كان الاثنين 28 نوفمبر 2011.. يوما مشهودًا فى تاريخ مصر الحديث، إذ شهد بدء المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية التى تشمل 9 محافظات من بينها القاهرة والإسكندرية وتضم 17.5 مليون ناخب. منذ الصباح الباكر لهذا اليوم اتجه الشعب بالملايين نحو صناديق الانتخابات فيما سمى ب «عرس الديمقراطية»، حيث فاق الاقبال على صناديق الاقتراع نسبة ال 80% وهذا الحضور الطاغى بهر العالم كله.. ودلل على نضج الشعب المصرى، وأظهر تمسكه بحقه فى اختيار ممثليه لبناء مصر الحديثة ووضع أول لبنة فى هذا البناء.. وممثلة فى السلطة التشريعية أحد أضلاع سلطات الدولة المصرية. * د. سمير برهان: الانتخابات ستقضى على الاحتقان بالشارع المصرى *شاهندة مقلد: المصريون نجحوا فى الاختبار الأول للديمقراطية المستشار عبد المعز إبراهيم : مرشحون بارزون تلقوا أموالاً من جهات خارجية : من المفاجآت المدوية التى أعلنها رئيس اللجنة العليا للانتخابات المستشار عبدالمعز إبراهيم أن هناك عدداً من المرشحين البارزين تلقوا أموالاً من جهات خارجية.. لكى ينفذوا مخططات بعينها تضر بالبلد. وهناك جهات أمنية تحقق فى هذه المعلومات والوقائع لاتخاذ اللازم ضد المتورطين، وندبت أحد المستشارين ليحقق فى هذه المسألة الخطيرة لأن هناك أسماء وشخصيات مهمة بارزة على المستوى الإعلامى متورطة فى هذه الواقعة، وأضاف عضو اللجنة العليا: لن أصرح الآن بأى اسم نظراً لسرية الموضوع ولكن بعد استكمال التحقيقات والوصول إلى الصورة الحقيقية للواقعة سوف نعلن القضية للرأى العام ونتخذ الإجراءات القانونية ضد من تجاوز القانون. الأمر الآخر عقد مجلس نادى القضاة جلسة طارئة فى اليوم الثانى للانتخابات للنظر فى المشاكل التى تعرض لها القضاة وخاصة بعد تعرضهم للعنف فى عدد من دوائر القاهرة وتعرض مستشار للضرب فى المعادى...أيمن عبدالوهاب : احترام رأى الأغلبية هو قمة الديمقراطية... أكتوبر تحاورت مع عدد من المفكرين والسياسيين لمعرفة تقييمهم للتجربة الانتخابية ورغم تباين الآراء فإنهم اتفقوا على أن ما حدث.. هو الخطوة الأولى لتحقيق الديمقراطية.يؤكد السفير د. سمير برهان مساعد وزير الخارجية السابق أن المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية أظهرت الديمقراطية الحقيقية فى كل مكان بمصر.. وقد شاهد بنفسه ذلك، عندما توجه للإدلاء بصوته فى لجنة الزمالك التابعة لدائرة قصر النيل (مربع الثورة). وأضاف: أنه رأى أداء رائعا وراقيا من جميع المواطنين، على الرغم ممن تفاوتهم الثقافى والعمرى، وهذا يبشر بكل خير، فهو عرس حقيقى للديمقراطية.. والتى ستزدهر وتؤتى ثمارها بسرعة شديدة، وليس أدل على ذلك من ارتفاع مؤشرات البورصة المصرية خلال اليوم الأول من إجراء الانتخابات. وقال:برهان إننا نسير فى الطريق الصحيح.. ذلك لأن القضاء على الفوضى والعشوائية هو أمر طبيعى لابد من حدوثه.. والأداء الذى تم، هو أداء منظم، حيث شاهد مئات المواطنين يقفون فى طوابير طويلة منظمة، بلا صخب أو مشاجرات واختفت كل المظاهر السلبية التى كان يراها فى الانتخابات الماضية والتى كانت تمنع المواطنين من الادلاء بأصواتهم فكل الأمور كانت تسير فى هدوء وانتظام. ويرى برهان أن الانتخابات ستؤدى إلى إزالة الاحتقان من الشارع المصرى.. وتخفف الانقسام بين الآراء.. وستزيد من شعور المواطنين بالأمن والاستقرار. من جهته يشير د. أيمن عبد الوهاب رئيس وحدة دراسات المجتمع المدنى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أن إجراء العملية الانتخابية مسألة مهمة وأساسية فى المرحلة الانتقالية التى تمر بها مصر منذ 11 فبراير 2011.. وهذه الانتخابات تضع اللبنة الأولى لاستعادة المؤسسات التشريعية لبناء الدولة المصرية الحديثة على أسس ديمقراطية، فأيا كانت النتائج، فإن الاقبال الشعبى والذى واكبه حرص جماهيرى واسع على المشاركة يؤكد على أهمية الوعى الجماهيرى.. وحرص العديد من القوى السياسية على تواجدها.. ورغبة المجلس العسكرى فى إنهاء المرحلة الانتقالية، وبالنسبة للأداء الانتخابى فإنه يعكس وعى الجماهير.. ويؤكد على رغبة المصريين فى إنهاء هذه المرحلة.. وترسيخ الأمن واستعادة هيبة الدولة. ومن جانب القوى السياسية فإن الأمر يختلف.. فهناك العديد من القوى فى مقدمتها تيار الإسلام السياسى الذى كان أكثر حرصا على إجراء العملية الانتخابية لتقديره أنه بإمكانه الفوز بعدد كبير من المقاعد فى مجلس الشعب.. وفى المقابل كان هناك تيار آخر يرى أنه لن يستطيع أن يحقق نسبة معقولة فى الانتخابات.. وبالتالى سعى إلى تعطيل العملية الانتخابية.. وما بين الاتجاهين، كانت هناك قوى سياسية تمثل الحالة الوسطى..حيث إنها لم تكن قد استعدت بالقدر الكافى للعملية الانتخابية.. وقد ظهر موقفها متأرجحًا بين القبول والرفض. ومن هنا يؤكد د. أيمن عبد الوهاب عدم توافر الاجماع لهذه الحالة.. وهذا أمر طبيعى.. فيجب التعود على صيغ التوافق.. والتسلح باحترام رأى الأغلبية، لأن هذه هى الديمقراطية ومن المؤكد أن الانتخابات الحالية ستدير العجلة لإعادة بناء مصر.. وإنهاء المرحلة الانتقالية.. ومن المتوقع أن يكون هناك بعض الرفض والموافقة على الاتجاهات التى لا تحقق مصالح ورؤى بعض القوى السياسية.. لكن ذلك لا يعنى وقف عملية بناء المؤسسات التشريعية والتنفيذية التى توفر القدرة على بناء الدولة الديمقراطية التى نسعى إليها.. وما بين الرفض والقبول يجب الاحتكام إلى الصندوق وما يفرزه من رؤى واتجاهات حتى وإن رفضها البعض، فيجب القبول بنتائج الصندوق.. والاستعداد للجولات القادمة... وكلما تعمقت ثقافة الديمقراطية وترسيخ أداء المؤسسات على قاعدة المواطنة والاحتكام إلى القانون، توفر لدينا قوة دفع أكبر نحو الدولة الديمقراطية التى ننشدها. أصحاب الأموال ! فى المقابل قالت شاهندة مقلد الأمين العام لاتحاد الفلاحين المصريين أنها تشعر بالأسف الشديد لأنها تعتقد أن الانتخابات التى تجرى حاليًا لن تأتى معبرة عن مصالح الشعب المصرى أو ترسخ استقرار أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. والسبب فى ذلك أن القادمين إلى البرلمان الجديد هم من أصحاب الأموال الكثيفة من كافة التيارات.. وهذا الخليط فى معظمه مبنى على أسس عرقية ودينية وليس على أسس مجتمعية. وبالنسبة للشق الايجابى والعظيم فهو الشعب المصرى الذى اتيحت له فرصة المشاركة حتى وإن كانت الظروف مرتبكة وغير مستقرة.. أو غير مؤهلة للاختيار الصحيح. والشعب المصرى لم يعد صامتًا.. وإذا أخطأ اليوم فإنه سيصحح الخطأ فى المستقبل. أما الأداء الانتخابى فلا يوجد به وضوح.. ولا توجد أمام الناخب فكرة محددة عن جموع المرشحين بدءا مِنْ مَنْ هم هؤلاء المرشحون.. وما هو تاريخهم وبرامجهم، ومدى قدرتهم على تحمل المسئولية.. وعلى كل فهى التجربة الأولى نحو الاستقرار.. والخطوة الأولى التى اتيحت للشعب للمشاركة فى بناء المستقبل الذى ينشده. ويشير د. سمير عبد الوهاب مدير وحدة دعم سياسات اللامركزية بجامعة القاهرة إلى أن الانتخابات البرلمانية تعتبر خطوة مهمة فى استقرار البلاد.. وتسليم السلطة من المجلس العسكرى إلى حكومة مدنية.. وهذا أول أهداف الثورة.. والذى يعنى بوجود حياة ديمقراطية.. وإعطاء الفرصة للمواطنين فى تحديد مصيرهم ومستقبلهم.. فضلًا عن أن البرلمان المقبل هو الذى سيشكل الجمعية التأسيسة التى تضع دستورا جديدا للبلاد.. ويحدد النظام السياسى للدولة ومقوماتها بصفة عامة.. وبدون إجراء انتخابات سيظل الوضع مجمدًا.. وربما يؤدى إلى المزيد من الاحتقان والقلاقل. ومازالت هناك صعوبة فى تقييم العملية الانتخابية.. لكن من حيث المبدأ فهى تسير فى الطريق الصحيح.. ونتمنى أن تنتهى على خير.. وتعكس المشاركة الفعلية لجموع الناخبين فى اختيار مرشحيهم الذين يثقون فيهم.. ويرون أنهم يعبرون عن أرادتهم.. وهؤلاء هم الذين ينوبون عنهم فى اختيار الجمعية التى تضع الدستور الجديد ويواصل د. سمير عبد الوهاب حديثه قائلًا: إذا سارت الانتخابات فى طريقها الصحيح فإنها ستؤدى إلى تخفيف الاحتقان فى ربوع البلاد.. وستؤدى إلى تشكيل السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.. وكذلك تحديد شكل الحكومة بعد انتهاء اللجنة المرحلة الانتقالية. دور الشرطة عبد الغفار شكر وكيل مؤسسى حزب التحالف الشعبى الاشتراكى له رأى آخر، وهو أن الاقبال الشديد للشعب على الانتخابات البرلمانية.. والمعدل العالى الذى أظهرته نسبة الحضور يؤكد رغبة الناس فى الاستقرار.. والاتجاه إلى تشكيل مجلس شعب جديد لإنهاء المرحلة الانتقالية فى ميعادها.. لكن هناك عوامل أخرى تلعب دورًا فى تحقيق الاستقرار من عدمه.. أولها: النجاح فى مواجهة الانفلات الأمنى.. واستعادة الشرطة لقدراتها على توفير الأمان فى المجتمع.. ومدى استعداد الحكومة لاتخاذ إجراءات خاصة بتحقيق العدالة الاجتماعية مثل تحديد الحد الأقصى والحد الأدنى للأجور.. وخفض نسبة البطالة المرتفعة بخلق فرص عمل جديدة. وأضاف شكر أن التوتر يحدث عندما تكون نتائج الانتخابات عكس ما صوت عليه المواطنون.. وهنا ينصرف المواطنون عن الانتخابات.. لكن طالما كانت الانتخابات حرة نزيهة، فسوف يقبل المواطنون على ممارسة حقوقهم الديمقراطية لتغيير من لا يرضون عنهم. ويرى عبد الغفار شكر أن الإقبال الكبير من كل طبقات الشعب على المشاركة فى الانتخابات يعزز الثقة فى المستقبل.. ويؤكد أن الشعب المصرى هو خير حارس لهذا المستقبل. ومن يحصل على الأغلبية فى مجلس الشعب الجديد يجب أن يدرك أن الدستور الجديد لابد أن يعبر عن مجمل قوى الأمة.. وليس الأغلبية فقط. وتقول د. نادية حلمى الخبيرة فى شئون الشرق الأوسط بجامعة بكين بالصين أن خروج جموع الشعب المصرى للمشاركة فى صنع مستقبل الوطن هو قمة الديمقراطية.. والتى تمخضت عن ثورة 25 يناير المجيدة.. وتأتى أهمية هذه الانتخابات لكونها أول انتخابات بعد مرور 30 عامًا.. تتسم بالشفافية والمصداقية بالمقارنة بالانتخابات السابقة التى كان يسود فيها التزوير وشراء الأصوات، مع تعاظم دور العصبيات والقبليات .. وهذه الانتخابات تعد نقلة نوعية فى تاريخ مصر الحديث.. بدليل ما نراه من الاقبال الشديد من المواطنين على صناديق الاقتراع لدرجة أن نسبة المشاركة وصلت إلى 80% فى بعض اللجان.. ولعب العنصر النسائى دورًا مهما فى زيادة أعداد الناخبين.. وقد تحملن مشاق الوقوف فى طوابير طويلة خاصة كبار السن.. أما من الناحية الاجتماعية فإن هذه الانتخابات أكدت تلاحم الأسرة المصرية وترابطها.. حيث وجدنا بعض الأسر التى اصطحب عائلها زوجته وأبناءه للإدلاء بأصواتهم.. وكل منهم يدرك أن لصوته قيمة.. وأشارت د. نادية إلى استطلاع للرأى أجراه مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية كشف أن مطلب الاستقرار الاقتصادى للبلاد هو العنصر الغالب.. يليه الاحتياج لتحقيق الأمن.. وبين الاستطلاع أننا فى حاجة إلى بناء منظومة اقتصاد متكاملة.. مع ضرورة توفر حد أدنى من الأمن والأمان فى البلاد.. وبغير الانتخابات البرلمانية لن يقف اقتصاد البلاد على قدميه مرة أخرى.. والدليل على ذلك انخفاض مؤشرات البورصة فى الآونة الأخيرة بعد الثورة وما تلتها من أحداث.. والانتخابات هى بريق الأمل الذى يدفع بالبلاد إلى مرحلة أكثر استقرارًا وثباتًا.. وستؤدى إلى إعادة ترتيب الأوراق لدى القوى السياسية المختلفة.. والتى ستبين قوة كل تيار من هذه القوى فى الشارع المصرى وحجم تأثيره.. ومدى ما يقدمه من خدمات. وتوجه د. نادية حلمى بعض النصائح للناخبين أولها: لا تعط صوتك لمن يشتريه بكسرة خبز، أو قطعة لحم، أو كيلو سكر، أو عبوة زيت.. والنصيحة الثانية: لا تعط صوتك لمن يقول لك إن صوتك صدقة جارية.. والنصيحة الأشمل لا تعط صوتك لمن لا يستحقه.. أو الذين يدفعون رشاوى انتخابية. وتنهى د. نادية حلمى حديثها بأن الانتخابات البرلمانية هى السبيل لإعادة الاستقرار إلى البلاد.. حيث إنها تمكن الشعب من اختيار نوابه الذين يمثلونه فى مجلس الشعب لإعادة بناء مؤسسات الدولة وأولها المؤسسة التشريعية.. وإعادة صياغة الدستور.. وتشكيل حكومة وطنية، وانتخاب رئيس للجمهورية فى وجود تعددية ومنافسة شريفة لاختيار من يصلح لقيادة مصر فى هذه الفترة التاريخية المهمة. وفى النهاية يقول السفير محيى الدين بسيونى عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية إن اختيار الشعب لنوابه هو خطوة نحو تحقيق الاستقرار.. وتشكيل مجلس الشعب طبقًا لما يقرره الناخب المصرى .. وخلال المرحلة المقبلة يمكن للشعب أن يقيم أداء النواب.. ويتصرف وفقًا لهذا التقييم.. ومن المؤكد أن المجلس النيابى الجديد سيحقق الاستقرار الاجتماعى والسياسى المنشود لأنه ثمرة اختيار الشعب. ويرى بسيونى أن الأخطاء التى اقترفتها المجالس النيابية السابقة ستكون درسًَا مهمًا أمام المجلس الجديد حتى يصحح هذه الأخطاء.. وعلى النواب الجدد أن يكونوا أكثر اقترابًا من نبض الشارع المصرى.. وهذا أمر من شأنه أن يعينهم على القيام بواجباتهم التشريعية والرقابية على أكمل وجه. وأكد أنه بانتهاء العملية الانتخابية سينتهى الاحتقان والتوتر من الشارع المصرى، لأن ممثلى الشعب الجدد هم نتاج حقيقى لاختيارات الشعب، بعد زوال عمليات التزوير لإرادته، وعلى الجميع أن يتعظوا من التدفق الهائل للجماهير نحو صناديق الانتخابات.. ويفهموا أنه جاء نتيجة الشعور بحرية الاختيار.. والشعب الذى جاء بهم يمكن أن يسحب الثقة منهم مرة أخرى إذا لم يكونوا عند حسن ظنه!