بعد مرور عام على ثورة 25 يناير التى اتخذت شعار (عيش - حرية - عدالة اجتماعية) ورغم الوعود البراقة التى أطلقتها الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، فإن نسبة كبيرة من المصريين مازالت تعانى من تفاقم المشكلات الكبرى كالفقر والبطالة والجوع. وما بين الإضرابات والاعتصامات والأحداث الدامية التى مرت بها مصر على مدار عام كامل، ضاعت حقوق ومطالب 12 مليون فقير يعيشون فى مصر، وظهرت خطورة 2 مليون طفل يهيمون على وجوههم فى الشوارع فأصبحوا قنابل موقوتة قابلة للانفجار فى أية لحظة كما جرى أمام مجلس الوزراء، وزادت أيضاً معاناة سكان أكثر من 400 منطقة عشوائية غير آمنة، ناهيك عن ملايين العاطلين عن العمل ومعاناتهم وخطورتهم على الأمن والاستقرار. فى ظل هذه الأوضاع السيئة التى ساهم فى تفاقمها الحالة المتردية للاقتصاد بعد الثورة.. ماذا تحتاج مصر من أجل الخروج الآمن من هذه الظروف الصعبة؟. الإجابة كما يراها الخبراء والسياسيون والمسئولون تطرحها «أكتوبر» فى سياق التحقيق التالى. يؤكد د. محسن الخضيرى الخبير المصرفى أنه حتى الآن لم يتم تنفيذ سياسات اقتصادية متكاملة من أجل إصلاح الأوضاع الاقتصادية المتردية قبل وبعد الثورة، مشيراً إلى أن تلك الأوضاع السيئة تؤثر تأثيرا بالغاً على الطبقة الفقيرة والتى عانت كثيرا ولا تزال تعانى. ويضيف الخضيرى أن الحكومة ينبغى أن تتبع عدة خطوات حتى تخرج البلاد من الأزمة الاقتصادية الحالية وأهمها إعادة دور الدولة فى توظيف العاملين، خاصة حملة المؤهلات العليا وتتم استعادة هذا الدور من خلال الإشراف الفعال من جانب الدولة على القطاعات الاقتصادية الثلاثة «العام والخاص والتعاونى»، مشيراً إلى ضرورة وجود قدر كبير من التفاعل الحيوى بين القطاعات الاقتصادية الثلاثة بالشكل الذى يعمل على استيعاب العاطلين. هذا إلى جانب وضع خطة لتنمية القطاعات الاقتصادية والتأكيد على الثقة الكاملة فى الاقتصاد المصرى والذى يؤهله لامتصاص الأزمات الحالية. ويوضح محسن الخضيرى أن الحكومة المصرية يجب أن تضع رؤية مستقبلية اقتصادية من خلال مشروعات تنموية حقيقية بعيداً عن المشروعات التى تستنزف موارد الدولة ولا تؤدى إلى تنمية حقيقية، مشيراً إلى أن القيادات التى تتولى القطاعات الاقتصادية والمسئولة عن اتخاذ القرار يجب أن يتم انتقاؤها بعناية والضرب بيد من حديد على كل من يثبت فساده، خاصة أن الكثيرين فى النظام البائد استغلوا مناصبهم للتربح. ويقول الخضيرى: إن المخططات الهيكلية الفعالة للمشروعات التى تمت دراستها فى عام 1964 ولم يتم تنفيذها تجب إعادة النظر فيها وتتم دراسة المشرعات ذات الأهمية لتطبق حاليا، وبذلك يتحول الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد فعال فى كافة القطاعات الإنتاجية «الزراعة والصناعة والخدمات» ولن يحتاج ذلك لوقت طويل، بل يمكن تنفيذه خلال فترة لا تزيد على 6 أشهر وتستوعب حوالى 20 مليون عاطل عن العمل وبناتج إجمالى 250 مليار دولار. وطالب الخضيرى بضرورة الإسراع فى تنفيذ تلك الخطط بشكل سريع وفورى وبدون أى تأخير حتى نستطيع علاج أزمة الفقر والتى تؤثر بشكل كبير على المجتمع وتنتج البلطجة وأطفال الشوارع، بل تصدر أزمات سياسية من خلال استغلال البلطجية وأطفال الشوارع فى أعمال الشعب. ويؤكد د. حمدى عبد العظيم الخبير الاقتصادى أنه على الرغم من مبالغة بعض التقارير الدولية عن مصر وخاصة فيما يتعلق بالأحوال الاقتصادية والعشوائيات فإننا لا ننكر وجود الأزمة سواء الفقر أو المناطق العشوائية أو التدهور العام للاقتصاد ولكن تسعى الحكومة بما لديها من إمكانات إلى حل تلك المشاكل، مشيراً إلى أنه قد تم تطوير بعض المناطق العشوائية إلى جانب تسليم عدد من الأهالى مساكن «إيواء» فى النهضة والسيدة زينب ومناطق أخرى عديدة ومنهم الأهالى الذين كانوا معتصمين أمام (ماسبيرو). ويضيف عبد العظيم أن الثورة أنعشت الحياة السياسية فى مصر وقد حققنا من خلالها نجاحات مبهرة، وحققنا العديد من المكاسب السياسية فيما يخص الحريات والعدالة بوجه عام، فى حين أن الثورة فى نفس الوقت قد أدت إلى تدهور فى الاقتصاد المصرى بشكل كبير وصعّبت من حل مشاكل عديدة كالبطالة وسوء الأحوال المعيشية للطبقات الفقيرة خاصة أن الحل الوحيد لكل تلك الأزمات وجود (المال)، وبذلك نكون قد حققنا إخفاقات مفزعة اقتصادياً على عكس النجاحات السياسية، مشيراً إلى أن صندوق النقد الدولى قد تراجع عن مساعدة مصر وكذلك الدول الأجنبية مما صعّب على الحكومة المصرية حل مشاكل الطبقة المعدمة على المدى القصير. ويطالب الدكتور حمدى عبدالعظيم الحكومة بضرورة البحث عن حلول لتلك الأزمات بطرق غير تقليدية ويجب على الحكومة توظيف الشباب عن طريق الاستثمار وليس بالضرورة فى وظائف حكومية، إضافة إلى إنعاش الأنشطة الإنتاجية فى الزراعة والصناعة إلى جانب الحد من عمليات الاستيراد وفتح الباب أمام المشروعات الصغيرة دون تعقيدات الجهات الحكومية المختلفة وتقديم قروض حسنة للشباب. ويقول د. عبد العظيم إن قرار مجلس الوزراء الخاص بتعيين ال 20 الأوائل من كل كلية والذى كان قد أصدره الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء السابق قرار مفيد ويجب أن يستمر حتى نضع ثوابت التفوق والاجتهاد، مشيراً إلى أن هذا القرار كان قد تم وقف التعامل به من جانب د. أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق فى حين أعاد تنفيذه د. عصام شرف، وحالياً يقوم الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة بالإعداد لتنفيذه مع نهاية العام الدراسى الحالى. ويوضح عبد العظيم أهمية دور خبراء الاقتصاد الذين قاموا بدراسة عدة خطط غير تقليدية للخروج من الأزمة الاقتصادية فى مصر ويتم عرض تلك الخطط من خلال الندوات والمؤتمرات ولكن الحكومات المتعاقبة سواء حكومة د. أحمد شفيق أو د.عصام شرف أو حتى حكومة الدكتور كمال الجنزورى لا تهتم بتلك الأفكار حتى وإن ترددت على ألسنة المسئولين لا يتم تنفيذها. إعادة توزيع الدخل ويشير مصطفى ميزار عضو اللجنة العليا لحزب العدل إلى أن الإحصائيات والتقارير الدولية التى تخص الأحوال الاقتصادية فى مصر غير مسّلم بها، ولكن الواضح أن معدل الفقر فى مصر يزيد كل يوم بسبب أن الحركة الاقتصادية شبه متوقفة، فهناك العديد من المصانع والمؤسسات متوقفة، إضافة إلى قطاع السياحة الذى تأثر بشكل كبير وهو القطاع الذى يستوعب ما يزيد على 200 ألف فرصة عمل، إضافة إلى أن الحكومة لديها خطط كثيرة لحل مشكلة العشوائيات ولكنها غير منفذة، وبالنسبة لحزب العدل فهناك خطط لإعادة توزيع الدخل، إضافة إلى تخفيض الأسعار ونضع خطة لوضع الاقتصاد المصرى على المستوى البعيد، وهناك خطط أخرى قصيرة الأجل ويتم تطبيق الجانبين معاً. ويضيف ميزار أن حزب العدل وضع دراسة لمشروع تنمية سيناء ومشروع توشكى يتم من خلالهما توفير فرص عمل للشباب، إضافة إلى مشروع التأمين الصحى للجميع، خاصة أننا نوفر الكثير إذا ما وفّرنا العلاج المجانى للجميع وبذلك تستطيع الطبقة الكادحة أن تعمل وتجتهد دون خوف وهذا يجب أن يكون دور مؤسسات الدولة الحقيقى. الفقر والعشوائيات من جانبها تؤكد الدكتورة سهير لطفى أستاذ الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن مشكلة العشوائيات وزيادة معدل الفقر فى مصر تضع القوى السياسية والأحزاب التى حققت الكثير من النجاحات فى الانتخابات البرلمانية على المحك، فتلك الأزمات تعد اختباراً حقيقياً للتيارات الإسلامية خاصة أن الطبقة الفقيرة فى مصر كان لها الفضل فى اختيار التيارات الإسلامية ليمثلوها فى البرلمان ويدافعوا عن حقوقهم التى ضاعت سنوات عديدة. ويضيف د. أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع السياسى أن منظمة العفو الدولية حذّرت السلطات المصرية من وجود ما يزيد على 400 منطقة عشوائية منتشرة فى مختلف أنحاء مصر، مشيراً إلى أن بعض الدراسات الحديثة أعلنت عن وجود أكثر من 850 ألف شخص يعيشون فى مناطق عشوائية وغير آمنة وحوالى 19 ألف وحدة سكنية مهددة بالانهيار.. هذه الأزمات هى المشكلة الحقيقية التى تعانى منها مصر وكان النظام البائد سبباً فى استمرار وجودها، وعلى الرغم من أن الثورة قد أكملت عامها الأول فإنه لم يتم النظر لهذه الفئة التى عانت كثيراً. ويطالب زايد حكومة د. الجنزورى بسرعة اتخاذ القرارات التى من شأنها معالجة تلك الأزمات الأمر الذى سيقلل من معدلات السرقة والبلطجة إذا تم استغلال تلك الطاقات المعطلة وسوف يعود ذلك بالإيجاب على الاقتصاد المصرى. ويقول أحمد حجازى أستاذ الاجتماع بجامعة طنطا إن المسئولين فى النظام البائد كانوا يتحدثون عن الطبقة الفقيرة والعشوائيات ليحصلوا على البريق الإعلامى وخاصة فى فترات الانتخابات دون أن يتغير شىء أو يحدث أى تقدم لهذه الطبقة، وقد واصلت المناطق العشوائية إنتاج الأمراض النفسية والاجتماعية ودون أن ينظر المجتمع والحكومة لهذه المناطق نظرة الرحمة حتى أعلنت المنظمات الدولية عن أرقام مفزعة لعدد الفقراء فى مصر والذى وصل إلى 12 مليون فقير و2 مليون يمثلون (أطفال شوارع) و404 مناطق عشوائية، ويشير حجازى إلى أن تلك المشاكل تتطلب حلولا عاجلة خاصة أن أزمة الفقر تعد قنبلة موقوتة كان النظام البائد يتجاهلها، بل بفساده زاد من حدتها. بنك النور ويؤكد عماد الدين عبد الغفور رئيس حزب النور أن الحزب يضع خططا ودراسات لحل مشاكل المجتمع المصرى، وبالنسبة لمشكلة ارتفاع نسبة الفقر فهناك أكثر من خطة ستؤدى إلى دفع الاقتصاد المصرى بصفة عامة وهو ما سيؤدى بدوره إلى التأثير الإيجابى على الطبقة الفقيرة. ويضيف عبدالغفور أنه سوف يتم خفض الأسعار بصفة عامة من خلال تقليل هامش الربح فى المعاملات التجارية وهو ما سيكون له تأثير إيجابى مباشر على الطبقة الفقيرة. ويشير رئيس حزب النور إلى أن الحزب يقوم بدراسة فكرة إحلال البنوك الإسلامية محل البنوك العادية وتتم دراسة بنك جديد يمكن أن يطلق عليه (بنك النور) خاصة بعد أن تمت ملاحظة أن نسبة الودائع فى البنوك الإسلامية أكبر من البنوك العادية، مشيراً إلى أن الاقتصاد هيكل متكامل والعمل على رفع الاقتصاد المصرى بصفة عامة من عثرته سوف يعود بالإيجاب على الجميع خاصة فى ظل وجود قواعد عادلة تحكم الجميع وتحدد معايير الدخل وكيفية توزيعها. وعود الحكومة أما الحكومة فدائماً لديها من التصريحات ما يثير التفاؤل، ويظل الأمل فى التنفيذ، ويقول محمد رضا إسماعيل وزير الزراعة واستصلاح الأراضى إن الوزارة تستعد لتشغيل أكثر من 25 ألف خريج بمجرد التخرج مباشرة، وذلك باستثمارات تصل إلى حوالى مليار جنيه، إضافة إلى إسقاط ديون 23 ألفا و769 من المزارعين المتعثرين لدى بنك التنمية والائتمان الزراعى وذلك مراعاة لظروفهم ومساعدة لهم، مشيراً إلى أن الوزارة تسعى إلى حل أزمات المزارعين البسطاء لرفع مستوى معيشتهم. ويقول منير فخرى عبد النور وزير السياحة إن قطاع السياحة فى مصر يواجه تحدياً كبيراً سواء بالنسبة للجانب الأمنى أو الفتاوى التى تصدر بخصوص صناعة السياحة، مشيراً إلى أن السياحة تعد أحد أهم القطاعات التى تؤثر فى الاقتصاد المصرى إيجاباً وسلباً فهو يمثل 11% من الناتج المحلى، ويضيف عبد النور: أن القطاع السياحى من المنتظر أن يستوعب 4 ملايين فرصة عمل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وهو ما سيؤدى إلى الحد من مشكلة البطالة، مشيراً إلى أن قطاع السياحة يجب أن يتم الاهتمام به من جانب كل مواطن مصرى حتى نصل إلى معدل يليق بمصر، ومن المنتظر أن نصل إلى 30 مليون سائح ليصل الدخل السياحى إلى 25 مليار دولار ولن نصل إلى تلك المعدلات إلا بعد أن نضع السياحة فى مكانها الطبيعى حتى تكون داعماً للاقتصاد المصرى. من جانبه يؤكد المستشار محمد عطية وزير التنمية المحلية أن الحكومة الحالية برئاسة الدكتور كمال الجنزورى تعمل بصورة فعالة وهناك خطط جديدة من المنتظر أن تؤتى ثمارها خاصة أن نظام اللامركزية سوف يتم تفعيله، إضافة إلى القضاء على الفساد فى المحليات وهو ما سوف يأتى بثماره على المواطن البسيط ويؤدى فى النهاية إلى حل مشاكل وأزمات المجتمع المصرى والحد من مشكلة البطالة، مشيراً إلى أن الوزارة تعمل على تثبيت نصف مليون من العاملين المؤقتين فى مختلف المؤسسات والجهات الحكومية.