حين يهل علينا شهر رمضان من كل عام نعيش خلاله أجواء إيمانية تمدنا بطاقة روحانية وتمتد هذه الأجواء حتى نهاية العام الهجرى نتزود بها طوال بقية شهور السنة حتى تعاودنا مرة أخرى.. ونحن هذه الأيام نودع عاماً هجرياً تحل علينا فى أخريات أيامه مناسبة عزيزة علينا جميعاً وهى موسم الحج تلك المناسبة التى تتجلى فيها مظاهر المشهد المهيب حين يجتمع الحجيج من ضيوف الرحمن ليبرزوا عظمة الطاعة للحق سبحانه وتعالى.. وبالأمس فقط كان الوقوف بعرفة وهو الركن الأهم فى مناسك الحج وبدونه لا تكتمل الفريضة الغالية، حيث قال صلى الله عليه وسلم:(الحج عرفة)، واليوم هو أول أيام عيد الأضحى المبارك.. كل عام وأنتم بخير وسائر الأمة الإسلامية بكل خير وبركة.. وفى هذا اليوم نرى أبهى صور التكافل والتضامن بين المسلمين جميعاً غنيهم وفقيرهم، كبيرهم وصغيرهم، تطبيقا لسنة نبى الله إبراهيم «أبو الأنبياء» حين رأى فى المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام وكان موقفه المشهود حين سلَّم بأمر الله، قائلا لأبيه:(? ? ? ? ? ?).. وجرت فى الإسلام هذه السنة الشريفة على كل مستطيع أن يذبح أضحية ليطعم الجائع الفقير، فضلا عن مظهر آخر لا يقل أهمية وسموا وهو التراحم والتواد بين الأهل، حيث يتهادى بعضهم البعض مضيفاً لهذا اليوم العظيم مشاعر إيجابية قوامها المحبة تصديقاً للحديث الشريف:(تهادوا تحابوا)، ونحن أحوج ما نكون لمثل هذه المشاعر فى زمن طغت عليه مسالب كثيرة منها الجنوح نحو المادية الصماء التى تبتعد بنا عن كل مشاعر التآلف والإخاء.. ونحمد الله أن جعلنا سبحانه معتصمين بطاعته فى هذه الأيام المباركة والمتفردة، بمشاعر نورانية تمثل فيضا من نعمته وقبسا من ضياء خفى يكمن فى أيام الحج من كل عام.. ورغم كل ذلك فإننا نرى من الظواهر المستحدثة ما يكاد يفسد هذه الأجواء العطرة.. وقد لفت نظرى وأنظار الكثيرين بدعة هى أقرب إلى «التقليعة» والتى نرفضها جميعا إذا ما كانت انتهاكا لما يجب أن يكون عليه الدعاة أو علماء الدين من جلال ووقار، وهى انتشار إعلانات غريبة وغير مسبوقة تدعو المصلين لأداء صلاة العيد فى مساجد بعينها وإلى هنا والأمر لا غرابة فيه ولا غضاضة منه، ولكن المثير للدهشة أن حثت هذه الإعلانات فى مضمونها الذى ظنه المعلنون ترغيبا أو إن شئت إغراء للمصلين، حيث ذكرت أن الصلاة خلف الأئمة من فرسان القنوات الفضائية، مما يثير كثيرا من علامات الاستفهام حين يذكر أسماء الفرسان بما يوحى أن الصلاة خلف سواهم تكون غير مقبولة والعياذ بالله! وإذا ما قيمّنا هذه الأسماء نجد عليهم كثيرا من التحفظات ليس هنا مجال لذكرها وإن شئنا ذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر فإنهم يدعون إلى التشدد والتطرف مبتعدين عما يميز الإسلام عما سبقه من أديان باعتباره آخر الأديان من توافق مع الطبيعة البشرية وأن مجمل أحكامه تجنح نحو الاستطاعة بلا تجاوز لهذه الأحكام مع الاحتفاظ بسماحته المعهودة والتى تجعل منه دينا خاتما حتى قيام الساعة.. ومما يثير العجب أن هذه الإعلانات قد انتشرت بشكل يثير الريبة والشك فضلا عما أحدثته من آثار عكسية، حيث قوبلت بما تستحقه من رفض وعزوف لما أفقدته من جلال المناسبة الدينية العظيمة وكأنها تماثل الدعوة لحضور حفلة ساهرة تحت إغراء نجومية من يقوم بإحيائها والفارق هو استبدال نجوم الحفلات بما أطلق عليهم فرسان القنوات الفضائية.. وهنا تقفز إلى الأذهان حقبة تاريخية كانت خلالها كوكبة من العلماء الأجلاء بالأزهر الشريف ممن حملوا لواء الدعوة الإسلامية ليس فى مصر فقط، إنما فى سائر دول العالم الإسلامى قاطبة ومنهم الشيخ محمود شلتوت والدكتور عبد الحليم محمود والدكتور محمد الفحام والشيخ محمد الغزالى الذى كان يؤم المصلين لسنوات طويلة فى ساحة مسجد مصطفى محمود فى صلاة العيدين، وكان المصلون شبابا وشيبة ونساء ورجالا وأطفالا لم يبلغوا الحلم يعدون بالآلاف جاءوا طوعا ودافعهم الوحيد ابتغاء مرضاة الله وتستكمل فرحتهم بالعيد وهنا نتساءل: هل كان هؤلاء العلماء والأجلاء من فرسان الفضائيات؟ وإن كانوا فرسانا فهم كذلك ولكن فرسان المنابر التى يبث من خلالها صحيح علوم الدين دون مغالاة أو تشدد أو دعوة للتطرف.. وهنا تبدو حاجتنا ملحة لأن يعود الأزهر الشريف للقيام بدوره المفقود حاليا حتى نقى أنفسنا من شرور التقاليع عبر القنوات الفضائية.. وكل عام ونحن جميعا بخير.