تعانى أغلب الأراضى الزراعية من النقص الشديد فى مياه الرى مما يهدد بتدمير عدد من المحاصيل الاستراتيجية التى تمثل ركيزة مهمة فى الاقتصاد ورغم صراخات الاستغاثة التى أطلقها المزارعون على مدار سنوات لكى تنقذهم حكومات العصر البائد من خطر الإهمال فإن أحداً لم يستجب لهم مما ضاعف من تأثير مشاكل الرى والأسمدة والقروض ودفع فى النهاية الفلاح البسيط الثمن من قوته وقوت أولاده: الأمر الذى يمثل كارثة على الاقتصاد لو انصرف عدد كبير من الفلاحين عن الزراعة.. «أكتوبر» تلقى الضوء على حزمة من المعوقات والمشاكل التى تعرقل مسيرة الفلاح المصرى. يقول عاطف محمد مزارع إن محافظة الفيوم تعانى من قلة مياه الرى وخاصة فى القرى والنجوع فى أراضى النهايات بمركز أبشواى يوسف الصديق مما يهدد ببوار الأراضى الزراعية والتى أصبحت غير منتجة نتيجة عدم وجود مياه الرى رغم أنها المصدر الوحيد لنا والكارثة فى المحاصيل الصيفية التى تتعرض للتدمير لعدم وجود المياه ويتساءل لماذا يتم منع مياه الرى عن أراضينا؟. فالبعض يقول بسبب زيادة منسوب مياه بحيرة قارون والبعض الآخر يتهم الفلاحين بصرف الفاقد من مياه الرى إلى بحيرة قارون وهذا افتراء على الفلاحين. بينما يقول مصطفى أحمد مزارع وخريج كلية التجارة يجب تغيير منظومة توزيع الأسمدة الكيماوية فى مصر لرفع العبء عن المزراعين ولا نحّملهم تكاليف باهظة بعدما وقعوا فريسة لمافيا الأسمدة الذين يريدون التربح من غير وجه حق على حساب أمننا الغذائى الذى بات مهددا بانهيار كامل نتيجة تهريب كميات كبيرة من الأسمدة إلى السوق السوداء وذلك نتيجة القرارات الخاطئة من قبل وزارتى الرى والزراعة فى غياب رؤية متكاملة للسياسة الزراعية. واقترح بأن تكون هناك جهة واحدة مسئولة عن توزيع الأسمدة الكيماوية حتى تمكن محاسبتها وتكون هناك جهة رقابية لضمان وصول دعم الأسمدة الذى يقدر بنحو 2 مليار جنيه سنوياً ليصل إلى مستحقية لتحقيق أعلى معدلات إنتاجية للفدان وتنمية المزارع. ويقول محمد محمود: إن قرية أباظة هى التى تدفع الثمن بسبب التجاهل الشديد من قبل المسئولين رغم تقديم العديد من الاستغاثات للمسئولين لأن أراضى النهايات لا يوجد لها مياه رى كافية تغطى احتياجاتها الأمر الذى قد يجبرنا على الاستغناء عن زراعة أراضينا بالمحاصيل الزراعية التى تعود بدخل مناسب علينا. ويضيف خلف الله عبد الله أن أراضى مركز يوسف الصديق تعانى نقصاً شديداً فى مياه الرى إضافة إلى تلوث مياة الشرب وانقطاعها المستمر ولا يتدخل لحلها أى مسئول. وأضاف أن الفلاحين يلجأون إلى شق الآبار الجوفية لسد احتياجات كل أسرة وخاصة أنه لا يوجد مصدر لهم سوى الأراضى: فى حين يفكر البعض أن يترك أرضه والعمل بأية مهنة أخرى مادام المسئولون لا يحلون مشاكلهم المزمنة والبعض الآخر يفضل البيع بأبخس الأسعار من أجل أن يوفر قوته هو وأولاده. بينما يقول عادل السيد إن مشاكل المزارعين فى البحيرة لا حصر لها بسبب قلة مياه الرى بخاصة قريتى الرحمانية وشبراخيت وغيرهما وقدم أهالى القريتين شكاوى عديدة ولم يستجب المسئولون، حيث إن قلة مياه الرى قضت على المحاصيل بجانب عدم توافر الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية بالجمعيات الزراعية ويتم بيع الأسمدة لتجار السوق السوداء مما أدى إلى وقوع المزراعين فريسة لتجار السوق السوداء، بالإضافة إلى عدم وجود مياه رى مما دفع الفلاحين إلى استخدام مياه الرى. فى حين يرى جمال أحمد مزارع بسوهاج أن الفلاح يعانى من ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات وانخفاض أسعار المحاصيل الزراعية وأصبح بنك التنمية والائتمان الزراعى يمنح قروضاً للفلاحين بفوائد كبيرة أدت إلى عدم قدرة أغلب الفلاحين على سداد تلك القروض لأن هدف هذه البنوك هو الربح وليس دعم المزارعين، حيث كانت فى الماضى تقوم بإقراض الفلاح وتساعده على السداد فى ميعاد التحصيل مقابل رسوم أو فوائد قليلة جدا ولكنها الآن تسعى للإيقاع بالفلاح فى فخ القروض تمهيدا لسجنه. بينما يرى طارق عبد العزيز موظف أن بنك التنمية والائتمان الزراعى خرج عن الهدف الذى أنشئ من أجله فأصبح لا يمد المزارعين بأفضل أنواع الأسمدة والتقاوى وكان يقرض المزارع ثمن المواشى وحتى الدواجن لحين موعد الحصاد فيسدد الفلاح كل ما عليه مقابل رسوم ضئيلة جدا ولكن وقع عدد من مسئولى الحكومة السابقة فى ورطة تطبيق حزمة سياسات لتحرير الأسواق من القطاع الزراعى مما يعنى التخلى عن المزارعين وتحجيم بعد التعاونيات ورفع الدعم عن مستلزمات الإنتاج الزراعى وخاصة أن 42% من الفلاحين فى مصر يمتلكون حيازات أقل من فدان، وبالتالى يحتاجون إلى الإقراض للانفاق على محصولهم حتى جمعه وتسويقه وغاب دور بنك التنمية والائتمان الزراعى رغم أنه البنك الوحيد المتخصص فى منح القروض الزراعية وتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعى وتوزيعها على الجمعيات التعاونية الزراعية ويحصل عليها الفلاحون ويسددون ثمنها، وفى حالة تحويل البنك إلى شركة مساهمة فإنه يستخلى عن دوره التنموى إلى العمل، بالإضافة إلى أن ذلك قد يجعل عدداً من الأعضاء مجلس الإدارة من دول أجنية وهنا سيتحكمون فى الأمن الغذائى المصرى وهذا يعد كارثة حقيقية وخاصة أن إعادة هيكلة البنك بدأت فعليا فى ظل أزمة مديونية الفلاحين للبنك. من جهته قال د. هشام قنديل وزير الموارد المائية والرى إنه فى حالة تفعيل دور الروابط المائية سوف يقلل من حجم مشكلة قلة مياه الرى، مشيرا إلى أن الانفلات الأمنى من أهم أسباب مشاكل الرى الذى تشهده مصر الآن لافتا إلى أن هناك 5 مشاريع تمت مناقشتها مع محافظ الفيوم ووكيل وزارة الرى من أهمها مشروع المصرف القطعى الذى سيكون عاملاً أساسياً فى حل أزمة مياه الرى وأيضا محطة العياط التى ستنتهى الأعمال بها خلال عام، بالاضافة إلى أنه سوف يتم تقسيم أعمال الرى وسوف يقلل كل هذا من حجم المشكلة فى الفترة القادمة بمحافظة الفيوم. وأضاف د. هشام قنديل أن الدولة تحملت 30 مليون جنيه لعلاج مشاكل التعديات على مياه الرى فى مشروع ترعة السلام بسيناء حيث إن أبرز المشاكل التى تواجه التنمية فى سيناء هى التعديات على مآخذ الرى مما يؤثر سلبيا على خطط الدولة فى التنمية حيث إن كمية المياه الواردة إلى سيناء عبر مشروع ترعة السلام تهدف إلى زراعة 400 ألف فدان فى حين لم يتم زراعة سوى100 ألف فدان ولكن أصحاب المزارع السمكية يقومون بالتعدى على المياه ومن هنا تحدث المشكلة، بالإضافة إلى الانفلات الأمنى الذى تشهده البلاد إلا أن عودة الأجهزة الأمنية لأداء دورها سيسهم فى حل المشكلة، حيث استغل البعض غياب الأمن لرفع المياه بطريقة غير رسمية وفتح البوابات فى غير مواعيدها وعدم الالتزام بالمناوبات وعدم الرى الليلى مما ألحق الضرر بالأراضى الواقعة فى نهايات الترع وتجميد محاضر تبديد المياه فى سيناء لمراعاة البعد الاجتماعى. وأضاف: نختار الآن عناصر جديدة من الخبراء والمهندسين للتعامل مع هذا الملف وتفعيل البرنامج القومى لتطوير الرى، والتعامل مع الزراعات الشرهة للمياه مثل الأرز، حيث كانت المساحة المخصصة مليوناً وستة وسبعين ألف فدان ولكن تم حصرها فى إلى 650 ألف فدان إضافية لم تكن مقررة وهو ما تعمل الوزارة على تجنبه العام المقبل بكل الوسائل القانونية وهناك خطط للوزارة لحل جميع المشاكل وفق خطط يتم تنفيذها على مراحل.