فى الانتخابات». وأقولها مخلصاً الآن لأبنائى الثوار: اتفقوا واتحدوا على مرشح واحد.. وليكن من الأسماء المطروحة المعروفة التى تحظى بتوافق واسع، ليكن هذا الشخص هو مرشحكم.. وليكن موقفكم معلناً وواضحاً وحاسماً.. من الآن.. وقبل فوات الأوان.. مرة أخرى.. وربما تكون أخيرة. *****ذات القلب الأبيض ***** هذا هو أدق وصف لأختنا الراحلة عواطف عبد الباسط التى عاشت هنا سنين طويلة وتركت بصمات عميقة فى قلوبنا.. بحُسن الخلق والمعاملة وبأدبها الجم.. وأيضاً بما قدمته من خير لكثير من المرضى البسطاء الذين كانوا يقطعون «كوبون» العلاج المجانى الذى كان يزين صفحتها.. ويقدم نفحة إنسانية رفيعة.. ومن المفارقات أن الراحلة التى ضمدت الجراح وواست الكثيرين وساهمت فى علاجهم.. هى نفسها قاست من المرض وتألمت منه أشد الألم.. كما تألمنا نحن لها.. ومعها، ولكننا على يقين بأن هذا المرض قد رفعها درجات ودرجات.. فى جنات النعيم.. بمشيئة الله. عواطف طيبة القلب.. رقيقة الإحساس.. هى اسم على مسمى.. فقد كانت قمة فى عواطفها الجياشة نحو زملائها.. كما كانت دؤوباً فى عملها الذى كنت أتابعه عن كثب.. وكنا نتناقش فى أدق تفاصيله.. فقد كانت حريصة على أن يخرج فى أفضل صورة، ولعل أفضل تذكار نقدمه لأختنا الراحلة هو أن تظل صفحة «صحتك بالدنيا» تحمل ذات الكوبون المجانى العلاجى.. وليكن باسمها (عواطف عبد الباسط). هذا هو الوفاء فى أبسط صوره.. فى زمن عزت فيه الأخلاق وندر فيه الأوفياء، وهذا هو ما افتقدناه برحيل عواطف.. جسداً، ولكنها ستظل بيننا.. روحاً وأصالة.. وكبرياءً.