عندما تبلغ «هند صبري» الكمال الإبداعى بنصف سيناريو ومخرج محترف
الكادر يتسع تدريجياً، لتتعرف أنك تشاهد حلقة نقاشية تدور بين مجموعة من مرضى الإيدز، تبدأ «أسماء» الحديث فيها، تعرف باقى أعضاء الحلقة بنفسها، بأنها امرأة فى الثالثة والأربعين من عمرها، وأنها مصابة بفيروس الإيدز القاتل، كما أنها تجد صعوبة فى التعامل مع المجتمع وهى حامل لهذا الفيروس اللعين الذى يدمر مناعة الإنسان، وسمعته أيضاً، وتفضل الاختفاء خلف حجاب طويل وقفازين يغطيان يديها باستمرار، ينتقل السيناريو سريعاً، لمشهد شديد الإنسانية، عندما تذهب «اسماء» « لإجراء جراحة المرارة، وتتفق مع أحد العاملين بالمستشفى على تمريرها بأنها حاملة لفيروس سي، لتتمكن من إجراء العملية، ولكنها قبل أن تأخذ الحقنة المخدرة، تعترف للطبيب داخل غرفة العمليات، أنها مريضة بالإيدز، ونعرف بعد ذلك أنه تم إلقاؤها خارج المستشفى خوفاً من نقل العدوي، لتصبح مأساتها الرئيسية، خوفها من فضح أمرها فى المجتمع الذى تعيش فيه، وألمها المتزايد من المرارة، خاصة مع رفض أى طبيب إجراء الجراحة لها خوفاً من الفيروس الذى يحمله جسدها الضئيل، ونشاهد فى مشاهد متتالية، قصة «أسماء» التى تسكن فى منطقة شعبية، مع والدها، الذى فضل اختيار الهروب من مرض ابنته، بشرب البيرة وفقدانه الوعي، وابنتها المراهقة التى تهرب من دراستها لتقابل شاباً فى نفس عمرها، وتظل الدائرة تضيق على «أسماء » فيرفض أصدقاؤها تقبلها معهم فى العمل بعد اكتشاف أمر مرضها، ويزداد ألم المرارة عليها، فلا تجد سبيلاً أمامها سوى الاستسلام لرغبة مذيع توك شو لامع، باستضافتها فى برنامجه للحديث عن معاناتها، ويظهر سيناريو الفيلم المذيع أشبه بجزار يتاجر بأوجاع الناس دون أن يشعر بهم، وهو حال الإعلام المصري.
توافق أسماء على الظهور فى البرنامج، ولكن بشرط وحيد، ألا يتم سؤالها عن الطريقة التى انتقل بها فيروس الإيدز إليها، إنه السر الوحيد الذى تحتفظ به أسماء، والذى يعود بنا فى سيناريو الفيلم للوراء، عندما كانت شابة، تقع فى حب شاب وتتزوجه ويتورط فى جريمة قتل، يدخل بعدها السجن ويخرج منه حاملاً للفيروس المميت، ولا يخبر أحد بمرضه سوى زوجته «أسماء» التى ترفض تركه وتترجاه لتقتسم معه المرض تكفيراً عن دخوله السجن بسببها.. بعد ذلك يصطدم الزوج برغبة اخيه فى بيع ارضه لأن الاثنين ليس لهما من يحمل اسميهما بعد رحيلهما، فشقيق الزوج لا ينجب من الأساس، والزوج يحمل الفيروس فى جسده فكيف له أن يقترب من زوجته وهو يحمل المرض اللعين، ولكن أسماء تضحى بنفسها وتكذب على زوجها وتخبره بأن الفيروس انتقل لها بالفعل، وفى مشهد رومانسى وخيط مؤثر بالأحداث لم يستغله المؤلف، تقرر أسماء إقامة علاقة مع زوجها لإنجاب الولد، ولكنها تنجب فتاة، فيشترط عليها شقيق زوجها بعد وفاته الابتعاد عن القرية، لأن الفضيحة أصبحت تلاحقها هى وزوجها الميت، بعد أن تساءل أهل القرية عن نقل العدوى إلى الآخر.
أسماء بعد أن كانت قد قررت، أن تخفى وجهها فى ظهورها مع مذيع التوك شو، تتخلص من خوفها، وتظهر بوجهها وتؤكد أنها إذا ماتت لن تموت بمرض الإيدز أو وجع المرارة، ولكنها ستموت بالمرض الذى يملأ الناس، فيقرر المذيع التبرع لها بحق العملية وهو نفس المبلغ الذى كانت تطلبه منه زوجته لسداد آخر قسط من شاليه يمتلكانه، وتخرج «اسماء من الحلقة » وهى مرفوعة الرأس، متحررة من الخوف الذى سيطر عليها لسنوات، تاركة خلفها فى الاستوديو القفاز الذى كانت ترتديه باستمرار، ولكنها تصدم عندما تجد زميلاً لها بالحلقات النقاشية، كان قد طلب الزواج منها، تركها وانصرف، لانه لن يتحمل نظرة المجتمع له، بزواجه من حاملة لفيروس الإيدز، والإعلان أنه أيضاً حامل لنفس الفيروس. أحداث الفيلم عابها الكثير من المط والتطويل، والسيناريو كان من الممكن أن يكون أفضل مما قدم عليه ألف مرة، ولكن إصرار عمرو سلامة على كتابة سيناريو الفيلم، افقده الكثير، فهناك نقاط ضعف كثيرة تشوب السيناريو، ولولا براعة هند صبرى ووصولها لأقصى درجات الإبداع فى تقديم دور «أسماء» لتحمل عمرو سلامة وحده، فشل العمل، فكان من الممكن أن يخفى السيناريو الطريقة التى انتقل بها الفيروس لأسماء، ليكون انتقال الفيرس إليها لأى سبب اخر بخلاف إقامتها علاقة مع زوجها، ولكنها فى النهاية رغبة المؤلف الذى فضل أن يسير بسيناريو العمل فى طريق يدفعك وأنت تشاهد الفيلم متوقعاً كل مشهد جديد قبل أن تراه، وربما يكون تصرفه بهذه الطريقة نتيجة ضغوط تعرض لها من إحدى الجمعيات التى ساعدت فى تمويل الفيلم، بأن اشترطت عليه أن تظهر بطلة العمل مصابة بالمرض نتيجة علاقة جنسية!! وبعيدا عن سيناريو العمل، أنت أمام مخرج واع بدرجة كافية، وممثلة يصعب كما ذكرت تكرارها فى السينما العربية، وممثل بحجم ماجد الكدواني، قدم دور المذيع المركب ببساطة وعفوية يتشابهان كثيراً مع أدائه لدوره فى فيلم 876. جاء العمل أيضا ليؤكد موهبة وقيمة سيد رجب الذى قام بدور الاب، والتأكيد على أن هانى عادل ممثل ينتظره الكثير، بخلاف تقديمه لوجبة شديدة الرقى فى الموسيقى التصويرية للفيلم، ولكن ما أزعجنى فى العمل هو ظهور بشرى بأحد مشاهده، بنفس شخصيتها فى فيلم «678» ولا أعرف الهدف من ظهورها بأحداث الفيلم، هل لكونها مشاركة فى إنتاجه، ام للإعلان على انها تتبنى نوعية معينة من الأفلام التى تخص مشاكل المرأة، ولكن فى النهاية الفيلم يطرح سؤالاً فى غاية الأهمية، من الذى لا يحب هند صبري؟.. بالتأكيد، لا أحد!