كان من الممكن أن يُصبح فيلم «أسماء» الذى كتبه وأخرجه عمرو سلامة فى تجربته الثانية بعد فيلم «زى النهاردة»، مجرد فيلم آخر متقن الصنع يحكى عن معاناة فئة منبوذة هم مرضى الإيدز، ولكنه استطاع أن يقفز إلى درجة أعلى بكثير ترشحه للمنافسة على لقب أفضل أفلام موسم 2011 السينمائى لأنه انطلق بسلاسة إلى تعميق فكرته، تحولت الحكاية المستلهمة من قصة واقعية إلى دائرة أكثر عمومية فأصبح الفيلم مزيجاً بين مرض الجسد بالإيدز ومرض الروح بالخوف وهو الأخطر والأصعب، أصبح فيلمنا عن مرض الفرد فى مقابل مرض المجتمع الأكثر خطورة بالجهل وعدم المعرفة وقلة الذوق، انطلقنا طوال الفيلم من محاولة علاج الجسد بالعقاقير والمسكّنات إلى علاج الروح بالحب، نجحت بطلتنا الرائعة أسماء فى أن تهزم الخوف حتى ولو كان جسدها قد هزمه الإيدز. ولعل أحد أسباب تفوق فيلم «أسماء» طريقته المختلفة فى السرد التى تعتمد على كشف تفاصيل مأساة البطلة شيئاً فشيئاً، ورغم أن إصابة بطلتنا أسماء بمرض الإيدز هو محور الحكاية كلها فإن صراعها سيسير فى اتجاهين: الخوف من كشف طبيعة مرضها حباً لابنتها الوحيدة الشابة وحتى لا تكشف أن المرض انتقل إليها من زوجها الراحل الذى أحبته حتى النهاية «هانى عادل»، والاتجاه الثانى هو محاولتها أن تنقذ حياتها المهددة بالموت، لقد أصيبت بمرض المرارة، واحتاج الأمر لعملية جراحية لها، وعندما عرف الأطباء أنها تحمل فيروس الإيدز خافوا جميعاً من إجراء العملية، والتقط المذيع الناجح «محسن السيسى» «ماجد الكدوانى» القصة وأراد أن يجعل منها وسيلة لمزيد من النجاح، أصبح يستهدف أن تظهر «أسماء» فى برنامجه التليفزيونى «صفيح ساخن» لتواجه الكاميرا بوجهها، من هذه النقطة تتفرق الحكاية بين حكاية إصابتها بالإيدز. وحربها الخاصة لإخفاء المرض عن ابنتها وزملائها فى العمل «كانت عاملة فى مطار القاهرة»، ثم حربها الخاصة تجاه خوفها من الظهور فى مواجهة الكاميرا للحديث عن أولئك الأطباء الذين خافوا من اجراء عملية المرارة، وطوال الأحداث ستجد رسماً مُتقناً وبشكل عام للشخوص المحورية، وبراعة فى مشاهد العودة للماضى مع ضبط المعلومات بصورة شائقة، وبراعة واضحة فى الخروج من الخاص جداً «مأساة أسماء» إلى الأكثر عمومية «مأساة زملائها مرضى الإيدز» إلى العام «الخوف الذى يأكل الروح أكثر من الإيدز نفسه». ربما ارتبكت بعض التفاصيل، وربما زادت جرعة الميلودراما فى مشاهد القرية، ولكن الصورة العامة كانت رائعة خاصة مع الأداء الاستثنائى ل«هند صبرى» فى أفضل أدوارها على الإطلاق، والأداء المدهش لماجد الكدوانى «جائزة أفضل ممثل من مهرجان أبو ظبى»، وتألق «هانى عادل» فى دور مختلف تماماً عمّا قدمه. هناك أيضاً اتقان فى تقنية العناصر الفنية خاصة مونتاج «عمرو صلاح» الذى سينافس على جائزة أفضل مونتاج، وطبعاً الموهوب «عمرو سلامة» الذى قدم تجربة إنسانية مؤثرة ومتقنة.