فى إطار فعاليات المشاركة الإيطالية بمعرض القاهرة الدولى للكتاب نظم المعهد الثقافى الإيطالى بالقاهرة الأسبوع الماضى احتفالية خاصة بمناسبة مرور مائة عام على ميلاد الكاتب المصرى والعالمى نجيب محفوظ تضمنت الاحتفالية عرضا لفيلم «بداية ونهاية» وطرح كتاب جديد بعنوان «محفوظ فى إيطاليا.. صاحب فضل» للدكتور حسين محمود أستاذ الأدب الإيطالى بجامعة حلوان والذى قام بإدارة مائدة حوار شارك فيها نخبة من المفكرين من مصر وإيطاليا دعاهم الشاعر «دانتى مارياناتشى» المستشار الثقافى بالسفارة الإيطالية. من إيطاليا شاركت البروفيسيرة إيزابيللا كاميرا دافليتو أستاذ كرسى الأدب العربى بجامعة روما لا سابينسا، والتى اكدت فى كلمتها أن محفوظ فتح الباب على مصراعيه أمام الأدب العربى لكى يتبوأ المكانة التى يستحقها فى الغرب عامة وإيطاليا بصفة خاصة.. وأشارت الأستاذة الإيطالية إلى أنه قبل محفوظ لم يكن أحد، حتى من المستشرقين، يلتفت إلى الإبداع العربى، وخاصة الإبداع الحديث، وكان رأى واحد من كبير المستشرقين أنه لم يظهر فى العالم العربى حتى ذلك الوقت روائى كبير مثل ديكنز أو بلزاك، وهذا الجهل فضحه فوز محفوظ بنوبل ودخول الأدب العربى بقوة إلى الذائقة الأوروبية التى تعرفت من خلاله على أدباء آخرين كثيرين حازوا هم أيضا على إعجاب القارئ الإيطالى. من ناحيته قال الكاتب محمد سلماوى إن الاهتمام العالمى بمحفوظ يتزايد كل عام عن العام الذى قبله، رغم فوزه بنوبل قبل 24 عاما تقريبا، وعلى عكس الفائزين الآخرين بالجائزة نفسها الذين ينحسر عنهم الضوء سريعا، حتى أن بعضهم نساه العالم وأصبح غير مقروء بعد سنوات قليلة من فوزه بالجائزة. وروى سلماوى قصة اللقاء بين نجيب محفوظ وألبرتو مورافيا والذى حضره بنفسه إبان زيارة الكاتب الإيطالى الكبير لمصر فى يناير من عام 1988، وقال سلماوى إنه كان لقاء جمع عملاقين من عمالقة الأدب العالمى، وأكبر روائيين فى منطقة البحر المتوسط. ومن الطريف فى هذا اللقاء أن محفوظ أعرب عن أمنياته بأن يفوز مورافيا بجائزة نوبل إلا أن محفوظ هو الذى فاز بها وفى نفس العام وأكد سلماوى أيضا على أنه لا يزال لديه الكثير مما قاله محفوظ فى حياته ولم ينشر، ولديه كل الكلمات التى كان يكتبها بنفسه وينيبه فى إلقائها فى مناسبات عالمية والتى كانت مناسبات كثيرة جدا، ولم ينشر منها سوى كلمته عند استلام جائزة نوبل. أما الروائى الكبير جمال الغيطانى فتحدث عن الجمالية وقدم تحقيقا لمسقط رأس نجيب محفوظ والبيت الذى عاش فيه، والبيوت التى انتقل إليها فى العباسية ثم العجوزة. وأكد الغيطانى أن محفوظ كان فى رواياته مدققا فى الأماكن التى يذكرها فى القاهرة القديمة، وأن الحارة التى ولد فيها ووصفها فى جميع أعماله كانت لا تزال فى بداية القرن العشرين تنتمى إلى الحارة المصرية فى عصر المماليك بتركيبها الطبقى المركب. غير أنه ألمح إلى أنه وظف الحارة من منظور روائى خاص به، لا يتطابق مع المنظور الفعلى للمكان وخاصة فى الثلاثية. وأكد الغيطانى على أن من يريد أن يعرف حياة محفوظ فى الجمالية حق المعرفة فعليه أن يقرأ «حكايات حارتنا» والتى تصف بدقة الحارة المحفوظية التى كانت واقعية فى المرحلة الأولى ثم أصبحت بعد ذلك تمثل مركزا للكون فى أعماله اللاحقة. وقدم جمال الغيطانى مشروعا لتصميم مسار سياحى أطلق عليه «المزارات المحفوظية» التى يعتبر خبيرا بها، وعاينها مع محفوظ نفسه فى حياته، وقال إن هذا المشروع لن يتكلف كثيرا وسوف يدر دخلا كبيرا، وطالب باعتبار «زقاق المدق» محمية ثقافية خاصة أن هذا الزقاق يحتفظ بمعالمه حتى الآن. وتحدث الناقد د. حسين حمودة عن علاقة محفوظ بالسينما عن حضور محفوظ فى الثقافة الإيطالية والترجمات الأولى له، وأشار إلى اكتمال وتجدد شكل الرواية عند نجيب محفوظ، وتأثره بالسينما وتأثيره فيها، وهو الموضوع نفسه الذى تحدث الناقد الدكتور رفيق الصبان والذى عقد مقارنة سريعة بين فيلمى «بداية ونهاية» المصرى والمكسيكي، ووصف الإخراج المصرى له بأنه كان أكثر تحفظا من الرؤية المكسيكية للرواية، وانتهى إلى أن مشاهدة روايات محفوظ على الشاشة لا تعادل المتعة نفسها التى تضمنها قراءة نصوصه. من ناحيتها قدمت المؤرخة الإيطالية روسيلا سفوليانو وصفا دقيقا للأماكن التى تعلقت بروايات المرحلة الفرعونية بأعمال محفوظ وأثبتت من خلالها أن محفوظ كان دارسا دقيقا لطبوغرافية المدينة المصرية القديمة التى وصفها فى هذه الروايات، وأنه قدمها بالصورة الأقرب إلى صورتها الحقيقية التى درسها علماء الآثار والمصريات. وفى نهاية الاحتفالية تم عمل تقديم للكتاب الذى قام بنشره المعهد الثقافى الايطالى عن أديب نوبل - كتب مقدمته د.دانتى مارياناتشى ومن تاليف د. حسين محمود الذى قام بقراءة أجزاء منه أشار فيها إلى أن نجيب محفوظ يسدى من حيث لا يدرى وربما ايضا لم يكن من ضمن اهدافه المباشرة ان يقدم خدمة كبرى وفضلا ليس فقط لاسمه إنما لاسم بلده مصر ولسمعة الادب العربى كله وللأدباء العرب اجمعين وقبل نجيب محفوظ كان اهتمام دور النشر الإيطالية بالإنتاج الأدبى العربى ضعيفا محدودا علاوة على أنه كان منحازا الى حد كبير لأساليب وأفكار بعينها ولقد أيقظ فوز نجيب محفوظ بجائزته العالمية دور النشر الإيطالية من سبات طويل ودفعها للانتباه إلى وجود أدب راق يستحق أن يترجم وهو الأدب العربى.