الكاتب الكبير أنيس منصور له العديد من الاصدقاء الفنانين والفنانات الذين ارتبط معهم بصداقات قوية وكان من بينهم سيدة الغناء العربى أم كلثوم. وفى احد الايام ذهب اليها أنيس منصور فى فيلتها الواقعة فى الزمالك لاجراء حوار صحفى فكان الحوار متبادلا بينهما فى حديقة الفيلا وكان هذا آخر حوار لأم كلثوم والذى تم نشره فى عدد خاص من مجلة آخر ساعة عن أم كلثوم بعد وفاتها فى ذكرى الاربعين بتاريخ 12 مارس 1975.. * * * أم كلثوم اذابت الناس فيها أو ذابت هى فى الناس فهى تغنى أو هم يغنون لها او هى تصفق لهم وهم يغنون، ان صوتها سيبقى لمئات السنين متعة شرقية ووثيقة تاريخية فهى السيدة الوحيدة فى العالم التى تغنى الاغنية الواحدة فى ساعة او ساعتين ، ان الاوبرا التى يشترك فى غنائها العشرات من المطربين المختلفى الاصوات لا تزيد على ساعة ونصف ساعة واحيانا ساعتين تتخللها استراحات قصيرة او طويلة ولكن ام كلثوم بفستان واحد ومنديل واحد ووقفة واحدة ومنظر واحد ولحن واحد واوركسترا واحد وفى ليلة واحدة تستطيع ان تذيب الناس فى عرق ودموع... فى بداية الحوار ضحكت ام كلثوم وسألتنى انت كنت تغنى.. والله غنى ياشيخ ..غنى والنبى خلينا نضحك شوية ؟ واقسم وقتها انيس منصور انه قد تغنى لها.. واقسم ان يروى لها كيف حدث ذلك؟! قال أنيس كنت فى فيينا من عشرين عاما وهناك سمعت ان مهرجانا للشباب قد انعقد وسألونى قلت مصرى وسألونى طالب؟ قلت نعم.. مع انى كنت مدرسا للفلسفة بكلية الآداب.. ولكن شكلى فى ذلك الوقت بدا كطالب ودفعونى الى الميكرفون وسألونى عن الحياة فى مصر وعن حرية الفتاة وعن الادب والفن وان كانت هذه زيارتى الاولى للنمسا فقلت الرابعة وانها اعجبتنى وسوف اتردد عليها كلما جئت الى اوروبا، ثم جاءت اللحظة الرهيبة وأحسست أننى احد رجال السيرك واننى يجب ان اقفز من فوق الى حوض ماء بارد على ظهر حصان عندما قيل لى هل تسمعنا النشيد القومى لمصر وفى هذه اللحظة نسيت كل شئ ونشطت غريزة البقاء فى وجه العاصفة وانفتح فمى يقول هلت ليالى القمر يحلى بنا السهر وقلتها بصوت شديد الحماس او توهمت ذلك وأنزلونى ولا اقول اننى نزلت من فوق المنصة وجلست فى مكان لا ارى فيه احداً انما كل ماحولى أصوات غامضة ووجوه مبهمة وانا لا اعرف هل انا موجود او غير موجود... ام كلثوم: احب اسمع كيف فضحتنا عند الخواجات والله لازم أسمعك.. أنيس منصور: وقفت وقلت متحمسا كأننى اهتف فى مظاهرة «هلت ليالى القمر» ضحكت ام كلثوم: لما انت خوفت القمر بهذا الشكل طلع القمر؟ فقلت لها موقف آخر: غنيت فيه لها وقلت حدث ذلك فى اليابان فى جلسة ضمت عدداً من الصحفيين منهم الامريكى والايطالى والفرنسى والهندى وكان الذى دعانا رجل صينى وغنى كل واحد منا اغنية ولم تكن الاصوات جميلة ومطلوب من كل واحد ان يترجم لزملائه وتحشرجت الاصوات وتبعتها الضحكات، واحنا معانا قرد .. نظرت ام كلثوم مندهشة: ما هذا ؟ قال أنيس: صبرك.. وقلت: واحنا معانا قرد طالع فى ليلة برد وقبل ان تقاطعنى ام كلثوم قلت لها: لقد نظرت الى جوارى فوجدت صاحب الدعوة كالقرد تماما وغير معقول ان اردد ورائك واحنا معانا بدر طالع فى ليلة قدر .. فضحكت ام كلثوم ضحكة عالية لم ار مثلها من قبل واتصور انها لم تضحك فى حياتها كمثل هذا الضحك.. انتقل الحوار بعد ذلك حول رأيها فى مطربات فى ذلك الحين.. * مارأيك فى سعاد محمد؟ ** تلميذة فى مدرستى. * وشادية؟ ** صوتها ظريف. * نجاة ؟ ** صوتها حنون. * وماذا عن فيروز؟ ** صوتها فريد وهى محبوبة فى مصر تماما كما هى فى لبنان وفى كل البلاد العربية.. * لقد غنت فيروز اغنية يا جارة الوادى التى لحنها عبد الوهاب وسألنى عبد الوهاب عن رأيك فى الأغنية فما هو رأيك؟ ** عبد الوهاب على رأسنا من فوق.. وبهذا السؤال انتهى الحوار المتبادل الذى جمع بين الكاتب الكبير أنيس منصور وكوكب الشرق أم كلثوم.