يبدو أن البعض لا يريد لهذا البلد الاستقرار.. حيث يحاولون إطالة أمد الفترة الانتقالية تحت حجج مختلفة.. فمنهم من يطالب بتسليم السلطة من المجلس العسكرى إلى مجلس مدنى، ومنهم من يطالب بتسليمها إلى رئيس مجلس الشعب.. وآخرون يقترحون انتخاب البرلمان لرئيس مؤقت لمدة عام تنتهى فيه الجمعية التأسيسية من إعداد الدستور الدائم، ويتم على أساسه انتخاب الرئيس الجديد للبلاد، ولم يكتف هؤلاء بطرح اقترحاتهم.. ولكنهم دفعوا بأنصارهم للتظاهر ومحاصرة البرلمان والضغط عليه للاستجابة لما يطالبون به وهو ما دعا الأغلبية بالمجلس للاستنجاد بكوادر الجماعة للدفاع عنه!وفى رأيى أن القضية ليست فيما يطرحه هؤلاء، ولكن فى سنده القانونى والدستورى وفى طريقه وأسلوب طرحه، وهو ما يجرنا إلى السؤال الأساسى الأهم: هل نحن مازلنا فى مرحلة الشرعية الثورية أم انتقلنا إلى مرحلة الشرعية الدستورية والقانونية؟ فمن المعروف أن لكل مرحلة خصوصياتها ونتائجها وتداعياتها. بمعنى أن ما قد يصلح فى المرحلة الأولى قد لا يصلح فى المرحلة الثانية.. نعم لدينا ثورة وكان لها شرعيتها.. لأنها كانت سلمية.. وكانت عامة، وأسفرت عن سقوط نظام الحكم ومحاكمة الفاسدين، ولكن لأن من قاموا بالثورة لم يحكموا.. وتم تكليف المجلس العسكرى بإدارة أمور البلاد لحين انتخاب رئيس جديد.. فقد انتقل المجتمع من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية.. خاصة بعد استفتاء مارس الماضى.. والذى وافق على «خريطة الطريق» لإجراءات نقل السلطة وخطوات تنفيذها، وهو ما حدث بالفعل خلال الشهور الماضية من انتخاب مجلس شعب جديد بانتخابات حرة نزيهة شارك فيها الجميع، وجار حاليا استكمال انتخابات مجلس الشورى.. إلى جانب تحديد موعد انتخاب رئيس الجمهورية.. وانتهاء بتحديد تسليم السلطة من المجلس العسكرى إلى الرئيس المنتخب بنهاية مايو القادم. ??? والمعنى من كل ما تقدم أننا خرجنا من مرحلة الشرعية الثورية إلى مرحلة الشرعية الدستورية والقانونية والتى تستند إلى استفتاء مارس الماضى والإعلان الدستورى المنظم لكيفية إدارة البلاد فى تلك الفترة الانتقالية.. التى أوشكنا على الخروج منها بعد أن أصبح لدينا حكومة إنقاذ وبرلمان منتخب.. ولم يبق سوى رئيس جديد تحدد موعد انتخابه فعلا.. فمن المتوقع أن يفتح باب الترشيح فى منتصف مارس.. وأن تتم الانتخابات فى منتصف مايو.. مع تخصيص الفترة المتبقية منه للإعادة إن تمت.. على أن يتم تسليم السلطة فى نهايته. ومن ثم لم يعد هناك مجال لمقترحات جديدة فى هذا الموضوع.. أولا لأن تلك المقترحات مجرد «وجهة نظر» وليست قرآنا منزلا وجبت طاعته والعمل بنصوصه، فوجهات النظر من الممكن أن تصيب ومن الممكن أن تكون غير ذلك، كما أنها لا تستند إلى أية شرعية.. فقد أصبح لدينا حكومة لها أن تقترح.. وأيضا برلمان له أن يوافق أو يرفض، فضلا عن الحق القانونى لأعضائه بتقديم ما يشاءون من اقتراحات. والغريب فى الأمر أن الذين جاءوا بالشرعية المعترف بها محليا وعالميا.. وهى شرعية الصندوق الانتخابى لم يتقدموا بأى اقتراحات فى هذا الشأن.. ولم يعترضوا على «خريطة الطريق» المحددة من قبل خاصة أن منهم من يعتقد أن تلك المقترحات تعد التفافا على استفتاء مارس الماضى، كما يرى آخرون أنها تكلف البلاد أعباء مالية إضافية فى ظل أوضاع اقتصادية مختلة، خاصة أيضا أن بعضها لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع.. وعلى سبيل المثال: مقترح تسليم السلطة لمجلس مدنى.. ووضع دستور جديد.. ثم إعادة انتخاب البرلمان مرة أخرى! فمن هم أعضاء هذا المجلس؟.. وهل يتم اختيارهم من خلال البرلمان أم من خلال انتخابات عامة يشارك فيها جميع المواطنين؟.. وما هو السند القانونى لهذا المجلس المقترح؟.. وما هى المدة الكافية للانتهاء من أعماله ومنها وضع دستور جديد وانتخاب برلمان جديد أيضا.. ثم انتخاب رئيس جديد كذلك؟.. ما هذه «المتاهة» التى يريد البعض إدخالنا فيها؟.. وما هى الضرورة القصوى التى تستوجب تنفيذ هذا المقترح الغريب؟.. فهل الانتخابات كانت مزورة مثلا؟.. أم لأن نتائجها جاءت على غير هوى البعض؟. وكذلك المقترح الآخر.. الذى يطالب بتسليم السلطة إلى رئيس مجلس الشعب.. وهل رئيس مجلس الشعب منتخب من الشعب أم من أعضائه فقط؟.. بمعنى هل ارتضى الشعب أن يحكمه د. سعد الكتاتنى مع كامل الاحترام لشخصه؟.. وماذا عن الفصل بين السلطة التنفيذية التى يمثلها رئيس الجمهورية والسلطة التشريعية التى يمثلها رئيس البرلمان؟.. فمن المعروف أن لكل سلطة اختصاصاتها ولا يجوز الجمع بينهما إلا فى حالات الضرورة القصوى.. وهى غير متوافرة فى تلك المرحلة التى نمر بها، كما أن هناك تعديلا أدخل على الدستور المعطل بمقتضاه يتولى رئيس مجلس الوزراء اختصاصات رئيس الجمهورية فى حالة غيابه بشكل مؤقت باعتباره الشخص التالى فى هرم السلطة التنفيذية فى غياب نائب رئيس الجمهورية! وأيضا المقترح الثالث.. الذى نادى به نقيب المحامين والذى يتلخص فى انتخاب البرلمان رئيسا مؤقتا لمدة عام لحين الانتهاء من وضع الدستور الجديد! ??? وفى رأيى أن كل ما سبق من اقتراحات لا ضرورة لها لأننا لسنا فى حالة طوارئ.. إنما فى مرحلة انتقالية وافق الشعب فى استفتاء عام على «إجراءات» العبور منها.. وقد أوشكنا بالفعل على الخروج.. فلماذا يريد البعض العودة بنا إلى نقطة الصفر وكأنك يا أبو زيد ما غزيت؟! ألا يعلم هؤلاء أنه لكل شىء ثمن أو تكلفة.. وقد توقفت عجلة الإنتاج- تقريبا- طوال الشهور الماضية بسبب الغياب الأمنى وعدم الاستقرار السياسى؟.. فهل يريدون أن نصل إلى مرحلة الإفلاس الاقتصادى بمحاولاتهم إطالة أمد تلك المرحلة؟ ألا يلاحظ هؤلاء أننا دخلنا فى مرحلة جدل مجتمعى قد يدفع البلاد إلى ما يشبه الحرب الأهلية من خلال السؤال: الشرعية للبرلمان أم للميدان؟.. فالذين حصلوا على شرعية البرلمان سوف يدافعون عن مكاسبهم ولن يتنازلوا عنها بالبساطة التى يقترحها البعض، والذين يدفعون أنصارهم للميدان بحجة أن الشرعية مازلت له.. وهو ما بدأت نتائجه فى الظهور عندما أحاط أنصار التيار الدينى بالبرلمان لحمايته من متظاهرى الميدان الذين ذهبوا لشارع مجلس الشعب لعرض مطالبهم والمتمثلة فى «اللاءات الثلاثة».. وهى «لا.. لحكم العسكر».. «لا.. لانتخاب الرئيس أولا».. «لا.. لوضع الدستور الآن فى ظل الحكم العسكرى».. لقد كادت أن تحدث مواجهة عنيفة بين الطرفين.. كانت ستسفر عن ضحايا من شباب مصر الشرفاء من الجانبين.. ولكن الله سلم.. وتدخل العقلاء.. واحتكم الجميع للعقل، ولكن ليس كل مرة.. تسلم الجرة! فما الذى يدفعنا للاستمرار فى هذا «الضغط» العصبى.. والخوف من حدوث مواجهات عنيفة بين أنصار أعضاء مجلس الشعب.. وبين متظاهرى الميدان؟.. وهو ما يجرنا إلى سؤال آخر: أين الدولة؟.. وأين قواتها النظامية سواء كانت قوات مسلحة أو شرطة فى مراقبة تنفيذ القانون.. وحماية مؤسسات الدولة.. ومنها مجلس الشعب ومجلس الوزراء؟.. وهل مسموح أن يستعين أعضاء مجلس الشعب بأنصارهم لحماية البرلمان؟.. وهل هذه مقدمات لأن يكون لكل حزب أو تيار سياسى «قوة» تحميه وتدافع عنه وهو ما يعرف فى علوم السياسية «بالميليشيات» سواء كانت مسلحة أو غير ذلك؟.. وأيضا إذا كنا نتفق جميعا على حرية التظاهر والاعتصام.. فهل الهجوم على مؤسسات الدولة.. والسباب لممثليها من الحرية أيضا؟ لقد آلمنى وأزعجنى ما رأيته من تصرفات البعض أمام مبنى التليفزيون.. حيث رفعوا أحذيتهم فى مواجهة العاملين بالمبنى والقوات التى تحرسه.. ناهيك عن السباب بأفظع الألفاظ المعاقب عليها قانونا.. فما ذنب العاملين بالمبنى وكذلك من يحرسوه فى أن يشاهدوا ويسمعوا سبابهم بآذانهم وأعينهم؟.. إنهم أناس يقومون بعملهم.. فلماذا يعتدى عليهم البعض؟.. وألا يمثل ذلك جريمة، حيث الاعتداء بالفعل والقول على موظف عام أثناء تأدية عمله؟! ألم يسمع أو يشاهد جنرالات الفضائيات وهواة السياسة الجدد ما سبق.. أم أنه النفاق السياسى للمتظاهرين؟.. كفانا الله شره ورحمنا برحمته..