خفض تنسيق الثانوي العام بالقاهرة إلى 217 درجة    وزير الدفاع لمقاتلي المنطقة الشمالية العسكرية: حماية الأمن القومي تتطلب الاستعداد القتالي الدائم    المؤشر الرئيسي للبورصة يزحف إلى ملامسة مستواه القياسي بمستهل التعاملات    انخفاض أسعار الحديد وارتفاع الأسمنت اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرتي تفاهم بين التعليم وحكومة طوكيو لتعزيز التعاون في التعليم العام والفني    الري: إزالة التعديات لتحسين ادارة المنظومة المائية، وتوصيل المياه بكفاءة لكافة المنتفعين    بدءً من 4 سبتمبر 2025.. تغيير اسم مطار برج العرب إلى الإسكندرية الدولي    وزير البترول يتفقد أعمال التطوير والتحديث والتوسعات الجديدة بمصفاة تكرير ميدور    الجيش الإسرائيلي يبدأ المرحلة التمهيدية لاحتلال غزة    رئيس الوزراء يلتقي رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي لبحث تعزيز التعاون المشترك على هامش قمة "تيكاد 9"    عشرات الشاحنات تصل معبر كرم أبو سالم تمهيدا لدخول قطاع غزة    موعد تشييع جنازة والد محمد الشناوي في مسقط رأسه    نتائج مباريات أمس الثلاثاء في الدوري المصري الممتاز    موعد مباراة الأهلي والقادسية في نصف نهائي كأس السوبر السعودي    بالزغاريد والدموع.. والدة شيماء جمال تعلن عزاء ابنتها بعد تنفيذ حكم الإعدام في القتلة    محافظ القاهرة يعتمد نتيجة الدور الثاني للشهادة الإعدادية    أجواء حارة ورطبة على أغلب أنحاء مصر اليوم.. والأرصاد تكشف تفاصيل الظواهر الجوية    أقوال العاملين في النادي الأهلي عن نشوب حريق بالمبنى الإداري    ضبط عامل بكافيه في القاهرة لتصوير السيدات بهاتفه داخل دورة المياه    إصابة 15 شخصا إثر انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    وكيل تعليم الفيوم استمرار المتابعة اليومية لامتحانات الثانوية العامة "الدور الثاني"    قافلة "حياة كريمة" تقدم خدماتها الطبية المجانية لأكثر من 1200 مواطن بقرية صفط الغربية بمركز المنيا    التاريخ يفتح أبوابه أمام الملك المصرى.. محمد صلاح أفضل لاعب فى إنجلترا للمرة الثالثة ويتفوق على أساطير الدورى الإنجليزى.. قائد الفراعنة يجمع 5 جوائز فى موسم استثننائى.. ويلهم الشباب برسالة تاريخية بحفل الرابطة    مسؤولون أمميون: العالم خذل العاملين الإنسانيين فى الشرق الأوسط    مصطفى حجاج يطرح أحدث أغانيه بعنوان عسل عسل    فيلم درويش لعمرو يوسف يحصد 16.2 مليون جنيه فى أول أسبوع له بالسينما    وزارة التضامن: التعامل مع حالات كبار السن بلا مأوى في المحافظات    رعاية القلوب    استمر في السعي مهما كان حلمك.. محمد صلاح يوجه رسائل مُلهمة للشباب    رئيس هيئة الاعتماد والرقابة الصحية يلتقى رئيس جامعة الإسكندرية    قبل عرض الحلقة الأخيرة من «بتوقيت 2028».. تفاصيل ثالث حكايات «ما تراه ليس كما يبدو»    تنسيق الدبلومات الفنية 2025 .. كليات ومعاهد دبلوم تجارة 3 سنوات وتوقعات الحد الأدنى للقبول    الرهائن ال20 والإعمار، ويتكوف يكشف وصفة إنهاء حرب غزة    شهداء وجرحى جراء في غارات إسرائيلية متواصلة على خان يونس    رسوم السحب النقدي من ماكينات ATM.. وحدود السحب اليومية بعد قرار البنك المركزي    صعبة وربنا يمنحني القوة، كاظم الساهر يعلن مفاجآت للجمهور قبل حفله بالسعودية (فيديو)    حمزة نمرة عن أحمد عدوية: أستاذي وبروفايل مصري زي الدهب»    المناعة الذاتية بوابة الشغف والتوازن    موعد بدء تنسيق المرحلة الثالثة 2025 ونتيجة تقليل الاغتراب (رابط)    فلكيا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر وعدد أيام الإجازة الرسمية للموظفين والبنوك    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025 بالصاغة بعد آخر انخفاض    فبراير المقبل.. انطلاق مهرجان المنصورة الدولي لسينما الأطفال    مصطفى قمر يهنئ عمرو دياب بألبومه الجديد: هعملك أغنية مخصوص    مصدر أمني ينفي تداول مكالمة إباحية لشخص يدعي أنه مساعد وزير الداخلية    الإليزيه: ربط الاعتراف بفلسطين بمعاداة السامية مغالطة خطيرة    حسام المندوه: بيع «وحدت أكتوبر» قانوني.. والأرض تحدد مصير النادي    محافظ شمال سيناء يلتقى رئيس جامعة العريش    جولة ميدانية لنائب محافظ قنا لمتابعة انتظام عمل الوحدات الصحية    أكلة لذيذة واقتصادية، طريقة عمل كفتة الأرز    أحمد العجوز: لن نصمت عن الأخطاء التحكيمية التي أضرتنا    موعد مباراة منتخب مصر أمام الكاميرون في ربع نهائي الأفروباسكت    مصطفي الشهدي يدير مباراة الزمالك ومودرن سبورت    حملة مسائية بحي عتاقة لإزالة الإشغالات وفتح السيولة المرورية بشوارع السويس.. صور    تخريج دفعة جديدة من دبلومة العلوم اللاهوتية والكنسية بإكليريكية الإسكندرية بيد قداسة البابا    هل الكلام أثناء الوضوء يبطله؟.. أمين الفتوى يجيب    تعدّى على أبيه دفاعاً عن أمه.. والأم تسأل عن الحكم وأمين الفتوى يرد    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    الشيخ خالد الجندى: افعلوا هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فائدة العلم باللغة
نشر في أكتوبر يوم 04 - 03 - 2012

حدثت هذه القصة فى نهاية الثمانينيات، أى منذ ربع قرن من الزمان. فوجئت بأستاذى يقول: يا محمد لقد كنت طوال اليوم فى بالى، كنت أستعيد حديثك فى الأسبوع الماضى عن اللازم والمتعدى وأنا أستمع اليوم إلى أحد مشايخ الإذاعة الجدد ولا أذكر اسمه، ولكنه دكتور من دكاترة جامعة الأزهر الجدد، فقد كان يبدو طوال حديثه فرحاً جذلان بتمكنه من التفريق بين إنزال القرآن من السماء السابعة إلى السماء الأولى، ثم تنزيله على النبى صلى الله عليه وسلم بواسطة سيدنا جبريل عليه السلام.
قلت: وماذا فى هذا؟!
قال: لا أريدك أن تلجأ إلى الآيات التى ورد فيها النص القرآنى بفعل الإنزال، والآيات الأخرى التى نزل فيها النص القرآنى بفعل التنزيل فأنا استطيع أن أفعل ذلك بنفسى دون حاجة إليك، ولكنى أسألك: ما هو دليل هذا الدكتور على أن الإنزال هو ما حدث من السماء السابعة إلى السماء الأولى، وعلى أن التنزيل هو ما حدث بعد ذلك مما نعرفه، هل عندك فرق نظرى بدون أن تستعمل المعجم المفهرس؟ وتشرح الآيات ببعضها.
قلت: نعم.
قال: تفضل.
قلت: هل تعرف الفرق بين الإقطاع والتقطيع.
قال: وهل هما من نفس المادة؟
قلت: نعم من نفس الجذر اللغوى.
قال فى استنكار وتمكن يقاربان الإيحاء بحرصه على ازدراء محدثه: وهل عرف العرب القدامى الإقطاع والتقطيع؟ ألم تقولوا فى التاريخ إن الإقطاع لم ينشأ إلا فى أوروبا.. انتهى أستاذى من هذا القول وهو يظن نفسه قد حقق الضربة القاضية.
قلت: لن نعدم جذرا لغويا آخر عرف العرب به الإفعال والتفعيل.
قال (وكانت له - شأن جيله كما أقول - معرفة جيدة بالصرف): هل تريد أن تقول إن الإفعال هو عمل الشىء دفعة واحدة والتفعيل هو عمله على مراحل أو أجزاء؟
قلت:هو ذاك بالضبط.
قال: ولكن التفعيل له معانٍ كثيرة.
قلت: وكذلك الحال فى كل صيغة من صيغ الأفعال المتعدية.
قال: وهل درس علماء اللغة هذه الجزئيات؟
قلت: نعم درسوها بالخبرة الكلية.
قال: وتحت أى مسمى؟ وما هو العلم الذى يعنى بمثل هذا التفكير الحديث؟ وأين الكتاب الذى فيه هذه المعانى؟
قلت: كتب كثيرة فى علم الصرف ولكن أشهرها وأبسطها هو كتاب «شذا العرف فى فن الصرف» للشيخ أحمد الحملاوى.
قال: وهل هو متداول؟
قلت: نعم، وقد درّسه أبو رفعت المحجوب لابنه.
قال: ومن أدراك؟
قلت: بلدياتك الدكتور هيكل (كان الدكتور أحمد هيكل قد أصبح وزيراً سابقاً فى ذلك الوقت، وبقى عضواً فى مجلس الشعب ورئيساً لإحدى لجانه، ولم يكن رفعت المحجوب قد اغتيل بعد).
قال: وكيف عرف ذلك؟
قلت: اختلفا فى شىء فإذا بالمحجوب يحضر «شذا العرف».
قال: أتطالعه؟
قلت: بل وأنوى تطويره لو أعطانى الله القدرة والعمر.
قال: إذاً فلا تبسطه للدرجة التى تبسط بها كل شىء فى طب القلب.
قلت: أوذاك عيب؟
قال: نعم.. وأنت تعرف ذلك ولكنك تصمم على منتهى التبسيط لتكسب.
قلت: ولكنى لا أكسب.
قال: ومن أدراك؟
قلت: ليس فى يدى شىء مما فى أيديكم.
قال: ولكنه فى رصيدك.
قلت: أوتمنحنى الأمل؟
قال: بل أعرفك أننى أعرف أسلوبك فى الحياة.
قلت: وهل أخفى عليك شيئاً؟
قال: لا.. ولكنك لا تحسب حساب الآخرين الذين يتطلعون إلى إحراز بعض مجدك.
قلت: فماذا أفعل؟
قال: تسألنى أنا .. اسأل أحدا من أعمامك (وكان يقصد بالتحديد أستاذين عزيزين علىّ كانا فى ذلك الوقت يشغلان منصبى رئيس الجامعة ونائب رئيس الجامعة).
قلت: وماذا جمعهما؟
قال: كنا فى أسيوط وأنت تعرف أنهما كانا من مؤسسى تلك الجامعة، وسألهما أساتذة طب أسيوط عن طبيب شاب يعتقد كل منهما أنه يمكن له أن يرفع شأن جامعتنا فأجابا كلاهما فى تلقائية سريعة: إن المسألة لا تحتاج إلى اعتقاد، ولا إلى تفكير، وإن هذا الطبيب هو حضرتكم.
قلت: وماذا كان موقف سيادتكم؟
قال: لم أكن من الذين سئلوا.
قلت: لكن كان لك حق التعليق.
قال: لكن هذا قد يؤذينى.
قال: كيف؟
قلت: حين يجد الأساتذة الشهادة فى حقى تأتى من أساتذة آخرين غير أستاذى الذى أنا صفيه !!
قال أستاذى: وهل تعتقد لشهادتى كل هذه الأهمية؟
قلت: أعتقد فى أن غيابها أخطر من حضورها.
قال: إذاً فدعنى أبتزك.
قلت: ولى الشرف.
قلت: ففى أى شىء أبتزك؟
قلت العفو.. لكنى تحت أمرك.
قال أستاذى: لقد خالفت طبيعتى فى التهذيب، وعقبت لأساتذة أسيوط علناً بالقول إن رئيسنا ونائبه مخطئان.
قلت: العوض على الله.
قال: أستاذى هاقد كشفت نفسك وكشفت سوء ظنك.
قلت: ولا حول ولا قوة إلا الله.
قال: لو صبرت!
قلت: افعل إن شاء الله!
قال: ألست أنت الذى تقول إنى متأثر بالأسلوب الإنجليزى not only but ؟
قلت: نعم.
قال: أفهمت إذاً ما قلته بعد «لكن»؟
قلت فى تخابث: ومن أين لى أن أفهم بعد كل هذا التعذيب أن هناك « لكن»، وأن هناك «ما بعدها».
قال: ألم يخبرك أحد أنى قلت لهم إنهما يظلمانك إذا صورا مجدك الموعود فى حدود جامعتنا فحسب.. وأنى أبصره أكبر من ذلك بكثير؟
قلت: فما بالك لا تطير إذاً؟
قلت: أريد التزود بالوقود.
قال: أما يكفيك هذا كله؟
قلت: إنى فى حاجة أيضاً إلى طائرة، لا إلى وقود فحسب.
قال: وهذا ليس فى وسعنا.
قلت: وما العمل؟
قال: تستعيد مرحلة الإنسان الطائر لتحقق بها مجدك أو سعادتك بمجدك.
قلت: لكن هذه المرحلة لم تعرف فى التاريخ البيولوجى للإنسان.
قال: هذا مثل جديد على ما أسميه أنا العلم النافع والعلم غير النافع، بينما تعتقد أنت أن كل العلوم نافعة.
قلت: ألست أنت المعجب بفكرة التطور على نحو ما صاغها دارون؟
قال: لا يكون المرء بيولوجيا ما لم يعجب بها على حد تعبيرك.
قلت: فلم تستنكر التفكير فى وجود مرحلة من التطور أو عدم وجودها؟
قال: لا أستنكر التفكير.. ولكنى أستنكر أن يكون هذا التفكير جزءاً من مقرر دراسى أو علمى.
قلت: فكيف يتعلم الباحثون التفكير؟
قال: أتظن أن هذه الطريقة تعلمهم التفكير؟
قلت: تعلمهم محاولته.
قال: خذ الحكمة من فمى، وأعلم يا محمد أنها لا هى ولا غيرها من الطرق تعلم الباحث التفكير.
قلت: لن تصدقنى إذا قلت لك إن العالم يولد عالماً، وإن الباحث يولد باحثاً، وإن المفكر يولد مفكراً.
قلت: وما جدوى التفلسف؟
قال: هو كما قلت لك ولا تزال تأبى تصديقى: علم غير نافع.
هكذا ظل أستاذى على عقيدته اليقينية فى أن هناك علماً نافعاً وعلماً غير نافع، وقد زاد إصراره على هذه النظرية رغم أنى كنت اعتقدت أنه عدل عنها يوم حوارنا عن تصميم الآلة الكاتبة وجدوى وضع الحروف تبعا لمعدلات تكرارها، لكنى اكتشفت أن هذا الاقتناع كان اقتناعاً بجزئية، ولم يكن اقتناعاً بالعدول عن مبدأ أو عقيدة.
وحدث ما هو أطرف من ذلك بكثير، إذ حدثت مناقشة ذات مرة بينى وبين أستاذ متوسط على مسمع من أستاذى وكنت أدافع عن إحدى الزميلات، وأدفع عنها ظلما اشتهر به ذلك الأستاذ الذى لم يكن يمانع فى الظلم، وأردت إشراك أستاذى معى فى هيئة الدفاع فقلت: إن زميلتنا هذه أكثرنا جميعاً إيماناً بالأفكار العملية لأستاذنا الكبير.. يكفى أنها تتبنى نظريته فى العلم النافع والعلم غير النافع.
تهلل وجه أستاذى وسألنى: أحقا هذا الذى تقول؟
قلت: نعم.
قال: ومع هذا تدافع عنها؟
قلت: نعم فإنى محب للموضوعية مهما كانت العقيدة السابقة عليها، ولا أكره مخالفى إذا كانوا موضوعيين، بل أحبهم وأسعى إليهم، وأنا الكسبان.
قال أستاذى: لم أكن أعلم أن لها هذا الميل، مع أنى أذكر مديحك لها فى حفل حصولها هى وزملاؤها على الدكتوراه، وسأبداً فى مراقبتها عن كثب.
ومن حسن الحظ أن المراقبة أسفرت عن إيمان الأستاذ بزميلتنا وتوثق علاقة أستاذيته لها، وثقة مفرطة بها، وعطف أبوى لا نهاية له، مع أنها لم تكن تلميذة مباشرة له فيما مضى من الزمان، وقد قابلت زميلتنا كل هذا بكل ما كان فى وسعها من وفاء وولاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.